کارل بوبر: سو برس کی روشن خیالی
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
اصناف
Utopian ، في أحسن أحوالها مجرد دعوة، وفي أسوأها مجرد رؤى.
يؤكد بوبر على هذا التمييز بين الاعتقاد «الماركسي» بأن لا حيلة لنا في رسم مسار التاريخ، وبين الاعتقادات «اليوتوبية» بأن في مكنتنا أن نصنع مجتمعا كاملا، وإن تكن الماركسية قد أسيء فهمها على أنها اعتقاد من النوع الثاني. ويبدو أن معظم «الشيوعيين» قد فهموها فعلا بهذا المعنى المغلوط، وهم بذلك استحقوا أن يسميهم بوبر «الماركسيين السوقيين». ولو كان أدركهم ماركس لكان أسماهم «الاشتراكيين اليوتوبيين». فالحق أن «الشيوعية» يوتوبية، أما «الماركسية» فلا. ومن الأهمية ألا نغفل هذا التمييز.
24
تأويل التناقض الظاهري: غير أن الماركسية ، وكل نزعة تاريخية حقيقية، لا تستلزم القول بالقدرية ولا تؤدي إلى التكاسل عن العمل. بل الصحيح خلاف ذلك تماما، فكثير من التاريخانيين تظهر عندهم ميول واضحة نحو «النزعة العملية»
Activism . والمذهب التاريخاني يعلم تمام العلم أن رغباتنا وأفكارنا وأحلامنا واستدلالاتنا، ومخاوفنا ومعارفنا، ومصالحنا وأعمالنا، هي كلها قوى مؤثرة في تطور المجتمع. ولا يقول المذهب بعجزنا عن إحداث أي شيء كان، وإنما يتنبأ بأنك لن تستطيع أن تحقق شيئا بأحلامك أو بما يركبه عقلك طبقا لخطة مرسومة. فلا تأثير إلا للخطط التي تتمشى مع تيار التاريخ الرئيسي. ونرى الآن على وجه الدقة أي نوع من العمل يعتبره التارخانيون معقولا. فالأعمال المعقولة ليست إلا ما يتلاءم مع التغيرات الوشيكة الوقوع ويساعد على تحقيقها. إذن فالتوليد الاجتماعي هو العمل الوحيد المعقول الذي يجوز لنا القيام به، وهو العمل الوحيد الذي يمكن أن يعتمد عليه على أساس من بعد النظر العلمي.
ورغم أن النظرية العلمية، من حيث هي كذلك، ليس فيها ما يدعونا مباشرة إلى العمل (إذ لا يمكن إلا أن تصرفنا عن بعض الأعمال باعتبارها لا تلائم الواقع)، فقد يكون فيما يلزم عنها ما يشجع على العمل أولئك الذين يشعرون بأن واجبهم أن يعملوا شيئا. ولا شك في أن المذهب التاريخاني يتقدم بهذا النوع من التشجيع، بل إنه يمنح العقل الإنساني دورا معينا يؤديه، لأن التفكير العلمي، أي علم الاجتماع الموافق للمذهب التاريخي، وهو وحده الذي يستطيع إرشادنا إلى الجهة التي يجب أن يقصد إليها أي عمل معقول حتى يطابق اتجاه التغيرات الوشيكة الوقوع.
إن المجتمع متغير بالضرورة، ولكنه يسير في طريق مرسوم لا يمكن أن يتغير، ويمر بمراحل عينتها من قبل ضرورة لا تلين. ومن ثم فالنزعة العملية لا يمكن تبريرها إلا إذا سايرت التغيرات الوشيكة الوقوع وساعدت على تحقيقها. يقول ماركس في مقدمة «رأس المال»: «فإذا اكتشف مجتمع من المجتمعات قانونه الطبيعي الذي يعين حركته، فلن يمكنه ذلك من تخطي المراحل الطبيعية لتطوره، أو حذفها من الوجود بجرة قلم. ولكن في استطاعته أن يفعل شيئا واحدا، هو التقليل من آلام الوضع والتقصير من مدتها.» هذه الصيغة التي وضعها ماركس تعبر تعبيرا بارعا عن موقف التاريخانيين، فالموقف التاريخاني، إن كان لا يقول بالتواكل والقدرية بمعناهما الصحيح، إلا أنه يقول ببطلان كل محاولة تهدف إلى تغيير التطورات الوشيكة الوقوع. إن هذا المذهب نوع فريد من القدرية، وكأنها قدرية بإزاء الاتجاهات التاريخية. ومن المسلم به أن قول ماركس في كتابه «أقوال في فيورباخ»: «لقد وقف الفلاسفة حتى الآن عند تفسير العالم على أنحاء مختلفة، ولكن المهم هو تغييره»؛ هو قول يتعارض مع أهم دعاوى المذهب التاريخي، ويتعارض في ظاهره مع العبارة الأولى لماركس. وربما يقرر التاريخاني أن العبارتين لا تتناقضان بل تكمل إحداهما الأخرى. وعلى الرغم من أن العبارة الثانية (وهي الأقدم عهدا) قد تبدو وحدها متطرفة قليلا في النزعة العملية إلا أن العبارة الأولى تعين حدودها الصحيحة، وأن العبارة الثانية إذا كانت قد راقت للراديكاليين المتطرفين في نزعتهم العملية فدفعتهم إلى احتضان المذهب التاريخاني، فيجب أن ترشدهم العبارة الثانية إلى موضع الحدود الصحيحة لكل عمل، وإن ترتب على ذلك أن تفقد هذه العبارة عطفهم. إن خضوعنا لقوانين التطور القائمة هو كخضوعنا لقانون الجاذبية أمر لا مفر منه. وإن أكثر المواقف مطابقة للعقل هو أن يعدل المرء مجموع القيم التي يأخذ بها بحيث تصير موافقة للتغيرات الموشكة على الوقوع.
25 (14) الماركسية الحقيقية على محك التكذيب
من المترتبات الحاسمة لدعوى الماركسية بأنها «علمية» هو أن عليها أن تدافع عن نفسها بنجاح على مستوى علمي من الجدل، وإلا فهي تقع في التفكك والتشوش. وإذا حدث أنها لقيت الهزيمة في أي نقطة على هذا المستوى، فلا يحق لها أن تلجأ إلى صور أخرى من الجدال، إن عليها باختصار أن تسلم نفسها للاختبارات، وأن تتقبل النتائج. ويتفق الكثير من المفكرين على أن بوبر قد قام بتقويض دعاوى الماركسية عن صدقها العلمي تقويضا تاما لا يترك أي احتمال حقيقي بإعادة بنائها. إنه لم يفعل ذلك بإثبات أن نظرية ماركس غير قابلة للتكذيب، فالماركسية السوقية هي غير القابلة للتكذيب، ولكن بوبر لا يقع في خطأ إسناد الماركسية السوقية إلى ماركس. إن نظرية ماركس الخاصة، حين نتناولها بما هي أهل له من الجدية الفكرية، تنتج عددا من التنبؤات القابلة للتكذيب، ولقد تم الآن تكذيب أهم هذه التنبؤات، وفيما يلي قائمة بأهم هذه المكذبات:
وفقا لنظرية ماركس لن يمكن لغير الرأسمالية المكتملة النمو أن تصبح «شيوعية». ومن ثم فلا بد لجميع المجتمعات من أن تتم المرحلة الرأسمالية من التطور أولا. ولكن ما حدث في الواقع هو أن جميع البلاد التي أصبحت شيوعية، باستثناء تشيكوسلوفاكيا، كانت بلادا «قبل-صناعية»
نامعلوم صفحہ