عرائس البیان فی حقائق القرآن
عرائس البيان في حقائق القرآن
اصناف
جانب الحمى ربما يخالط الحمى.
( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما (17) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (18))
قوله تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ) ظاهر الآية في ( إنما التوبة على الله ) على بمعنى من أي : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء ) على لسان القوم.
الإشارة فيه : أن من وقع في المعصية وقع في الظلمة والحيرة ، ولا يرى سبيل الرشد ، ولم يكن في وسع البشر أن يهدي نفسه إلى طريق الحق ، فإنه هو الهادي ، والهداية متعلقة بأوصاف قدمه ، ويستحيل أن يكون الحادث على وصف القديم ، فإذا على الله نعته ووصف نفسه بالهدى لأنه الهادي أن يرجع إلى عبده المتحير الذي زل قدمه في شهوات طبعه ، فإنه لا يقدر أن يخلص نفسه من قهر الله ، إنما تخليصه شرط كرمه الفياض ، الذي وصف به نفسه تعالى للمذنبين الذين يقصدون حظوظ البشرية بغير الاختيار.
قال : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [الأنعام : 54] فبقى ( على ) بشرط الظاهر بقوله : ( كتب ربكم على ) إنما الرجوع منه إلى العبد شرط الرحمة الواسعة ، التي بها ، قال : «سبقت رحمتي غضبي» (1).
هذه سنة الله على أبينا آدم صلوات الله عليه بعد أكل الحنطة بقوله : ( فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) [البقرة : 37].
وقال : ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) [طه : 122] ، وخص توبته ورجوعه للذين يعملون السوء بجهالة ، إخبارا عن عطفه ولطفه بأقوام امتحنهم الله في بدو الإرادة في بعض حظوظ أنفسهم لإيقاع نيران الندم والخوف والحياء والإجلال في قلوبهم ؛ لئلا يرفعوا أعناقهم بعد اتصافهم بنعوت الكبرياء وبلوغهم حقائق الانبساط ومقامات الاتحاد ، فيسقطون عن رؤية الأزلية ومشاهدة الأبدية في فنائهم عن الحدوث وتخلقهم بخلق القدم ، وإضافة السوء إليهم ونسبتهم إلى الجهل.
صفحہ 236