١١٧٧ق.م.: عام انهيار الحضارة
١١٧٧ق.م.: عام انهيار الحضارة
اصناف
مما لا شك فيه أن انهيار حضارات العصر البرونزي المتأخر كان أمرا معقدا بالنظر إلى جذوره. ونعرف أن العديد من المتغيرات المحتملة ربما كان لها دور مساهم في الانهيار، ولكننا لسنا حتى متيقنين من أننا نعرف كل المتغيرات ومما لا شك فيه أننا لا نعرف أيها كان له دور رئيسي؛ أو إذا ما كان بعض المتغيرات مهما على الصعيد المحلي ولكن لم يكن له تأثير يذكر على النظام ككل. من باب المضي خطوة أخرى في تشبيهنا المتعلق بازدحام الحركة المرورية؛ نقول إننا نعرف معظم المتغيرات في حالة ازدحام الحركة المرورية؛ إذ نملك بعض المعلومات عن عدد السيارات والطرق التي تنتقل فيها (سواء كانت واسعة أو ضيقة) ولدينا بالتأكيد القدرة على أن نتوقع إلى حد كبير تأثير بعض المتغيرات الخارجية؛ ومنها، مثلا، عاصفة ثلجية على طريق سريع رئيسي. أما في حالة العصر البرونزي المتأخر، فنحن نعتقد، وإن كنا لا نعرف يقينا، أنه كان يوجد مئات من المتغيرات أكثر مما يشتمل عليه نظام حركة مرورية حديث.
إضافة إلى ذلك، فإن الحجة القائلة بأن حضارات العصر البرونزي المتأخر كانت تزداد تعقيدا؛ ومن ثم كانت عرضة للانهيار في الواقع ليست حجة منطقية بقدر كبير، وخاصة عندما يأخذ المرء في الاعتبار «تعقيدها» بالمقارنة بالتعقيد الذي اشتملت عليه الحضارات الأوروبية الغربية في الثلاثمائة سنة الأخيرة. لذلك، فمع أنه من المحتمل أن نظرية التعقيد قد تكون طريقة مفيدة لمعالجة مسألة انهيار العصر البرونزي المتأخر ما إن يصبح بحوزتنا المزيد من المعلومات فيما يتعلق بالتفاصيل الخاصة بكل الحضارات المعنية، فقد لا تكون ذات جدوى كبيرة في هذه المرحلة، باستثناء كونها طريقة مثيرة للاهتمام لإعادة تشكيل رؤيتنا بأن طائفة كبيرة من العوامل كانت قائمة في نهاية العصر البرونزي المتأخر، والتي يمكن أن تكون قد ساعدت في زعزعة استقرار، وأدت في النهاية إلى انهيار النظام الدولي الذي كان قائما، ويعمل بصورة جيدة للغاية على مستويات شتى، طيلة قرون عديدة سابقة.
ومع ذلك، لا تزال المنشورات الأكاديمية مستمرة في اقتراح متوالية خطية لانهيار العصر البرونزي المتأخر، على الرغم من حقيقة أنه ليس من الدقيق أن نقول ببساطة إن جفافا تسبب في مجاعة، والتي بدورها تسببت في جعل شعوب البحر تبدأ في التحرك وإحداث الفوضى، مما تسبب في الانهيار.
115
لم تكن المتوالية خطية لهذه الدرجة؛ فالواقع كان أكثر فوضوية بكثير. من المحتمل أنه لم يكن ثمة قوة دافعة واحدة أو سبب واحد، وإنما بالأحرى عدد من عوامل الضغط المختلفة، التي أجبر كل واحد منها الناس على الاستجابة بطرق مختلفة للتكيف مع الوضع المتغير (أو الأوضاع المتغيرة). لذلك فإن نظرية التعقيد، وبخاصة من ناحية تصور متوالية غير خطية وسلسلة من عوامل الضغط بدلا من عامل ضغط واحد، مفيدة في تفسير الانهيار الذي حدث في نهاية العصر البرونزي المتأخر، وكذلك في تقديم سبيل للمضي قدما في متابعة دراسة هذه الكارثة.
خاتمة
ما بعد الكارثة
رأينا أنه طيلة أكثر من ثلاثمائة سنة أثناء العصر البرونزي المتأخر، تقريبا من زمن حكم حتشبسوت الذي يبدأ حوالي 1500ق.م وحتى الوقت الذي انهار فيه كل شيء بعد عام 1200ق.م، استضافت منطقة البحر المتوسط عالما دوليا معقدا تفاعل فيه المينويون، والميسينيون، والحيثيون، والآشوريون، والبابليون، والميتانيون، والكنعانيون، والقبارصة، والمصريون جميعا بعضهم مع بعض، فشكلوا نظاما اتسم بطابع عالمي وعولمي لم ير مثله إلا نادرا قبل وقتنا الحالي. ربما كانت تلك النزعة العالمية ذاتها هي التي أسهمت في الكارثة الساحقة التي قضت على العصر البرونزي. يبدو أن حضارات الشرق الأدنى، ومصر، واليونان كانت متشابكة ومعتمدة بعضها على بعض بشدة بحلول عام 1177ق.م لدرجة أن سقوط واحدة منها أدى في النهاية إلى سقوط الحضارات الأخرى، حيث دمرت الحضارات المزدهرة، واحدة تلو الأخرى، بفعل البشر أو بفعل الطبيعة، أو بفعل خليط مميت من كليهما.
ومع ذلك، حتى بعد كل ما قيل، علينا أن نقر بعدم قدرتنا على أن نحدد يقينا السبب المحدد (الأسباب المتعددة) لانهيار الحضارات والانتقال من نهاية العصر البرونزي المتأخر إلى العصر الحديدي في إيجه وشرق المتوسط، أو حتى أن نحدد بشكل قاطع أصول ودوافع شعوب البحر. ومع ذلك، إذا ما جمعنا خيوط الأدلة التي طرحت من بداية مناقشاتنا إلى نهايتها، فثمة بعض الأمور التي يمكننا قولها بثقة نسبية بشأن هذه الفترة المحورية.
على سبيل المثال، لدينا أدلة جيدة بقدر معقول على أن على الأقل بعض الصلات الدولية وربما التجارة استمرت حتى وقت النهاية المفاجئة للحقبة، وربما حتى بعد ذلك (إن كان للدراسات التي أجريت مؤخرا أي دلالة).
نامعلوم صفحہ