تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
علي بك الكبير
علي بك الكبير
أو دولة المماليك
تأليف
أمير الشعراء أحمد شوقي
تمهيد
زمن الرواية:
حوالي سنة 1770 ميلادية.
مكانها:
الفسطاط والصالحية وعكا.
أشخاصها:
علي بك الكبير:
حاكم مصر، ويلقب بشيخ البلد.
محمد بك أبو الدهب:
متبنى علي بك والخارج عليه، ومن أمراء المماليك.
مراد بك:
من أتباع علي بك وأولاده.
ضاهر العمر:
صاحب حصن عكا وحليف علي بك.
مصطفى اليسرجي: (الجلاب).
آمال، شمس، زكية:
إماء معروضات للبيع
عشاق:
شاب شركسي مع الجلاب.
أم محمود:
الماشطة والواسطة في بيع الجواري.
رزق الله الوكيل:
وكيل علي بك.
بشير بك:
من أصحاب علي بك.
عثمان بك:
من أصحاب محمد بك.
قائد الأسطول الروسي في عكا.
أمراء.
جواسيس.
قواد.
جند.
فتيات.
أغوات.
خدم.
الفصل الأول
في قصر علي بك الكبير (حجرة من القصر واسعة فخمة على الطراز الشرقي، مفروشة بنفيس الطنافس، قد نثرت فيها الوسائد والصفف وزين سقفها بثريات الزجاج الملون المشكل وركزت في زوايا أرضها الشمعدانات الكبيرة ...) (جلس هناك في انتظار علي بك الكبير مصطفى اليسرجي (الجلاب) ومعه ثلاث فتيات شركسيات (آمال) و(شمس) و(زكية) وشاب شركسي اسمه عشاق من جنسهن وقرابتهن وأم محمود الماشطة)
زكية :
يا أم محمود تلك دنيا
وهكذا فلتك القصور
وهكذا شمس في الليالي
تنزل هالاتها البدور
قصر سماواته الثريا
وأرضه الوشي والحرير
أم محمود :
ونحن يا شمس نحن بؤس
بيوتنا الجص والحصير
ننقل من حفرة للحد
تساوت الدور والقبور
شمس :
يا أم محمود خبريني
أها هنا ينزل الأمير
أم محمود :
أجل
شمس :
ومن ذا وما يسمى؟
أم محمود :
سلطان مصر علي الكبير
شمس :
والطيب يا أم لم تشمي
الند والمسك والعبير
مصطفى :
لا تعجبي هم ملوك مصر
دنياهمو الطيب والبخور
زكية :
وما الأمير يا يسر
جي ما له من العمر
مصطفى :
قد جاوز الشباب إلا
أنه كهل نضر
أم محمود الماشطة :
ما بلد العز غير مصر
كيف طعمتن يا بنات
شمس :
طعام شاه طعام عرس
لم يرو أمثاله الرواة
ما القصر ما الفرش ما الأواني
ما الأكل ما الشرب ما الطهاة
مصطفى :
هذا هو الملك ملك مصر
وهكذا الحظ والهبات
وأنت آمال؟
آمال :
خلياني
ما تلك إلا خزعبلات
القصر كوخي على جبال
جللها الثلج والنبات
إذا عوى الذئب من مكان
أجابه الكلب والرعاة
زكية :
أجل حننا للجبال الشيب
وللشتاء القارس العصيب
وكل راع واقف للذيب
أمن خوف الحمل الرعيب
تلمحه كالعلم المنصوب
والوعل في الجيئة والذهوب
والديدبان في فم الدروب
مصطفى :
بخ بخ مرحى
يا كومة الشحم
يا جزر بلوط
لكن من اللحم
أم محمود :
أعرفت يا جلاب أنك
جئت بالحمل الثقيل
عن تلك كان لنا غنى
ما تلك إلا سقط فيل
مصطفى :
يا أم محمود اقصدي
لكل سلعة ثمن
إن سراة الناس في
مصر يحبون السمن
وهذه الكومة في
ها سمن لكن حسن (يسمع أذان العصر بصوت شجي من محراب في دار الإمارة فتلتفت شمس بأم محمود وتقول):
شمس :
ما هذه الرنه
في قبة القصر
زكية :
صوت من الجنه
يهتف بالعصر
أم محمود :
ما زالت السنه
والبر في مصر
يا رب أيدها
بالعز والنصر
شمس (لعشاق) :
قم غن يا عشاق
أغنية المعاز
وناج بالأشواق
أحبة القوقاز
عشاق (يغني) :
كوخ وراء الجبال
مكلس بالجليد
فديته لا أبالي
بكل قصر مشيد
ما مر يوما ببالي
إلا بللت خدودي •••
يا منزل القوقاز
عم من بعيد صباحا
لمعت لمعة بازي
في الجو سل الجناحا
سلم على المعاز
إذا غدا أو راحا •••
وقل له يا راعي
في الناي هات الأنينا
اسمع على البعد راع
