Crime
وبين جريمة الوجدان. الأولى تقع مفاجئة نتيجة الغضب أو الغيرة مثلا وعقوبتها خفيفة، والثانية تحتاج إلى «سبق الإصرار» أي: الروية والتأمل، وعقوبتها خطيرة.
ونحن نمزج في سلوكنا بين الوجدان والعاطفة، وليس فينا الوجداني الخالص أو العاطفي الخالص، ولو وجدا لكان الأول أعظم الفلاسفة، ولكان الثاني أعظم المجانين، ولكن على قدر بعدنا من العاطفة نوصف بأننا عقلاء.
وفي سلوكنا نعتمد إما على المنطق الوجداني وإما على العقيدة العاطفية، وكثيرا ما نلاحظ أن المؤمن بعقيدة معينة يكره المنطق كأنه يحب أن ينخدع، كما يحدث للرجل يتعلق بحبيبته ولا يطيق أن يسمع عنها خبرا يشككه في أمانتها؛ ومن هنا تعلق الناس بالعقائد والتقاليد.
اللغة والتفكير
يقول واطسون زعيم السلوكيين: إن التفكير هو كلمات غير منطوقة، كما أن الكلام هو تفكير منطوق، وإذا لم يكن هذا القول صحيحا مائة في المائة فإن مما يسلم به كل منا أن التفكير بلا لغة يكاد يكون معدوما، أو هو لا يزيد على درجة الأحلام في النوم؛ إذ لا بد للمعنى من علامة تربطه في أذهاننا، وقد تكون هذه العلامة إشارة باليد أو حركة في الحاجبين أو الشفتين، وليست الكلمات سوى علامات أيضا؛ أي: رموز تربط المعاني في أذهاننا، وكثير من امتيازنا على القردة العليا يعود إلى اللغة، ولو كانت هذه القردة تستطيع التعبير بنحو 300 أو 500 كلمة فقط عن تفكيرها، لكانت لها ثقافة تورث وتتجمع وتتيح إيجاد حضارة ما، ولكن خرسها يجعل مجهود كل فرد منها مقصورا عليه، فلا ينتقل تفكيره إلى ذريته، ولا يستطيع النابغة أن يعمم فكرة حسنة بين قبيلته، وقد ظهر الإنسان النياندرتالي وكان دماغه من دماغنا، ولكنا تغلبنا عليه وأبدناه، ولا نكاد نعرف سببا لهذا إلا أننا كنا ناطقين وكان هو أخرس.
للحيوان صوت ولكن لنا نحن لغة؛ فإذا وقعنا كلانا في ورطة عمد هو إلى الصراخ الذاتي الانفعالي وعمدنا نحن إلى النداء الوجداني الموضوعي، والدنيا مصورة في ذهنه تصويرا ذاتيا؛ أي: كما يحسها بعواطفه، والدنيا مصورة في ذهننا تصويرا موضوعيا؛ أي: كما يرتبها وجداننا، وفضل كبير من هذا التصوير عندنا يرجع إلى اللغة.
اللغة جعلت الزمن تاريخيا والمكان جغرافيا، فأنا لا أعيش هذا اليوم فقط، بل أنظر إلى الماضي بعين تاريخية، قد تمتد إلى عشرة آلاف سنة، بل وألف مليون سنة، كما أنظر بعقل مستقبلي مثل هذا الزمن، والفضل لهذا الوجدان يعود إلى اللغة التي اتسعت بها آفاق تفكيرنا بأن زادت ذاكرتنا وفسحت خيالنا.
حاول أيها القارئ أن تتخيل فهم هذه المعاني، مع الفرض بأنك ولدت أخرس وعشت بين خرس ليس لهم لغة: (1)
بعد خمسة أيام من الآن. (2)
نامعلوم صفحہ