والذكاء في الرجل لا يختلف عن الذكاء في المرأة، ولكن المرأة تميل إلى المتوسط، فليس فيها تطرف نحو العبقرية أو نحو البلاهة بقدر ما نرى في الرجال.
وامتحان الذكاء أدق الامتحانات، ذلك لأننا يجب أن نقيس القدرة العامة وليس المهارات الخاصة؛ فالصبي الذي نشأ في الريف مثلا يفهم أشياء كثيرة عن الحيوان والنبات لا يفهمها الصبي الذي نشأ في المدينة، وهذه مهارات خاصة عنده، ولكنه إذا دخل دارا سينمائيا اختلطت عليه جميع الأشياء التي يدركها ابن المدينة بأول لمحة، والصبي الذي عاش في فاقة يفتقر إلى الذوق الفني الذي يمتاز به صبي عاش في عائلة ثرية، وبدهي أيضا أن المعارف التي يتلقاها التلميذ في المدرسة يجب ألا تدخل في امتحانات للذكاء يشترك فيه صبي أمي.
ولذلك يجب أن يكون الامتحان في أشياء عامة لا تتوقف على معارف خاصة ببيئة معينة؛ ومن هنا الصعوبة في تعيين الأسئلة.
ويجب ألا ننسى أن قوة الذكاء وحدها لا تؤدي إلى عبقرية، وكذلك ضعف الذكاء وحده لا يؤدي إلى الجنون، وإنما العبقرية والجنون كلاهما يحتاج إلى الإرادة (= العاطفة) التي تحرك الذكاء إلى السواء أو إلى العبقرية أو إلى الانحراف، فلا بد من عاطفة قوية.
والمجنون خلاف الأبله؛ لأن الأول قد يكون ذكيا، ولكن عاطفة معينة قد حملته إلى الصخرة فحطمت ذهنه، أما الأبله الذي تنقص درجة ذكائه عن 70 فهو شخص في العادة هادئ ليس به جنون.
وتفكيرنا الوجداني يجري على ثلاثة طرز: (1)
طراز التمثيل: وهو أعم طراز بين الناس في تفكيرهم وأبسطه، وهو أن نفرض أنه ما دام شيئان يتماثلان في بعض الخصائص فإن الأرجح أنهما يتماثلان في الخصائص الأخرى؛ فإذا قلت: إن الفرس يرفس ويؤلم، فإن الحمار أيضا يرفس ويؤلم، ولكن خطأ التمثيل يتضح عندما نقارن بين صقر وحمامة أو بين دودة ويرقة. (2)
والطراز الثاني هو القياس: وهو أن نأخذ من التعميم فننزل إلى التخصيص، فنقول: إن للطيور جناحين، وعلى هذا تعد الدجاجة طائرا، ولكن خطأ القياس يتضح عندما أقول: إن الوطواط طائر؛ إذ هو حيوان لبون مثل الفيل والفأر، على الرغم من جناحيه. (3)
والطراز الثالث للتفكير هو الاستقراء: وهو أن نأخذ من التخصيص إلى التعميم، وهو أن أقول: إن البرتقالة تسقط من الشجرة إلى الأرض، والحجر يسقط ثانيا على الأرض إذا قذفت به إلى أعلى، ونحن نسقط إذا وثبنا، وإذن لا بد أن هناك قانونا للجاذبية؛ أي إن الأرض تجذب الأجسام إليها، وهذا الطراز من التفكير هو أعلى الطرز، ولا يقوم به إلا عبقري يجدد في المعارف البشرية مثل نيوطن.
وكلنا - مع التفاوت - نستعمل هذه الطرز الثلاثة في تفكيرنا؛ فإذا كنا عبقريين قد احترفنا الفلسفة أو العلم استعملنا الطراز الثالث، فنكشف عن قوانين الطبيعة المستورة، وإذا كنا دون ذلك استعملنا الطراز الثاني، ولكن كثرتنا تستعمل الطراز الأول على ما فيه من أخطاء كثيرة.
نامعلوم صفحہ