صوتا من الغائبينا
هل أنت للعهد راع
أم قد تركت الحنينا (بعد صمت وإطراق من الجميع)
أم محمود (للبنات) :
تعالين بنات الشر
كس الغيد تعالينا
زكية :
ولم؟ ماذا؟
أم محمود :
تعالين
تزدكن يدي زينا
فلا أترك لا شعرا
ولا خدا ولا عينا
أم محمود (لشمس) :
تعالي أيها الشقرا
وهاتي شعرك التبري
هلمي اقتربي مني
وألقي الرأس في حجري
غدا يأخذك الشاري
وما تدرين من يشري
أم محمود (لآمال) :
تعالي أيها السمرا
فإن الخير في السمر
أشعر ذاك آمال
أم الليل إذا يسري
قضاك الله للوالي
أو الحاكم في مصر
آمال (في غضب) :
دعيني مرأة السوء
دعيني بومة الشر
قضاك الله للجوع
وللسجن وللقبر
أم محمود (لمصطفى) :
يا سيدي النخاس هذه ضبع
فارجع بها لا تشرها ولا تبع
إلا إذا ساومنا فيها سبع
آمال (إلى صاحبتيها) :
قوما إليها
شمس :
وأنت؟
آمال :
لا، لا أحب الفضولا
علي ثوب جمال
ما احتاج يوما ذيولا
شمس :
ما الخطب؟ مم غضبت آمال؟
زكية :
ما بالها ساخطة ما بال
أم محمود :
غبية ما عرفت ما المال
مصطفى (همسا لشمس) :
شمس
شمس :
يسرجي
مصطفى :
انظري
آمال ماذا غمها
ميلي إليها وخذي
فيما يسري همها
آمال :
بل الحق معي وحدي
وأنتن الغبيات
سوام نحن أم نحن
نفوس آدميات
أم محمود (لزكية) :
وأنت يا ضخمة يا بدينه
يا محملا يخطر بالمدينه
قومي إلي أقبلي للزينه
رزقت عمدة بلا قرينه
ثروته في داره دفينه
يطلب منا امرأة سمينه
مصطفى :
يا أم محمود أرى
آمال جد مغضبه
هائجة صاخبة
ثائرة مقطبه
في وجهها تكاد تبدو
نفسها المعذبه (مصطفى لآمال):
آمال بنتي استريحي
وقللي التفكيرا
لا تحملي هم شيء
دعي لي التدبيرا
عساي أغنم ملكا
أو أستفيد أميرا
فتحكمين بمصر
وتنزلين القصورا
ملك الجمال كبير
زيديه ملكا كبيرا
صوني جمالك هذا
عن أن يعيش فقيرا
آمال :
يا أبي ما تريد بي
أنت تلهو وتلعب
ملكة أو أميرة
أبهذا ألقب
حلم ثم ينقضي
وأماني تكذب
كيف تسمو إلى العلا
ابنة باعها الأب (ثم مستمرة):
أبي، تاجر كما شئت
وكيف أردت فاحترف
ولكن لا ترم ثمني
ولا في هذه الغرف
فبيع الجنس فاحشة
أليس كذلك اعترف
أبي، شرف على فقر
ولا فقر إلى الشرف
مصطفى (لنفسه) :
يا مال ما فيك من سحر ومن خطر
لقد نزلت بنا عن رتبة البشر
تاجرت بالجنس حتى صار محتقرا
عند الشعوب وما جنسي بمحتقر
ذهبت بالشركس الآساد أعرضهم
عرض الرعاة صغار الشاء والبقر
لولاك ما بعت أطفالي، فما كبدي
من الحديد ولا قلبي من الحجر (مصطفى يقبل على آمال):
طفلة آمال أنت
أنت ما تدرين شيا
ها هنا الدنيا وملك
لك في الدنيا تهيا
آمال :
خل عنك الملك والقص
ر ولا تذكر عليا
إن ما تصنع بي قد
بغض الدنيا إليا (ثم لنفسها):
رب جنبني شباب ذا البلد
لا يصبني منهمو رب أحد
لي أخ في أرض مصر باعه
والدي لم يخش من بيع الولد
ركب الآفاق فرخا ما له
من جناح الأب والأم سند
فجع القرية فيه وسقى
أمه الثكل فماتت بالكمد
لست أنسى عبرات إثره
قد جرت شيعنه حتى ابتعد
وهو يومي بيد من رقة
وأبي من غضب يومي بيد
رب ما صار إلى أين انتهى
أهو في الخيل لواء أم وتد
يوسف المسجود في مصر له
أم من الجوع ليوسف سجد
زكية :
وأين بنو السلطان؟ لم لا نراهمو
أليس له ابن يغتدي ويروح
يرف الشباب الغض من طيلسانه
وينفح ريحان الصبا ويفوح
شمس :
فلا خير في دار إذا لم يطف بها
نسيم شباب أو شعاع جمال
ولا خير في روض بغير بهارة
ولا خير في قاع بغير غزال
مصطفى :
أجل له ابن
شمس :
ما اسمه؟
مصطفى :
محمد العالي النسب
شمس :
لعله أبو الدهب؟
زكية :
لله ما أحلى اللقب!
