لقد نسوا أن عبد الناصر فعل ما فعل لأنه كان تلميذا للحركة الوطنية المصرية وابنا لهذا الشعب، ونسوا أيضا أن السادات حين جاء وضرب مركز القوة الإسرائيلية لم يكن أيضا مجرد قائد، كان تلميذا لمصر الوطنية وابنا بارا شديد الإحساس بشعبه شديد الثقة في قدراته.
وهكذا كان لا بد أن يوقف عند حد؛ وجندت أمريكا كل قواها العسكرية والتكنولوجية والبشرية لتنقذ إسرائيل.
ووجدت أمريكا أنها لا بد أن تغير سياستها في الشرق الأوسط.
وتحركت قوى كثيرة في المنطقة تحاول أن تعطي هذا التحول أكثر من حجمه، وتحركت قوى كثيرة محاولة عزل مصر عن المنطقة حتى لا تعود أبدا إلى سابق حضورها وقيادتها.
يأكل شعب؟ معقول، يرتدي ثيابا غير بالية؟ معقول ، أما أن ينتج فكرا ويشع وعيا ويقود الحضارة العربية المترامية الأطراف، فهذا هو بالضبط غير المسموح به.
فلتزدهر الأفكار الجديدة التقدمية في بيروت، أما أن يعود إلى مصر فكرها المتقدم الذي خلقت به نفوذها الحضاري والسياسي، فهذا مستحيل.
حتى الصحافة المصرية ... لتبق في حالة مونولوج داخلي محدود بحدود مصر ولا يتعداها، وليبق حجمها دائما أقل من حجم صحف بيروت. ففي بيروت تستطيع أي دولة أن تصدر صحيفة تنطق بأفكارها هي، أما في مصر فقد فشلت كل التجارب لخلق صحافة غير ناطقة باسم شعبها ومثقفيه، ولتكل لمصر الاتهامات الاستسلامية لتنهار مكانتها القيادية، ليشتت كل مثقفيها وأذكيائها في أركان المعمورة؛ فثروة مصر الحقيقية كانت في خبراتها وذكائها؛ ولهذا لا بد أن تستنزف طاقتها الخلاقة حتى لا تعود قادرة على الخلق أو الطموح. وأمامنا الواقع واضحا لا لبس فيه! في كل أسبوع يصدر في بيروت بالذات كتاب هائل الأهمية، مترجما كان أو مؤلفا، أروني كتابا مصريا هاما صدر خلال العام الماضي بأكمله.
لتقتل الثقافة المصرية قتلا وئيدا بطيئا، وليخنق الكتاب المعروفون فيها خنقا بحبال من حرير، لتستمر صحافتنا في انكماشها، ولتستمر الأزمات المعيشية قائمة؛ فالمطلوب أن تظل مصر محنية الظهر أمام عالم عربي وإن كان قد ظل يكن لها الاحترام الكبير، إلا أنه في النهاية سينفض يده منها ومن الأمل فيها، وكأننا قد أصبحنا رجل العالم العربي المريض، بل لتشدد النعرات الإقليمية لدى كل قطر، وليصبح لكل قطر قاهرته الأعظم، الأعظم بكثير مما آلت إليه قاهرتنا.
إن الرجل لا يموت إلا حين يضعف قلبه ويعجز عن جعل جسده ذلك الكائن الحي الواحد المتحد.
ولقد جربوا ضرب القلب - مصر من الخارج.
نامعلوم صفحہ