کارل بوبر: سو برس کی روشن خیالی
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
اصناف
Corroborations
3
التي استأثر بها العلم النيوتوني لم تبرهن على صدق هذا العلم، فمن المستبعد أن يبرهن أي شيء على صدق أي نظرية علمية على الإطلاق. «إن ما تسمى «قوانين علمية» ليست حقائق نهائية عن العالم لا تقبل التصويب، إنها نظريات، وهي بهذه الصفة منتجات للعقل الإنساني، فإذا تبين نجاحها في التطبيق العملي، فإن هذا يعني أنها «تقترب من الحقيقة»، غير أنه من الجائز دائما، حتى بعد مئات الأعوام من النجاح العملي أن يأتي شخص ما بنظرية أفضل وأكثر «اقترابا من الحقيقة».»
طور بوبر هذا الاستبصار إلى نظرية مكتملة في المعرفة، وفقا لهذه النظرية يعد الواقع الفيزيائي موجودا بمعزل عن عقل الإنسان، وله نظام مختلف جذريا عن خبرة الإنسان، ولهذا السبب عينه لا يتسنى فهمه بطريق مباشر، فنحن ننتج نظريات معقولة لكي نفسر هذا الواقع، ونظل نستخدم هذه النظريات ما دامت تعمل بنجاح وتؤدي إلى نتائج عملية ناجحة، غير أنه في جميع الحالات تقريبا سوف تضعنا هذه النظريات، عاجلا أم آجلا، أمام مصاعب عندما يتبين قصورها في جانب معين، هنالك سوف نجيل النظر طلبا لنظرية أفضل: نظرية أكثر رحابة تضطلع بتفسير كل ما تمكنت النظرية الأولى من تفسيره وتتلافى في الوقت نفسه أوجه القصور التي تنطوي عليها النظرية الأولى، ونحن لا نستن هذه الطريقة في العلم وحده، بل في كل حقل من حقول النشاط الأخرى، بما فيها أفعال الحياة اليومية، يعني ذلك أن طريقنا في معالجة الأمور هي في صميمها طريقة «حل مشكلات»، «وأننا نحرز تقدمنا لا عن طريق إضافة يقين معرفي جديد إلى كم المعارف القائم، بل بإحلال نظريات أفضل محل النظريات القائمة، باستمرار وبصفة دائمة؛ ومن ثم فإن علينا أن نتخلى عن البحث عن اليقين، ذلك البحث الذي استحوذ على عقول أعظم فلاسفة الغرب بدءا من ديكارت وانتهاء برسل، ذلك أن هذا اليقين لا وجود له.»
إن من المتعذر أن نثبت، بصفة نهائية، صدق أي نظرية علمية، أو أن نقيم العلم كله أو الرياضيات كلها على أسس مطلقة اليقين، إن «مذهب التبرير»
Justificationism
كما يسميه بوبر هو خطل تام، فأنت إذا بنيت منزلا على دعائم في مستنقع، فإن عليك أن تعمق الدعائم بما يكفي لحمل البناء، وكلما شئت تضخيم المنزل سيكون عليك أن تعمق الدعائم أكثر فأكثر، غير أنه ليست هناك حدود ضرورية لهذه العملية، ليست هناك مستوى «نهائي» من الأسس سوف يضطلع بحمل أي شيء كان، ليس هناك أساس «طبيعي» أو معطى لهذا البناء ولا لغيره.
ورغم ذلك، ففي حين لا يمكن إثبات أي نظرية كلية، فإن بالإمكان دحضها، وهذا يعني أن بالإمكان اختبارها، فإذا لم تكن ثمة نهاية لعدد البجعات البيضاء التي تلزم ملاحظتها لإثبات صدق العبارة الكلية «كل البجع أبيض»، فإن ملاحظة بجعة واحدة سوداء تكفي لدحض العبارة، من ذلك يتبين أن الاختبار الممكن للعبارات الكلية هو بالبحث عن أمثلة مضادة، فإذا كان الأمر كذلك، يصبح «النقد» هو الوسيلة الرئيسية التي نحرز بها تقدما في حقيقة الأمر، «فالعبارة التي لا توجد أية ملاحظة يمكن أن تدحضها، هي عبارة لا يمكن اختبارها؛ ومن ثم لا يمكن أن تعد عبارة علمية، ذلك أنه إذا كان أي شيء ممكن الحدوث سيكون متفقا مع العبارة، فلا شيء إذن يمكن أن يعتبر بينة على صدقها.» (4) المجتمع المفتوح
كان الكتاب الرائد الذي ضمنه بوبر هذه الأفكار هو كتاب «منطق الكشف العلمي» الذي نشر بالألمانية عام 1934م وبالإنجليزية عام 1959م، وليس قبل أن يستوثق من نجاح أفكاره بصدد العلوم الطبيعية أدرك بوبر أنها تنطبق أيضا على العلوم الاجتماعية، وفي عام 1945م نشر بوبر كتابا بعنوان «المجتمع المفتوح وأعداؤه» في مجلدين، وفيه قام بتطبيق أفكاره العلمية على النظرية السياسية والاجتماعية.
يبرهن بوبر بالحجة على أن اليقين لا وجود له في السياسة مثلما هو لا وجود له في العلم، ومن ثم فإن فرض وجهة لواحدة من الرأي هو أمر لا مبرر له، وأسوأ صور المجتمع الحديث جميعا هي تلك المجتمعات التي تفرض تخطيطا مركزيا ولا تسمح بالمعارضة، فالنقد هو الطريق الرئيسي الذي يمكن فيه تنقيح السياسات الاجتماعية قبل تنفيذها، وملاحظة النتائج غير المرغوبة هي أوجب سبب لتعديل السياسات أو نبذها بعد أن يتم تنفيذها.
نامعلوم صفحہ