ففيه رنة الذهب
مصطفى :
متبنى الأمير والمتبنو
ن بهذي البلاد كالأبناء
نعتوه لنا فقالوا أمير
أريحي من صفوة الأمراء
تغدق الألسن المديح عليه
وتفيض الشفاه حسن الثناء
ملك سابق إلى كل فضل
نابغ الغرس عبقري البناء (ثم مستمرا):
وأنت يا أم محمو
د ما الذي تعلمينا؟
أم محمود :
محمد ليس برا
ولا وفيا أمينا
بالأمس عق أباه
فكان شر البنينا
واليوم يشهر حربا
على الأمير زبونا
وأما أخوه
زكية :
كيف؟ من؟ هل له أخ؟
أم محمود :
أجل، وهو أيضا لم يلده أبوه
زكية :
إذن فعلي والد الناس كلهم
وكل شباب الضفتين بنوه
وكيف الفتى يا أم محمود؟ ما اسمه؟
أم محمود :
غلام وضيء المفرقين جواد
رأيتنه مثلي تذكرن ساعة رأيناه
شمس :
من؟ ما اسم الأمير؟
أم محمود :
مراد (أم محمود لآمال)
هناك آمال ابنتي هناك
آمال :
ما ذاك يا أم اذكري ما ذاك؟
أم محمود :
الحظ يا بنتاه قد أعطاك
عشقت عشقا سوف يروى في السير
عشق له في مصر والشرق خطر
وعاشق عالي السناء كالقمر
آمال :
يا أم محمود هديت.. ما الخبر؟
أم محمود :
لقيت مرادا أمس
آمال :
ماذا يهمني؟
أم محمود :
عجيب! ألا يعني النساء مراد؟!
فتى علم في مصر، في الشرق كله
نبيل كأبناء الملوك جواد
يحب عليا جهده ويحبه
علي فبين السيدين وداد
كأني به نال الولاية وانتهت
إليه أمور في غد وبلاد
يحبك يا آمال حبا مبرحا
على مثله ما انضم قط فؤاد
زكية :
عرفته
آمال :
ومن؟
زكية :
فتى
أمس إلى السوق حضر
ذاك الخفيف كالقنا
ة والوضيء كالقمر
أتى لنا أمس فما
اختص سواك بالنظر
آمال :
عرفته ذاك الوقاح
في دعابة الهذر
ذاك الذي قلبنا
أمس كتقليب الحصر
شمس :
وكنت أنت قبلة ال
لحظ وموضع الفكر
أم محمود :
وأنت كنت وزكي
ة الحصير المحتقر
آمال :
أوذاك الذي تقولين يهواني
أم محمود :
أجل وهو أرفع الناس قدرا
هسي صه هس انظرا
ها هو ذا قد حضرا (يدخل مراد بك)
مراد بك (عند الباب لنفسه) :
ويح لي رب ما أرى أم محم
ود إلهي وهذه آمال
هي في القصر كيف جاءت إليه
كيف وافاه مصطفى المحتال
أتراها قد حازها لعلي
جبر الجاه واحتواها المال
كيف هل بعد في فؤاد علي
موضع يحتوي عليه الجمال
رب ما لي أهابها كلما قمت
وما لي يردني الإجلال
وأنا الذئب لم تسلط على قلبي
مهاة ولم يسيطر غزال (ثم لأم محمود ومن معها):
سلام أم محمود
سلام يا بنياتي
أم محمود :
سلام لك مولاي
زكية :
وعلوي التحيات
مراد بك (ويشير إلى آمال) :
أم محمود ما لها
ما لتلك المحببه
أم محمود :
ما لها سيدي
مراد بك :
انظري
كيف تبدو مقطبه
لقيتني فلم تقم
بلقائي مرحبه
ما لها اليوم مثل عه
دي بها أمس مغضبه
أم محمود :
سيدي قد ظلمتها
إن ابنتي مهذبه
غير أني وجدتها
مذ بدا الصبح متعبه
شمس :
معذرة يا سيدي
لأختي المعذبه
نحن النهار كله
كالسلع المقلبه
مراد بك :
مصطفى
مصطفى (في ناحية وحده) :
سيدي (لنفسه):
أهذا مراد؟
ويحه ما أضله فيم جاء
مراد بك :
مصطفى هل نسيت أنا التقينا
عند سوق الرقيق أمس مساء
مصطفى :
سيدي ما نسيت واليوم نستأ
نف في حجرة الأمير اللقاء
مراد بك :
والتي اخترت من ظبائك
مصطفى :
ترجيها إلى أن يرى الأمير الظباء
مراد بك :
أترى ما تزال تأبى
مصطفى :
أجل
مراد بك :
ويحك هل يملك الرقيق الإباء
آمال :
سيدي من عنيت؟ قل لي بمن عرضت؟
مراد بك :
أعني المليحة الحسناء
آمال :
سيدي إننا حرائر ما زلنا
مراد بك :
ولكن غدا تصرن إماء
آمال :
وغد سيدي عليه غطاء
أترى عن غد كشفت الغطاء
مراد بك :
قم مصطفى، هذه الحسناء تعجبني
أليس يكفيك فيها ألف دينار
مصطفى :
ألف! قبلت
مراد بك :
إذن تأتيك كاملة
فاخرج ببنتك واحملها إلى داري
آمال :
أبي أبي أنت تمضي بي وتحملني
كالشاة! هذا لعمري أعظم العار
مصطفى :
آمال
آمال :
قف أنت عبد المال يا أبتي
تلقي البريء لأجل المال في النار
لا سيدي، لا أبي، لا تذكرا ثمنا
فلست مخلوقة للبائع الشاري
مصطفى (لنفسه) :
