وهو نفسه كان يقول ما ينم على هذا الخلق فيه، فهو القائل: «عليكم بكل أمر مزلقة مهلكة.»
ولعله لم يفصح بكلمة من كلماته عن ضيقه بقيود الحكمة والسمت وكبح الهوى، كما أفصح عنه بقوله وقد سئل عن أمتع اللذات، إذ قال: «إسقاط المروءة!»
فهي كلمة الرجل الذي تقيد بالوقار، حتى أصبح طرح الوقار عنده غاية ما يبتغيه من اللذة ويشتاق إليه، وتقيد بكبح الهوى حتى أصبحت المجازفة في المزالق المهلكة هي فرجة نفسه من ذلك الحجر الذي ضربه عليها.
أفنقول إذن: إنه شجاع مقدام، أم نقول: إنه جبان حذور؟
بل نقول: إنه شجاع كما قال معاصروه وقد شهدوه في مواقف الاستبسال ومآزق الحرب والفزع، ولكننا نعود فنقول: إن شجاعته وكل فضيلة فيه إنما كانت في خدمة طموحه إلى المجد الذي كان يسعى إليه، فهو يضن بشجاعته أن يبذلها في غير طائل، ويتخذها وسيلة إلى غاية ولا يجعلها هي الغاية التي تنقطع دونها الوسائل.
وقد سأل هو صاحبه معاوية يوما: «والله ما أدري يا أمير المؤمنين أشجاع أنت أم جبان؟» فقال معاوية:
شجاع إذا ما أمكنتني فرصة
وإن لم تكن لي فرصة فجبان
وبمثل هذا الجواب يستطيع عمرو أن يجيب من يسأله مثل ذلك السؤال، إلا أنه كان أحوج إلى الوثوب والمجازفة من معاوية، فقد كان نسب معاوية ومكانته في بني أمية مع طول استعداده للملك مغنيا له عن عجلة الوثوب والمجازفة من حيث لا يستغني عنه عمرو وهو مغموز النسب، مخذول العصبية، مضطر إلى إدراك مطلبه قبل أن يفوته، فلا تسنح لإدراكه سانحة أخرى.
ومن ثم اختلف دهاؤه ودهاء معاوية - كما قال مرة وهما يتساءلان عن العقل - قال معاوية: ما بلغ من عقلك؟ قال: ما دخلت في شيء قط إلا خرجت منه، فقال معاوية: لكنني ما دخلت في شيء قط وأردت الخروج منه.
نامعلوم صفحہ