قالت إلينورا منتحبة: «من فضلك، أخبريني ما الخطأ الذي اقترفته؟ لا أستطيع أن أكون بحال أفضل ما لم أعرف ما الذي جنيته!»
توقفت روكساندرا عن حك جسدها. «ليس من الجيد أن نلهو مع الحيوانات. أخشى أن يراك أحد من الناس! كفانا ما لدينا من مشكلات بسبب شكوك الناس في اليهود واشتغال والدك في توريد السجاد باستمرار إلى إسطنبول. وآخر ما نرجوه هو لفت المزيد من الأنظار إلينا.»
قالت إلينورا: «لكنه كان مجروحا. كانت توجد قطعة معدنية مغروسة في ساقه، وأرادني أن أساعده.»
غمست روكساندرا اللوفة في الماء البارد، وأخذت تحك جسدها مرة أخرى. «لا يعنيني ما ظننت أن هذا الظبي يريده. لا أريد أبدا أن أراك تفعلين شيئا كهذا مرة أخرى، ولا أريدك أن تخبري أي شخص بهذا الموضوع، ولا حتى والدك. أتفهمينني؟»
كانت إلينورا أذكى من أن تعترض، وعندما فرغت من الاستحمام اعتذرت بشدة لروكساندرا عما بدر منها، ووعدتها ألا تلهو أبدا مع الحيوانات مرة أخرى. وظنت إلينورا أن الموقف قد انتهى عند هذا الحد، وقد كانت محقة من ناحية ما في ذلك؛ إذ لم تأت خالتها قط على ذكر الواقعة مرة أخرى، إلا أن إلينورا لم تستطع أن تمنع نفسها من التفكير في أن ثمة علاقة ما بين الظبي وما أعلنته روكساندرا في صبيحة اليوم التالي وقت الإفطار؛ حيث قالت إنه آن الأوان كي تبدأ إلينورا في تعلم مهارات التدبير المنزلي. فهذه المهارات سوف تنفعها أيما نفع لبقية حياتها، وسوف تساعدها في جذب زوج مناسب، والأهم أن اليد البطالة نجسة. ومع أن يعقوب أبدى بعض التحفظات بشأن هذه الخطة، فإنه خول سلطته في هذه المسألة إلى روكساندرا، التي أكدت له أن إلينورا قادرة تماما على أداء المهمة. وهكذا حسم الأمر.
قالت روكساندرا: «سيكون الدرس الأول تعلم الحياكة.»
وضعت روكساندرا يدها في جيب مئزرها الأمامي، وأخرجت أحد مناديل يعقوب القديمة وإبرة وبكرة خيط. «أترين هذا؟»
مالت فوق كتف إلينورا وأشارت إلى غرز عظام السمك الزرقاء بطول الحافة الخارجية للنسيج. أومأت إلينورا برأسها إيجابا، ثم سندت مرفقيها على الطاولة وأسلمت ذقنها إلى راحة يديها. «كرري النقش نفسه بطول الحافة الداخلية. وإن كانت لديك أي استفسارات، فأنا في المطبخ.»
نظرت إلينورا إلى الإبرة والخيط الملتف مثل ثعبان في منتصف النسيج. لن يكون هذا ممتعا على الإطلاق، لكن لم يكن بوسعها أن تفعل أي شيء كي تعترض. أمسكت إلينورا بالإبرة بين إبهامها وسبابتها، ثم حدقت إلى ثقبها. وبعد أن أغمضت عينيها نصف إغماضة، ضغطت طرف الخيط بين الإبهام وسبابة اليد الأخرى، وبتركيز شديد تمكنت من أن تدخل الخيط في ثقب الإبرة. تصير الحياكة سهلة بمجرد إدخال الخيط في الإبرة. صنعت إلينورا الغرزة الأولى وهي حذرة كي لا توخز نفسها ثم سحبت الخيط بإحكام، ثم صنعت غرزة ثانية، وثالثة، ورابعة. لم يكن النقش صعبا للغاية؛ فكل ما هنالك أنها تصنع الصفين نفسيهما مرارا وتكرارا، ثم تكرر الشيء نفسه حول حافة النسيج. كان عملا مثيرا للضجر، لكنه لم يكن شديد الصعوبة.
هكذا كان شكل حياة إلينورا في الأشهر التي أعقبت حادثة الظبي؛ كانت حياة مضجرة لكنها ليست بالغة الصعوبة. كانت تساعد روكساندرا في الأعمال المنزلية؛ تمارس الحياكة وتقشر الخضراوات، تنفض الأتربة وتنظف الممر الأمامي. وفي يوم الأربعاء من كل أسبوع تنظفان معا الأرضيات، وفي أيام الآحاد تغسلان الملابس، أما يوم الإثنين فتنزلان إلى أسفل التل لارتياد السوق حيث علمتها روكساندرا للمرة الأولى فن التفاوض على الأسعار. لم يكن التدبير المنزلي بالسوء الذي توقعته إلينورا، وبصرف النظر عما كان يتعين عليها القيام به في الصباح أو بعد الظهيرة، كانت على الدوام تتطلع إلى حلول الساعة السادسة، تلك الساعة المبهجة التي تسمع فيها دون أن يخيب أملها أبدا صوت مقبض الباب وصرير وقع أقدام والدها على العتبة. كانت إلينورا تركض نحوه وتدفن وجهها في سترته، مستنشقة الرائحة التي تبدو كغبار الصوف الممزوج بشراب الكركديه، وكانت توقن في تلك اللحظات أن كل شيء سيكون على ما يرام.
نامعلوم صفحہ