رباه أعظم من وجدي ومن شفقي
على ابنتي اليوم إعجابي وإكباري
وأنت تعلم والأفعال شاهدة
أن ابنتي حرة من نسل أحرار
يا ألف سحقا ويا مال امض من سبلي
تقطعت منك أسبابي وأوطاري (ثم لآمال):
آمال هي اذكري لي كيف أدفعه (ثم لنفسه):
ماذا أقول فإني لست بالداري
آمال :
أبي أما نحن في دار الأمير (علي)
إني لجارة حر مانع الجار
لا أبرح القصر إلا عن مشيئته
فحكمه هو في النافذ الجاري
مراد بك :
ويح لي قد رددت أقبح رد
وأبت أن تجيبني الحسناء (لمصطفى):
سنرى من يفوز بالبنت يا وغد (لآمال):
ومن يقتنيك يا حمقاء (ويخرج مراد بك)
آمال (لنفسها) :
ما بال قلبي بمراد
مذ تلاقينا اشتغل؟
لعلني أحببته
لا لا، فما لي والرجل
عساي قد همت به
هذا لعمري الخبل
خياله في فكرتي
في كل ساعة مثل
ما لي أحس لاعجا
بين الجوانح اشتعل
إن فتح الباب يرى
أول إنسان دخل
أو جيء بالزاد وج
دته بجانبي أكل
وإن شربت حضر
الماء فعل ونهل
قد أخذت صورته
على مشاعري السبل
وحيث سرت طاف بي
وأينما حللت حل
أم محمود (تنظر إلى الباب وتقول) :
أرى الأبواب قد فتحت
وأسمع وقع أقدام
مصطفى :
علي جاء قمن له
بإجلال وإعظام (يدخل علي بك وفي حاشيته رزق الوكيل، الأغا مرجان، بعض الخدم)
علي بك :
أضعنا نهارك يا مصطفى
أطلنا انتظارك لا عن جفا
مصطفى :
بباب الأمير ولي النعم
يطيب الوقوف لأوفى الخدم
علي بك (همسا لمصطفى) :
يا مصطفى قد بعتني
من سنوات ولدا
مصطفى :
أجل صبي كان من
أذكى الصغار محتدا
علي بك :
ما ارتبت فيه ساعة
أن سيكون سيدا
مصطفى :
عاش أبوه لا أرى
أباه إلا أسدا
علي بك :
ولكنه لم يدر في البلاد
ولم يعرف الناس حتى فسد
فسل الحسام وهز القناة
وأصبح عزريل هذا البلد
مصطفى :
ذاك ذئب لم أبعه
حنش غيري باعه
بئس ما باعوك يا مو
لاي يا شؤم البضاعه
علي بك :
وأين البنيات؟
مصطفى :
ها هن قم
ن وقارا لمولاي في المجلس
علي بك :
تخير الحسن قبلي
فكيف كيف اختياري (علي بك لرزق):
يا رزق ما أنت راء
رزق الوكيل :
كذا تكون الجواري
أم محمود :
بل قل ثلاث شموس
تنزلت في نهار
علي بك (ممازحا) :
من أنت يا شر وجه
ومن أحلك داري؟
أم محمود :
أنا يا مولاي حسن الماشطه
أنا في أمر البنات الواسطه (ثم لنفسها):
آه من لي بحياة ثانيه
ليتني أرجع يوما غانيه
ليتني يا ليتني يا ليتني
آه لو ينفع قولي: ليتني! (أم محمود تأخذ يد شمس وتأتي بها):
فهذي كاسمها شمس
ولكن حسنها أحسن
علي بك :
تعالى الله ما أبهى
تعالى الله ما أفتن (ثم ترجع شمس وتأتي بزكية):
أم محمود :
وهذه زكية
علي بك (معرضا عنها ومشيرا إلى آمال) :
وهذه الحوريه؟
أم محمود :
مهاة فداها الغيد من شركسية
لها سيرة عند الملوك تنار
إذا برزت ود النهار قميصها
يغير به شمس الضحى فتغار
وإن نهضت للمشي ود قوامها
نساء طوال حولها وقصار
لها مبسم عاش الخليج لأهله
وعاشت لآل في الخليج صغار
علي بك :
ما اسم هذي الفتاة؟
أم محمود :
آمال الحسناء
علي بك (لآمال) :
آمال كيف ألفيت قصري
آمال :
جنة الله يا أمير على الأرض
ولم لا ألست سلطان مصر
علي بك :
وهذا الوشي والديبا
ج ما موقعه منك؟
وهاتيك المصابيح
من البلور والسلك
وهذا الخشب المصنو
ع بالصندل والمسك
لقد طفت على فار
س والقوقاز والترك
وأدخلت قصور العز
والثروة والملك
فهل أبصرت ما يشبه
هذا الصنع أو يحكي؟ (ثم مستمرا):
وكل ما أبصرت في
قصري من صنع البلد
فليس يعلو الصانع
المصري في الذوق أحد
آمال :
لا عجب مولاي يا طالما
قد بلغ الفن بمصر الكمال
علي بك :
لكن أرى القوقاز أعلى يدا
من غيره يصنع هذا الجمال؟
آمال :
يدي
مصطفى (همسا) :
حاذري ابنتي قدري المو
قف لا يخطر العقوق ببالك
آمال :
لا أبي، خلني أبح أشك بثي
خذل الصبر قلبي المتمالك (آمال لعلي بك)
سيدي
علي بك :
ما أرى؟ دموع لآل
ذهبت في الخدود شتى المسالك
مم تشكين يا ابنتي ما وراء الدمع؟
آمال :
لا شيء
علي بك :
بيني ما هنالك!
