ولكن، قد يتساءل البعض: ألم يحدث في السنوات الأخيرة بالذات تغيير في اتجاه أمريكا إزاء هذه القضية؟
نعم، حدث نوع من التغيير، ولكنه تغيير تكتيكي فقط؛ ففي السنوات التي توالت منذ إنشاء دولة إسرائيل، كانت أمريكا تتخذ من إسرائيل حارسا مسلحا لمصالحها، وكانت الحروب الدائمة التي تشنها إسرائيل على العرب هي الوسيلة التي تحقق لأمريكا أهدافها البعيدة والقريبة في المنطقة. أما في السنوات القريبة فقد لاحت بوادر تكتيك آخر؛ فبدلا من أن يضطر العرب إلى تخصيص مواردهم المتزايدة لمحاولة الحد من انتشار هذا السرطان المخيف في جسم الأرض العربية، وبدلا من أن يهملوا مشاكلهم الملحة تحت تهديد السلاح الأمريكي المقدم إلى إسرائيل، أصبحت السياسة الأمريكية تتجه الآن إلى دفع العرب إلى الدخول باختيارهم في معسكر أمريكي واحد، إلى جانب إسرائيل، وحلت أساليب الوعد والإغراء محل أساليب التهديد والتخويف، وظهرت بوادر تعطي أمريكا أملا في أن يقبل العرب بالتدريج، وبمحض إرادتهم، ما لم يكونوا يقبلونه قبل ذلك إلا تحت تهديد السلاح.
التكتيك إذن هو الذي طرأ عليه التغيير، أما الاستراتيجية العامة فتظل على ما هي عليه؛ حماية المصالح الأمريكية عن طريق ركيزة أساسية هي إسرائيل، وكل من يقبل التعاون معها لتحقيق هذا الهدف. •••
في ظل هذه الاستراتيجية تظل مصالح أمريكا مرتبطة ارتباطا لا ينفصم بإسرائيل، أما الدول العربية فإن أمريكا تدرك جيدا أن المصالح الحقيقية لشعوبها تتعارض معها، ومن ثم فإنها لا تعتمد عليها إلا بقدر ما تسير حكوماتها على سياسة مغايرة لأماني شعوبها، وهو أمر تعلم أمريكا حق العلم أنه لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، ولذلك كان اعتمادها على أي نظام عربي أو تحالفها معه مؤقتا بطبيعته مهما طال أمده، وكان دائما ثانوي الأهمية بالقياس إلى اعتماده على إسرائيل.
وعلى أساس التحليل السابق يتضح لنا أن هناك خطأين أساسيين في أسلوب تعامل العرب مع أمريكا، فيما يتعلق بالقضية الإسرائيلية:
الخطأ الأول:
هو استخدام السلاح الأمريكي، إذا كان الهدف الحقيقي من هذا السلاح هو أن نحارب به إسرائيل؛ ذلك لأن أمريكا هي المورد الرئيسي لأسلحة إسرائيل. ولما كانت مصالحها متطابقة معها تطابقا تاما، فمن العبث أن نتصور أنها ستقدم إلينا من السلاح ما يكفينا للوقوف في وجه المطامع الصهيونية؛ فكل قطعة سلاح تعطى للعرب، لا بد أن تعطى أضعافها لإسرائيل، فضلا عن أن التسلح عن طريق أمريكا لا بد أن يكشف لإسرائيل، من خلال حليفتها الكبرى، عن مدى قوة العرب ومواطن ضعفهم أولا بأول، مما يتيح لها أن تجري حساباتها معهم على أدق الأسس الممكنة.
إن المنطق السليم وحده يكفي لإقناعنا بأن استيراد السلاح من أمريكا من أجل محاربة إسرائيل عملية مناقضة لذاتها. ولعل في موقف أمريكا من مصر، في مناسبتين مختلفتين، ما يؤكد هذه الفكرة بكل وضوح: (أ)
ففي حرب أكتوبر 1973، عندما كان السلاح المصري غير أمريكي، حرصت أمريكا، بعد أسبوع الانتصارات الأولى، على أن تعوض إسرائيل عن خسائرها وتضمن تفوقها في أكبر وأسرع عملية نقل سلاح عرفها التاريخ، وكانت حجة كيسنجر هي أنه لا يمكن أن يسمح للسلاح الروسي بإثبات تفوقه على السلاح الأمريكي، ولكن السبب الحقيقي هو أن أمريكا - وفقا لاستراتيجيتها الأساسية - لا يمكن أن تسمح بتفوق حقيقي للعرب على إسرائيل، ولا بد أن تجعل لإسرائيل اليد العليا في أية معركة مع العرب.
فإذا كان هذا تصرف أمريكا في معركة لم تكن فيها هي التي وردت السلاح للعرب، فماذا يكون تصرفها لو كانت هي التي توزع بنفسها الأسلحة على الطرفين؟ (ب)
نامعلوم صفحہ