کارل بوبر: سو برس کی روشن خیالی
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
اصناف
جميع الأنظمة الفيزيائية هي في الحقيقة ساعات.
إذن العالم بأسره هو آلية ساعة مكونة من ذرات يدفع بعضها بعضا مثل أسنان الترس، حتى السحب هي أجزاء من الساعة الكونية، رغم أنها بسبب تعقد الحركات الجزيئية فيها وتعذر التنبؤ بها عمليا قد تخلق فينا التوهم بأنها ليست ساعات بل سحبا غير محددة.
ولدى ميكانيكا الكوانتم، وبخاصة في صيغة شرودنجر، أشياء مهمة يمكن أن تقولها في هذه المسألة، إنها حقا تقول إن الإلكترونات تكون سحابة حول نواة الذرة، وإن مواضع وسرعات الإلكترونات المختلفة داخل السحابة هي غير محددة ومن ثم غير قابلة للتحديد، وفي زمن أحدث شخصت الجسيمات تحت الذرية كبناءات معقدة، وقد ناقش ديفيد بوم (1957م) احتمال وجود ما لا نهاية له من مثل هذه الطبقات التراتبية (المستوى صفر في المخطط 2 في قسم 7 قد يكون مؤسسا على مستويات سالبة)، إذا صح هذا فسوف يجعل فكرة كون حتمي تماما وقائم على ساعات ذرية فكرة مستحيلة.
وأيا ما كان هذا الأمر فإن تفسير النواة الذرية كمنظومة من الجسيمات في حركة سريعة، والإلكترونات المحيطة بها كسحابة إلكترونية هو تفسير كفيل بأن يقضي على حدس النظرية الذرية القديمة بوجود حتمية ميكانيكية، إن للتفاعل بين الذرات أو بين الجزيئات جانبا عشوائيا، جانبا اتفاقيا، «مصادفة» ليس فقط بالمعنى الأرسطي الذي يضعها كنقيض ل «الغرض»، بل مصادفة بالمعنى الذي يجعلها خاضعة للنظرية الاحتمالية الموضوعية للأحداث العشوائية، لا لأي شيء من قبيل القوانين الميكانيكية المحددة.
هكذا فإن الدعوى القائلة بأن جميع الأنظمة الفيزيائية، بما فيها السحب، هي في الحقيقة ساعات، قد تبين أنها دعوى خاطئة، وبحسب ميكانيكا الكوانتم فإن علينا أن نستبدل بها الدعوى المقابلة كما يلي:
جميع الأنظمة الفيزيائية، بما فيها الساعات، هي في الحقيقة سحب .
يتبين أن المذهب الميكانيكي القديم هو وهم، خلقته واقعة أن الأنظمة الثقيلة ثقلا كافيا (الأنظمة المكونة من بضعة ألوف من الذرات، مثل الجزيئات العضوية الكبيرة، والأنظمة الأثقل) تتفاعل «تقريبا» وفقا لقوانين الميكانيكا الكلاسيكية الخاصة بالساعة، شريطة ألا تتفاعل مع بعضها كيميائيا، فأنظمة البلورات - وهي الأجسام الفيزياء الصلبة التي نتناولها في أدواتنا المألوفة مثل ساعات يدنا ومنبهاتنا، والتي تكون الأثاث الرئيسي لبيئتنا - تسلك بالفعل مثل الأنظمة الميكانيكية تقريبا (ولكن تقريبا فقط)، الحق أن هذه الواقعة هي مصدر أوهامنا الحتمية والميكانيكية.
إن كل ترس من تروس ساعات يدنا هو بناء من البلورات، شبيكة من الجزيئات معلقة معا، مثل الذرات في الجزيئات، بواسطة قوى كهربية، هذا غريب، ولكنه أمر واقع أن الكهرباء هي ما يتبطن قوانين الميكانيكا، وفضلا عن ذلك فإن كل ذرة تتذبذب وكل جزيء يتذبذب، ذبذبات تعتمد سعة اهتزازها على درجة الحرارة (والعكس صحيح)، وإذا سخن الترس فسوف يتوقف عمل الساعة لأن أسنانه تتمدد (وإذا أمعن في السخونة فسوف ينصهر).
والتفاعل المتبادل بين الحرارة وساعة اليد هو أمر شائق للغاية، فمن ناحية يمكننا أن ننظر إلى درجة حرارة الساعة كشيء يحدده معدل سرعة ذراته وجزيئاته المتذبذبة، ومن ناحية أخرى يمكننا أن نسخن الساعة أو نبردها بأن نضعها في وسط ساخن أو بارد، وبحسب النظرية الحالية تعزى الحرارة إلى حركة الذرات الفردة، وهي في الوقت نفسه شيء يقع على مستوى مختلف عن مستوى الذرات الفردة المتحركة - مستوى كلي أو انبثاقي - ما دام يحدده «معدل» سرعة ذراته «جميعا».
تسلك الحرارة سلوكا شبيها جدا بسلوك سائل
نامعلوم صفحہ