آمال :
سيدي، غير شأننا بك أولى
هذه السوق لم تلق بجلالك
تشترى النفس أو تباع على الأر
ض ولم يرض في السماء المالك
مصطفى :
قللي الهم يا ابنتي والتشكي
وانظري الحال وافكري بمآلك
هذه السوق نعمة الوطن البا
ئس منها
علي بك :
ونحن نعلم ذلك
أنا أيضا مررت بالسوق يا آما
ل، حالي يا بنت من مثل حالك
قد وقفنا بهذه السوق نبغي
دولا من ورائها وممالك
وقديما كانت سبيل المعالي
للمماليك أو سبيل المهالك (علي بك مستمرا)
لك الله يا آمال، أنت كبيرة
وكل كبير النفس سوف يسود
فداؤك نفسي هذه نفس حرة
وهذا إباء ما عليه مزيد
أتيت بما لم يأت فيما مضى لهم
ملوك على عرش الكنانة صيد
شرونا وباعونا صغارا وفتية
كما بيع سودان بمصر عبيد
فما كان منا من رأى الرق سبة
ومن قال عند البيع لست أريد (ثم مستمرا):
الخطب غير عظيم
لا تحزني يا فتاة
وكل جرح يداوى
إن عالجته الأساة
آمال :
مولاي قالوا رزقت نفسا
فضائل الصالحين فيها
بأي دين تحوز رقي
وتشتري البنت من أبيها
علي بك :
أبوك؟!
آمال :
أجل والدي
علي بك :
مصطفى
أأنت أبوها؟
مصطفى :
أجل سيدي
علي بك :
فماذا ترى؟
مصطفى :
في يديك الفتاة
تصرف لقد خرجت من يدي
علي بك :
دع البيع يا مصطفى والشراء
وزوج فتاتك أو فاردد
مصطفى :
بمن؟
علي بك :
بي
مصطفى :
إلهي!
علي بك :
أجل بي أنا
مصطفى :
سمعت فتاتي اشكريه احمدي
آمال :
علام أجربيته بعد؟ لا
سأعلم ما صاحبي في غد
علي بك :
لم تقبلي الرق منذ حين
يا لك من حرة نبيله
والآن تخشين من زواج
تمشين في ظله ذليله
آمال
آمال :
مولاي
علي بك :
هاك قصري
سوسيه بالنبل والفضيله
أم محمود :
تحية للملكه
من أمة في المملكه
مصطفى :
أقبل ستر مولاتي
آمال :
أبي! أستغفر الله!
علي بك :
وأنت الملكة اليوم
مري وانهي على الدار
وحليها حلول الشم
س في أرجاء آذار
وكوني قفل أموالي
وأذخاري وأسراري
ولا يهممك ترحالي
ولا تشغلك أسفاري
فللمغنم والصيد
خفوف الأسد الضاري
وللرفعة والمجد
سفار القمر الساري
آمال :
مولاي هاتها يدا
قد طوقتني خير يد
هات أضع في راحتي
ك قبلا بلا عدد
مصطفى :
يا للجلال والخطر
ويا لتوفيق القدر
من البشير بالخبر
إلى البيوت والأسر
حظ لعمري قد كمل
فمن يبلغ الجبل
وكل دارع نزل
على الشعاب والقلل
أنا ظفرنا بالأمل
أم محمود :
قمن بنات الشركس
للهو والتأنس
زدن سرور المجلس
برقصكن الحمس
شمس :
عشاق ماذا أخرك
لم لم تجرد خنجرك
قم لاعب الغيد نرك
كيف تخوض المعترك
عشاق :
غدا يعقد للوالي
على الحسناء آمال
جبال الشركس اختالي
بهذا النسب العالي
هلموا الفرح الأكبر
هلموا رقصة الخنجر
غدا يمتلك الوادي
من الحاضر والبادي
فمن طالب أفراح
ومن شاهد أعياد
هلموا الفرح الأكبر
هلموا رقصة الخنجر
غدا يبتهج العصر
وتمسي فرحا مصر
وتجلي الشمس والبدر
ويزهو بهما القصر
هلموا الفرح الأكبر
هلموا رقصة الخنجر (هتاف خارج القصر):
لا زلت منصور القنا
يا أسد المعارك
أطعمتنا سقيتنا
يا رب زد وبارك
علي بك :
اسمعوا
رزق :
ضجة
الأغا مرجان :
أجل وابتهال
ورجال بسيدي يهتفونا
علي بك :
من ترى الهاتفون رزق ويا مر
جان أخرج فانظر من الصاخبونا
الأغا :
عادة تلك كل يوم خميس
عندنا ألف جائع يطعمونا
علي بك :
امض فاجعل في كف كل فقير
ذهبا يطعمون منه البنينا
نفحة من أميرة النيل مولاتك
آمال :
بل منك سيد المحسنينا
رزق :
مولاي
علي بك :
من؟ أو رزق ذا؟
رزق :
كم ذا تجود وكم تهب
إن الخزانة أصبحت
بنداك كالجحر الخرب
