کارل بوبر: سو برس کی روشن خیالی
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
اصناف
والنفس النامية (النباتية) والنفس الحاسة (والنفس الشهوية والمتحركة) عند أرسطو تناظر ما أسماه ديكارت «الأرواح الحيوانية»
Animal Spirits ، وبعكس الانطباع الأول الذي تعطيه لفظة «روح»، فإن الأرواح الحيوانية عند ديكارت هي جزء من الجهاز الجسمي الميكانيكي المحض، إنها سوائل - سوائل من صنف نادر جدا - تقوم في الحيوانات جميعا وفي الإنسان بالكثير من العمل الآلي للدماغ، وتربط الدماغ بأعضاء الحس وبالعضلات والأطراف، وهي تنتقل في الأعصاب (ومن ثم فهي استباق من ديكارت للإشارات الكهربية العصبية التي نعرفها الآن).
حتى الآن لا يوجد فرق يذكر بين نظريتي أرسطو وديكارت، غير أن التفاوت سيغدو هائلا إذا ما نظرنا إلى الصورة الكوزمولوجية ككل: يرى أرسطو إلى الإنسان بوصفه حيوانا راقيا، حيوانا عاقلا، ولكن جميع الحيوانات والنباتات، وحتى الكون الجمادي كله، هو عنده يسعى نحو أهداف وغايات، وما النباتات والحيوانات إلا درجات (بل ربما تكون درجات تطورية) تفضي من الطبيعة الجامدة إلى الإنسان، فأرسطو إذن يقول بالغائية.
أما عالم ديكارت فمختلف عن ذلك تمام الاختلاف، إنه عالم يتألف على وجه الحصر تقريبا من عدد ميكانيكية لا حياة فيها، فجميع النباتات والحيوانات هي آلات من هذا الصنف، والإنسان وحده هو من يتمتع بحياة حقيقية، هو الحي بحق، كانت هذه الصورة للعالم غير مقبولة عند الكثيرين، بل صادمة لمشاعرهم، وقد جعلتهم يشكون في صدق ديكارت وفيما إذا كان في حقيقة الأمر ماديا متخفيا أدخل فكرة النفس في نظامه لخوفه من الكنيسة الكاثوليكية وليس لأي سبب آخر (والدليل على أنه كان يخشى الكنيسة أنه أحجم عن نشر كتابه الأول «العالم» عندما سمع بمحاكمة جاليليو وإدانته).
قد يكون هذا الشك لا أساس له، ومع ذلك فمن الصعب تجاهله. لقد أخذ ديكارت بالنظام الكوبرنيقي، وبالعالم اللانهائي لجيوردانو برونو «لأن المكان الإقليدي لا نهائي»، لعل الاستثناء الفريد الذي جعل للإنسان في كوزمولوجيا سابقة على كوبرنيقوس كان أمرا مفهوما، غير أنه لا ينسجم في إطار الكوزمولوجيا الكوبرنيقية.
وإذا كانت النفس عند ديكارت غير ممتدة، فهي رغم ذلك متموضعة في المكان، ومن ثم فإنها تقع في نقطة إقليدية غير ممتدة، وديكارت في ذلك لا يبدو أنه استنتج هذه النتيجة من مقدماته (مثلما فعل ليبنتز مثلا)، غير أنه حدد موضع النفس بالفعل داخل عضو ضئيل جدا، هو الغدة الصنوبرية، وقال بأن الغدة الصنوبرية هي العضو الذي تحركه النفس الإنسانية بشكل مباشر، والنفس بدورها تؤثر على الأرواح الحيوانية تأثيرا أشبه بتأثير صمام في مكبر كهربائي، فهي توجه حركات الأرواح الحيوانية، ومن خلال هذه الحركات توجه حركة الجسم.
وبعد فقد أدت هذه النظرية إلى صعوبتين خطيرتين، وأخطر الاثنتين هي هذه، فالأرواح الحيوانية (والتي هي ممتدة) تحرك الجسم بواسطة الدفع، والأرواح الحيوانية هي بدورها محركة بالدفع، فهذه من المترتبات الضرورية عن نظرية ديكارت في العلية، ولكن كيف لنفس غير ممتدة أن تمارس أي شيء يشبه الدفع على جسم ممتد؟ ها هنا يكمن تناقض ذاتي.
كان هذا التناقض بعينه هو الدافع الرئيسي وراء تطور المذهب الديكارتي، فقد قام ليبنتز بإزالة هذا التناقض في النهاية كما سوف أبين، وكان في هذا الحل للمشكلة متأثرا بتوماس هوبز الذي يعد مستبقا له في ذلك بمعنى ما.
أما الصعوبة الثانية فهي أقل خطرا، فقد ذهب ديكارت إلى أن تأثير النفس على الأرواح الحيوانية هو بتغيير اتجاه حركتها، واعتقد أن هذا يمكن أن يتم بدون خرق لأي قانون فيزيائي ما دامت «كمية الحركة» (الكتلة مضروبة في السرعة) باقية (ثابتة).
وقد أثبت ليبنتز أن هذا خطأ، فقد اكتشف قانون «بقاء كمية الحركة» (الكتلة مضروبة في الحركة، أي في اتجاه معطى)، وأكد مرارا أن قانون بقاء كمية الحركة يقتضي أن كمية الحركة
نامعلوم صفحہ