وهو جرماني الأصل أمريكي النشأة.
أما كارل بارث فلولا أنه ولد في أواخر القرن التاسع عشر (1886) أجاز أن يقال إنه من مواليد القرون الوسطى، لأنه يرد كل شيء في الدين إلى النصوص ويحسب الدين كله قائما على «كلمة الله» كما جاءت في تلك النصوص لا على اعتقاد الإنسان أو تفكيره، فليس المهم هو ما يعتقده الإنسان في الله بل المهم هو ما يعتقده الله في الإنسان، وهذا الاعتقاد الإلهي هو الذي يترجمه الواعظ والمبشر مستلهما فيه هداية الله، لينقذ الإنسان بالعون الإلهي من وصمة وجوده ووصمة الخطيئة.
أما إميل برونر فهو أقرب إلى القرن العشرين من صاحبه، وتقوم بشارته على طبيعة الإنسان وأنها إلهية في بعض خصائصها، فهي لا تتلقى الوحي الإلهي كأنه رسالة أجنبية، وأن علامة النفحة الإلهية في الإنسان هي الحب، فإذا عرف بعضهم الإنسان بأنه حيوان ناطق وعرفه بعضهم بأنه مدني بالطبع وعرفه غيرهم بأنه حيوان يستخدم الآلة، فتعريفه الأتم كما ينبغي أن يكون لا كما هو كائن على الدوام أنه حيوان محبة يستطيع أن يعيش بالمحبة مع الله.
أما نيبهر فهو يريد أن يعرف الإنسان بما يعبده لا بما يأكله كما يعرفه الماديون ولا بما يقبضه من الأجر كما يعرفه الماركسيون، وما دام الإنسان العصري يخلط بين معنى العقل (Reason)
ومعنى الروح (Spirit)
ويحسبها ملكة واحدة في النفس البشرية فهو في ضلال عن حقيقته، وقد يلتفت قليلا إلى الفارق بين التقدم العلمي والتدهور الروحاني في العصر الحاضر ليفهم أن العقل والروح لا يترادفان في المعنى والعمل، وسيظل الناس في حرمان من السلام ما داموا في طلب السطوة معرضين عن طلب المحبة، وإنما تأتي المحبة من طريق الروح لا من طريق العقل والمادة.
وهؤلاء الوجوديون الذين ينتمون إلى هذه المدرسة - وإن لم يكونوا كلهم من سويسرة - أدنى إلى مدارس اللاهوت منهم إلى مدارس الفلسفة . ولكنهم يحرصون على «التبشير الفردي» ويعلن بعضهم أن كل فرد من المتدينين مفتقر إلى بشارة خاصة لهداية ضميره، ولعل هذا هو الفارق بينهم وبين اللاهوتيين الرسميين. ولعل الأمان في سويسرة حرمهم نعمة القلق وما يفتحه من أبواب الضمير.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن الفلسفة الوجودية عامة في هذا العصر لا تنحصر في أمة ولا تخلو منها أمة؛ لأن ثورة الضمير الفردي على طغيان الجماعة ظاهرة عامة بين جميع الأمم الأوروبية، وكل ما هنالك من الاختلاف بين أمة وأمة في هذه الظاهرة هو مقدار حاجتها إلى المناداة بمبدأ الحرية الفردية، ففي إنجلترا مثلا توجد الفلسفة الوجودية بغير اسمها وعنوانها، لأن مبدأ الحرية الفردية مفروغ منه من حيث المبدأ والفكرة، ولأنهم - في إنجلترا - قلما يتجمعون باسم مدرسة فكرية، وقلما تعرف المذاهب الفلسفية عندهم بغير أسماء أصحابها كمذهب هيوم ومذهب بركلي ومذهب داروين، وإن حدث أحيانا في المذاهب المشتركة بين فلاسفة إنجلترا وفلاسفة القارة أن تعرف بعنوان جامع كمذهب النفعيين ومذهب التطور ومذهب المنطق الوضعي في العصر الحاضر.
ولكن السمة التي تمتاز بها الوجودية المتدينة هي الإيمان المستقل الذي يتحرر به ضمير الفرد من سلطان الشعائر المرسومة، ويغلب أن تقترن به سمة أخرى تلحظ في كل نزعة وجودية، وهي عمل المحنة النفسية في صهر الضمير واستخلاصه للإيمان، وبهذه الخصلة في الوجودية أصبح القرن العشرون موسما للوجودية المتدينة بين مذاهب المتدينين على التعميم، لأنه العصر الذي امتحن الضمير المستقل أشد امتحان وأقساه، فحيثما وجد ضمير صامد لمحنة الألم ومحنة الطغيان والتقليد فهو من زمرة الوجوديين وإن لم يصاحبه هذا العنوان.
العقيدة الأخلاقية
نامعلوم صفحہ