الفضة انفضت وما
قد كان من ذهب ذهب
رمضان راح بنصفه
والنصف راح به رجب
علي بك :
أجل نحن أطعمنا الفقير ولم يكن
له في قصور المترفين طعام
ونحن سقينا ابن السبيل ولم يكن
يبل له فوق الطريق أوام
ونحن حضنا اليتم نمسح دمعه
وآواه منا محسنون كرام
ترى الزاد مبذولا وفي كل ساحة
يتامى قعود حوله وقيام
ونبني فركن للثقافة والحجا
يشاد وركن للصلاة يقام
ودار يواسى البؤس فيها ومنزل
تداوى جراحات به وسقام
ونرفق بالعجماء تأسو جراحها
تقات على ساحاتنا وتنام (علي بك للأغا مرجان وهو بالباب)
مرجان، خير
مرجان :
سيدي (بشير)
علي بك :
أدخله ليس دونه ستور (لآمال):
أميرتي لا تراعي
بشير من أولادي
آمال (لأم محمود) :
إن مولاي شغله
بالمهمات قد كثر
أم محمود
أم محمود :
ملكتي
ما تريدين ما الخبر
آمال :
شمس
شمس :
لبيك ملكتي
دونك الشمس والقمر
آمال (لزكية) :
أخت
زكية :
أفديك ملكتي
زاد في شأنك القدر
آمال :
جلن في القصر جولة
وتنقلن في الحجر
نحن في الود والصفا
ء كأمس الذي غبر
عشن ضيفا علي في ال
قصر ما امتد بي العمر (يخرجن مع مصطفى وعشاق، ويدخل بشير بك فتنتحي آمال ناحية من الحجرة تشرف من نافذة فيها على ساحة الدار)
علي بك :
ماذا وراءك يا بشير؟
بشير بك :
شأن سأعرضه خطير
علي بك :
قل
بشير بك :
لا أقول لأنه
شأن يسر إلى الأمير (علي بك يذهب ببشير بك إلى ناحية أخرى من الحجرة):
علي بك :
عجل وكاشفني بما
بلغت من الجد الأمور
والبو
بشير بك :
من؟
علي بك :
أبو الدهب
بشير بك :
يأخذ للشر الأهب
حاز الأقاليم إلي
ه وتألف العرب
والغز في ركابه
والشعب جذلان طرب
فلنرتحل فربما
جن فعجل الطلب
علي بك :
أرى الأزمة اشتدت وأبطا انفراجها
بشير بك :
فصبرا عساها آذنت بذهاب
علي بك :
صبرت طويلا يا بشير فما جلا
ولا ذلل الصبر الجميل مصابي
ولو أن رزئي بالغريب احتملته
ولكن بأهلي نكبتي وعذابي
يطاردني في الأرض من دب في يدي
وربي في حجري وشب ببابي
ومن طلب الدنيا ببأسي وسطوتي
فلما حواها في يديه سطا بي
ومن عشت أبنيه وأعمر ركنه
فصير هدمي شغله وخرابي
لقد آن أن أسعى وأن أدفع الأذى
بشير امض هيئ للرحيل ركابي
إلى كم قعودي عن عدوي وكيده
وهذا عدوي لا يمل طلابي
سأخرج نحو الشام في فل شيعتي
فهيئ جيادي وادع خير صحابي
بشير بك :
وماذا وراء الشام؟
علي بك :
أسد ضراغم
ألفهمو حولي لنصرة غابي
يزيد بهم جيشي وتقوى عشيرتي
ويشتد ظفري في القتال ونابي
الآن فرغنا
بشير بك :
أجل سيدي
أأمضي؟
علي بك :
بل ابق انتظر يا بشير
إذا أنا قضيت هذا المساء
بقرب الأميرة ماذا يضير
بشير بك :
وليل غد والذي بعده
وإن شئت فابق الليالي الكثير
ونحن فنمضي فنأتي العريش
ونبقى بها بانتظار الأمير
نريغ الجواسيس طول الطريق
ونهرب من منكر أو نكير
وتدركنا أنت مستمهلا
كثير التواري قليل الظهور
علي بك :
بل امض بنا سر بنا سر بنا
فما جلب الخير مثل البكور (لآمال):
لا تجزعي أميرتي
لا بد لي من السفر
لقد دعت حادثة
من الحوادث الكبر
كيف زواج وسفر
مزاحة من القدر
أغيب شهرا واحدا
فانتظري
آمال :
سأنتظر
علي بك :
ما أنت إلا ملك
نهى بقصري وأمر
في ذمة الله
يا ربة القصر
آمال :
وأنت مولاي
شبعت بالنصر
علي بك (لرزق) :
سأصعد يا رزق نحو الصعيد لشغل
رزق :
ولم لا صعود القمر (ثم لنفسه):
صعود الدخان إلى ذروة
إذا صار فيها امحى واندثر
علي بك :
وما في الخزانة أو في القصور
بأمر الأميرة فيه ائتمر (لآمال):
هكذا مصر كل يوم شئون
