صلى الله عليه وسلم
كان يقول عن عمار: «تقتله الفئة الباغية.» فكان عمرو بن العاص - في أشيع الأقوال - هو الذي حسم هذه الشكوك قبل استفحالها، فقال: إنما قتله من أخرجه، فقبلها الأنصار المستعدون لقبول أشباه هذه التأويلات.
وكان على بغضه لعثمان أسبق الناس إلى التفجع لمقتله والتحريض باسمه، فإذا هدأت ثورة النفوس قال لمعاوية: «حرك لها حوارها
1
تحن ...» أي: علق لهم قميص عثمان المخضوب بدمائه؛ لأنهم إذا رأوه هاجت أحقادهم، كما تدر الناقة إذا حركوا لها جلد حوارها!
وجاء كذلك في أشيع الأقوال أنه هو الذي أشار على معاوية برفع المصاحف على الرماح، ودعوة أنصار علي إلى تحكيم كتاب الله، فلما عمل بهذه المشورة وقعت الفتنة في جيش علي بين قائل بالمضي في القتال، وقائل بإجابة القوم إلى التحكيم، وأوشك الفريقان أن يدعا جيش معاوية ويشتبكا بينهما في حرب، أو يبطش جماعة منهم بالإمام علي نفسه، إذا هو لم يأمر شيعته المقربين بالكف عن الحرب وإلقاء السلاح.
وإذا صح ما يعزى إلى هذه المشورة من الأثر الجسيم في تمكين معاوية وخذلان علي، فهي كلمة أنفع من جيش ومكيدة أمضى من قوة، وهي خليقة أن تغنيه في حرب صفين عن جهود الشجاعة والاستبسال، إذ الواقع أنه لم يغن في تلك الحرب بجهد من جهود الشجاعة والاستبسال، ولم يذكر أحد من حزبه أنه برز في ميدان قتال، مع أن الحرب في تلك المعركة خاصة كانت حرب براز ونزال، أما خصومه فقد ذكروا له تلك الفعلة التي سارت بها الأمثال بعد ذلك، وأصبح من الأقوال الشائعة عن كل من يرد المكروه بالمهانة أنه رده «كما ردها يوما بسوأته عمرو!»
ويظهر أن خصومه ومنافسيه كانوا يلحظون منه التقاعد عن مخاطر البراز، فقال الحارث بن نصر الجشمي من أبيات:
ليس عمرو بتارك ذكرة الحر
ب مدى الدهر أو يلاقي عليا
نامعلوم صفحہ