اربع على ظلعك واعن بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا كريم منصبها، ولقد ادعاك خمسة نفر من قريش كلهم يزعم أنه أبوك، فسئلت أمك عنهم فقالت: كلهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه به!»
ومن كلامه عنها في بعض ما نقل عنه: «أنها سلمى بنت حرملة تلقب بالنابغة من بني عنزة ، ثم أحد بني جلان، أصابها رماح العرب، فبيعت بعكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة، ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان، ثم صارت إلى العاص بن وائل.»
ويروى أنها كانت على صلة بالعاص وأبي لهب وأمية بن خلف وأبي سفيان، فولدت عمرا فألحقته بالعاص، وسئلت في ذلك فقالت: إنه كان ينفق على بناتي.
وأيا كان شأن المبالغة في لغة الثلب والتعبير، فالمتفق عليه أنها كانت سبية مغلوبة على أمرها، فلم تقارف البغاء سقوطا منها وابتذالا لعرضها، ومثل هذه لا تحسب عليها زلاتها كما تحسب على المرأة التي تزل ولها مندوحة عن الزلل، وتهوي وهي في موضع الصون والكرامة، وإنجاب هذه ومثيلاتها للنوابغ من البنين ليس مما يخالف المألوف من سنن النسب والوراثة. •••
ولا يظهر من أخبار عمرو أنه تلقى مالا كثيرا من أبيه، فقد كان يحترف الجزارة ويعمل بمال غير وافر في تجارة الأدم والعطر بين اليمن والشام ومصر، على ما جاء في إحدى الروايات.
إلا أن القصة التي روت لنا خبر سفرته إلى مصر تروي لنا كذلك أنه خرج في تلك السفرة إلى بيت المقدس، وقصارى ما يرجوه أن يصيب ما يشتري به بعيرا فتكون له ثلاثة أبعرة.
وقد حاسبه عمر - رضي الله عنه - فقال له في كتابه إليه: «... فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك ألا مال لك!» فلم ينكر عمرو أنه لم يكن له مال، بل قال: «... أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي، وأنه يعرفني قبل ذلك لا مال لي وإني أعلم أمير المؤمنين أني بأرض السعر فيه رخيص وأني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله، وفي رزق أمير المؤمنين سعة.»
فإذا صدقت الرواية عن ثروة العاص بن وائل، فمن العجيب ألا يبقى لعمرو من هذه الثروة نصيب موفور وهو أكبر ولديه، وليس لأبيه ذرية كثيرة من الذكور فيقال: إن الثروة الكبيرة تبددت بالتوزيع والتقسيم، وقد أسلم عمرو بعد موت أبيه فلا يقال: إنه حرمه الميراث لإسلامه غضبا عليه.
نعم، إن هشاما - أخاه الأصغر - كان أحب إلى أبيه، وكانت أمه بنت هشام بن المغيرة من كرائم قريش وليست سبية مشتراة كأم عمرو، وكانت إلى هذا محببة إلى زوجها، وباسم أبيها سمى ولده على غير الشائع المألوف في تسمية الأبناء بين القبائل العربية، ولكننا لم نعرف من أخبار العاص ولا من أخبار ولديه أن هشاما استأثر بالميراث دون أخيه، والأشبه إذا كان أحدهما قد حرم ميراثه أن يكون هو هشاما؛ لأنه أسلم في حياة أبيه.
ولا تفهم قلة المال عند عمرو - مع ما اشتهر به أبوه من الثراء - إلا على فروض كثيرة يصح الأخذ بها جميعا؛ لأن الاكتفاء بواحد منها غير معقول، وهي أن ثروة العاص كانت أقل من شهرتها، وأنه كان ينفق ولا يمسك، وأنه أصيب في تجارته قبل موته، ولا سيما بعد قيام المسلمين على طريق الشام، وأن عمرا كان كأبيه من المنفقين ولم يكن من المقترين، وقد يؤخذ هذا من ظهور شكواه بعد عزله من ولاية مصر بأقل من عام، فقال له عثمان وقد سبه لما بلغه من تحريضه عليه: «ما أكثر ما قمل جربان جبتك - أي طوق جبتك - وإنما عهدك بالعمل عاما أول!»
نامعلوم صفحہ