شغلت مصر بالشئون الناسا
وكأن البلاد خيل جهاد
كل يوم تبدل السواسا
رزق الوكيل (لنفسه) :
لا رحلة، لا سفر
هذا لعمري الهرب
وما الصعيد يقصدون
بل إلى الشام الطلب
أما أنا فقد ملأت
اليد من أبي الدهب
إذا الزمان بعلي
بعد حين انقلب
يجعلني محمد
على خزائن الذهب
علي بك :
سلام على قصر الإمارة والغنى
وإيوان سلطاني ودست جلالي
ووالله ما فارقت مغناك عن قلى
ولا خطرت سلوى الأمور ببالي
وأعلم أني عنك لا بد زائل
وأنك مني لا محالة خال
ولكن أمور قد جرت وحوادث
بنقلة دنيا أو تبدل حال
فخالفني من كان عند إشارتي
يصول بجاهي أو يعيش بمالي
وعق الذي ربيت في حجر نعمتي
ووطأت أكنافي له وظلالي
تألف أصحابي وألب شيعتي
علي وأغرى بالخروج رجالي
لقد جئت بابن ليس لي فكأنما
أتيت بأفعى من سحيق تلال
تفرق عني الناس إلا بطانتي
ولم يبق حولي اليوم غير عيالي
سأمضي وما عندي لهم إن تركتهم
سوى قوت أيام وخبز ليال
وقد زعم الناس الغنى في خزانتي
أتى من حرام تارة وحلال
وأقسم لم تحرز يميني درهما
من المال إلا أنفقته شمالي
أسير أجل أمضي نعم فعسى السرى
تروح بنجمي أو تجي بهلالي
فما الدهر إلا حالة ثم ضدها
وإلا ليال بعدهن ليال
وتلك التي أحببت أول وهلة
وأشركت في ملك وشيك زوال
أعود إليها في المواكب ظافرا
وفرقي بالنصر المؤزر حالي
وأرجع حرا تحتي النيل كله
وما من بني عثمان فوقي وال (يخرج علي بك ومعه بشير بك ورزق الوكيل ويبقى مرجان بالباب) (تسمع ضجة وصرخة من امرأة أمام القصر تقول)
يا ربة القصر
لا مسك الضر
هل عندكم غوث
هل عندكم نصر
لحرة في واد
ليس به حر
آمال :
مرجان ويحي هذه صيحة
وامرأة صارخة باكيه
مرجان انظر
مرجان :
هي ذي أقبلت
معولة صاخبة شاكيه (تدخل امرأة مقطوعة الأذن وصارخة)
آمال :
ماذا دهى يا خاله
أنت بشر حاله
ذا الدم من أساله؟
المرأة :
جنود وراء كبير لهم
من الدين قد جردوا والخلق
أتوا دارنا فمضى نصفهم
أزال العفاف ونصف سرق
ومال على أذني بعضهم
بسكينه طمعا في الحلق (آمال تدفع إلى مرجان صرة):
مرجان خذ ناول
مرجان :
تعالي خذي
آمال :
لا بأس يا خالة لا باس
انتظري عود علي غدا
ففي غد يرتدع الناس (المرأة تأخذ الصرة وتصيح مولولة)
وأذني أين ألقاها
مضت آها لها آها
ويا من عنده أذني
أما يكفيك قرطاها (تسمع ضجة ثم تدخل فتاة مذعورة)
الفتاة :
سيدتي
آمال :
وأنت أيضا
الفتاة :
رحمة سيدتي
آمال :
ما تشتكين؟ ما دهى؟
الفتاة :
الآن يا سيدتي
يذبحون إخوتي
في ساحةالرميلة
آمال :
ويح لهم ماذا جنوا ويح لهم
الفتاة :
لا شيء
آمال :
لا لا بد من داع دعا
النفس لا تقتل يا أخت سدى
الفتاة :
صدقت يا أميرتي إلا هنا
لا ينزل الرأس بمصر جسدا
إلا نزول المرء في بيت الكرا
آمال :
تذكري قولي لي الحق اصدقي
الفتاة (في حياء) :
قد سرق الإخوة جحش الكتخدا
آمال :
سر امض مرجان مع الفتاة
واشفع لدى الحاكم للجناة (ينصرف مرجان مع الفتاة) (يدخل أغا آخر ويقول):
سيدتي
آمال :
وأنت ما عندك قل
الأغا :
ابن الأمير سيدي مراد
آمال :
ابن الأمير! هي عجل جئ به
أكلهم لسيدي أولاد
أدخل مرادا وائتني بمصطفى (آمال لنفسها)
أخاف إن قلت أبي أن يعرفا (يظهر مراد بك) (آمال لنفسها)
ويحي وويح لعلي ما أرى
إني أرى الغدر على هذا الفتى
مراد بك :
تحية سيدتي
أتذكرين من أنا؟
آمال :
كل الذي أعرفه
ابن الأمير ها هنا
مراد بك :
أميرتي قد خدعوك
ما علي لي أبا
ما أنا إلا صاحب
قدمه وقربا
آمال :
يا عجبا!
