کارل بوبر: سو برس کی روشن خیالی
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
اصناف
ولكن لماذا تفشل المؤامرات؟ لماذا يتسع البون بين الإنجازات والأماني؟ الجواب أن هكذا الحال دائما في الحياة الاجتماعية، بمؤامرة أو بغير مؤامرة. فالحياة الاجتماعية ليست مجرد اختبار قوة بين جماعات متعارضة: إنها فعل داخل إطار رجوع هش من المؤسسات والتعاليم، وهي تخلق - بمعزل عن أي فعل مضاد واع - كثيرا من ردود الأفعال (الاستجابات) غير المتوقعة في هذا الإطار، ولا يمكن توقعها في بعض الأحيان.
إن المهمة الرئيسية للعلوم الاجتماعية هي محاولة تحليل هذه الاستجابات والتنبؤ بها قدر المستطاع. إنها مهمة تحليل الآثار الاجتماعية غير المقصودة للأفعال الإنسانية المقصودة، تلك الآثار التي أغفلت كل من نظرية المؤامرة والمذهب السيكولوجي دلالتها كما أشرنا. إن الفعل الذي يمضي وفق المقصود تماما لا يخلق مشكلة للعلم الاجتماعي (اللهم إلا تفسير لماذا خلت هذه الحالة الخاصة من أي آثار غير مقصودة ). وقد سبق أن ضربنا مثلا للآثار غير المقصودة لأفعالنا بواحد من أشد الأفعال الاقتصادية بدائية، فإذا أراد رجل أن يشتري منزلا بصفة عاجلة، فإن لنا أن نفترض أنه لا يرغب في رفع سعر المنازل في السوق. غير أن واقعة ظهوره في السوق كمشتر هي نفسها ستنزع إلى رفع أسعار السوق. وتنطبق على البائع ملاحظات مثيلة. ولنأخذ مثالا آخر من مجال مختلف تماما. إذا قرر رجل أن يؤمن على حياته، فمن غير المحتمل أنه يقصد تشجيع بعض الناس على استثمار ما لهم في أسهم التأمين، غير أنه سيفعل ذلك! هكذا يتبدى بوضوح أن نتائج أفعالنا ليست كلها نتائج مقصودة، ويتبين بالتالي أن نظرية المؤامرة لا يمكن أن تصدق؛ لأنها تقول بأن جميع النتائج، حتى التي لا تبدو لأي شخص مقصودة للنظرة الأولى، هي نتائج مقصودة لأفعال أناس لديهم مصلحة في هذه النتائج.
والأمثلة التي ذكرناها لا تفند المذهب السيكولوجي بنفس السهولة التي تفند بها نظرية المؤامرة، إذ يمكن للمرء أن يرد بأن «معرفة» البائعين بوجود المشترين في السوق، و«أملهم» في رفع السعر (أي - بتعبير آخر - عوامل سيكولوجية) هي التي تفسر النتائج المذكورة. وهذا صحيح تماما بطبيعة الحال، غير أن علينا ألا ننسى أن هذه المعرفة وهذا الأمل ليسا معطيات نهائية للطبيعة البشرية، وأنهما بدورهما يقبلان التفسير في ضوء الموقف الاجتماعي؛ موقف السوق (وبعبارة أخرى يمكننا القول بأن «الاجتماعي» هنا يفسر «النفسي» لا العكس).
22
في القلب من فكر ماركس ادعاؤه علمية مذهبه، وزعمه بأنه نيوتن (أو دارون) العلوم الاجتماعية: التاريخية والسياسية والاقتصادية. اعتقد ماركس أن نمو المجتمعات محكوم بقوانين علمية، وأنه مكتشف هذه القوانين. وهو يتصور العلم تصورا نيوتونيا، وهو أمر لم تكن له حيلة فيه ولا لأي معاصر له. ويرى أن نيوتن قد اكتشف القوانين الطبيعية التي تحكم حركة المادة في المكان، بحيث يمكننا أن نتنبأ بمواقيت شروق الشمس وغروبها، والكسوف والخسوف، وحركات المد والجزر، إلخ. ولكن على الرغم من أن معرفتنا بقوانين الطبيعة تمكننا من التنبؤ بمستقبل منظومتنا الشمسية ، فهي لا تمكننا من التحكم فيها. ذلك أنها تسير بضرورة صارمة نحو نتائج محتومة بمقدورنا أن نتنبأ بها علميا ونصفها، ولكن ليس بمقدورنا تغييرها. يرى ماركس أن اكتشافاته توازي ذلك تماما. وقد تعمد في هذا استخدام مصطلحات نيوتونية، فهو يصف نفسه في كتابه «رأس المال» بأنه قد اكتشف «القوانين الخاصة بالإنتاج الرأسمالي»، ويحذر من أنه «حتى إذا اهتدى مجتمع ما إلى الطريق الصحيح لاكتشاف القوانين الطبيعية لحركته (وإن غايته من عمله هي أن يكشف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث)، فما هو بمستطيع، لا بقفزات جريئة ولا بتشريعات قانونية، أن يزيل العقبات التي تفرضها المراحل المتعاقبة لنموه الطبيعي ... فذلك أمر يتوقف على هذه القوانين نفسها، وعلى هذه الميول وهي تمضي بضرورة لا تلين إلى نتائج محتومة. وحدها الدولة الأكثر نموا صناعيا هي من يكشف للدولة الأقل نموا صورة لمستقبلها الخاص.»
23 (13) الماركسية الحقيقية والماركسية السوقية
وحقيقة ترحيب ماركس بالمستقبل الذي رآه محتوما هي حقيقة خارجة عن الموضوع من الوجهة العلمية. فنحن إن شئنا الدقة لا يمكن أن نصفه بذلك إلا بقدر ما يمكننا أن نصف عالما فلكيا بأنه يرحب بكسوف تنبأ به، وإن جاز له أن ينبهج بمشاهدة الكسوف عندما يقع وأن يتشوف إليه ويسر بمجيئه. كان ماركس دوما يصر على أن نظريته «علمية» بهذا المعنى؛ إنه يقدم «وصفا»
Description
لا «وصفة»
. وهو بالمقابل يرفض بقية أشكال الاشتراكية على أنها «يوتوبية»
نامعلوم صفحہ