مراد بك :
ومم يا
مالكة القلب العجب
وكل ما في الأمر أن
ليس علي لي بأب
وليس ما يمنعني
من أن أحب وأحب
آمال :
تحب أو تحب قو
ل لا يليق بالأدب
نسيت للقصر ولي
ولأبيك ما وجب
مراد بك :
قد عرفناك يا أميرتي إننا
أمس التقينا في معرض الجلاب (مراد مستمرا)
ذهبت لأشري فاشتراني وباعني
غزال بسهم المقلتين رماني
هممت ولكن صاحب الصيد ردني
وصير سلطان البلاد مكاني
ولم يدر أني فوق شأن محمد
وشأن علي في الرياسة شاني
إذا ما حوتني كفة رجح الذي
رمى بي في ميزانه فحواني
وجاء علي فاشترى
آمال :
لست صادقا
بنى بي أمير للمكارم بان
مراد بك :
وطار عن الوادي
وماذا يعيبه
ألم تخلق العقبان للطيران (مراد بك يقترب منها)
آمال لو تعرفينا
آمال لو تعطفينا
مصطفى (بالباب وقد سمع كلامهما) (لنفسه): :
أرى شبح الجريمة حام حولي
كما ناش الغريم الأفعوان
آمال (لمراد بك) :
لا تدعني باسمي ولكن
نادني باللقب
مراد هذا هوس
قف عند حد الأدب
مراد ما مقصورتي
بمجلس لأجنبي
اخرج
مراد بك :
على رسلك مولاتي
آمال :
دعني إذهب
مراد بك :
بحق الحب مولاتي
آمال :
ظلمت الحب يا غادر
فما الحب فضولي
ولا لص ولا فاجر
ولكن معدن النبل
وكنز الخلق الطاهر (تنحسر العمامة عن جبهة مراد بك فيظهر أثر جرح قديم على جبينه كان قد أصيب به في صغره ...)
مصطفى (بعد أن يرى أثر الجره وهو بالباب) :
إلهي هذا جرحه ذا مكانه
أما كان طول الدهر للجرح لائما
إلهي هذا الجرح فوق جبينه
مضت سنوات ما محون العلائما
لقد بارز الصبيان بالسيف ناشئا
فصادف سيفا خدش الرأس صارما
إلهي أرى أشياء ثم مهولة
وأشفق فيها من عقابك صارما
إلهي لا تجعله حقا ومر أكن
بما أنا راء من عذابك حالما
كفى غضبا يا رب حسب عقوبة
وحاشاك لم تظلم ولم تك ظالما
إلهي كانت هفوتي عن غواية
فتبت فكن لي فيهما اليوم راحما
آمال (لمصطفى) :
وا أبتا!
مصطفى :
لبيك آمال
آمال :
إلي يا أبي
مصطفى :
أحبب بهذا الصوت
أحبب بالنداء أحبب
آمال :
أبي
مصطفى :
ابنتي أنت هنا؟
آمال :
تعال قف بجانبي
مصطفى :
لا بأس يا ابنتي علي
ك دون ناديك دمي
آمال :
أبي لقد ديس العرين
في غياب الضيغم
مصطفى :
من في مقاصير الأمير؟
ما أرى من الفتى؟
آمال :
ذئب بشكل آدم
للصيد في الغاب أتى
مصطفى (مهمهما) :
خنجري أين خنجري اليوم مني
يغسل العار والدنية عني
فعسى أن يريحني من صبي
عابث، أو يريحه هو مني
هو يطغى بسنه سأريه
أنني الليث ساعدي هو سني
آمال :
أبتي ما تقول؟ ماذا تلمست؟
مصطفى :
سلاحي
آمال :
لا لا أبي لا ترعني (آمال لمراد بك)
بربك إلا حقنت الدماء
مراد بك :
دمائي أنا أم دماء اللعين؟
مصطفى :
أتلعنني يا أضل الشباب
أتلعنني يا أعق البنين
مراد بك :
ولم لا وما لك من حرمة
مصطفى :
ستعلم ما حرمتي بعد حين
سأقلع عينا سمت للباة
وأقطع رجلا مشت في العرين
آمال :
كفى هوسا أيهذا الأمير
مراد بك :
أبي هوس ملكتي!
آمال :
بل جنون
كفى جرأة
مراد بك :
وعلام اجترأت؟
آمال :
على امرأة تحفظ الغائبين
مصطفى :
مراد لك الويل من سادر
وقاح اللسان وقاح الجبين
هتكت على الحزن محرابه
ودست على عبرات الحزين
ولم تحتشم في خطاب الشيوخ
ولم ترج فيهم وقار السنين (مصطفى لنفسه وهو يبحث عن خنجره)
رب ضلل يدي وحطم سلاحي
رب لا تقض أنني أقتل ابني
مراد بك :
سيسبق سيفي خنجر الشيخ
مصطفى :
مرحبا
بسيفك من ماضي الحديد يماني
فهات مراد السيف هات منيتي
أرح من عذاب الحادثات جناني
مراد بك (وقد شهر سيفه) :
إلهي ما لي قد غلبت على يدي
وما بال سيفي إذ هممت عصاني
وما بال نفسي بعد طول جمودها
قد انفجرت من رحمة وحنان
عفوت فمل يا شيخ مل عني انطلق
وعش ناعما في غبطة وأمان
مصطفى :
أميري ذا رأسي فخذه بضربة (يخرج مراد بك)
عساني أرى هدء الضمير عساني (مصطفى لنفسه، ويتبع مراد بك)
أأنبيه؟ لم لا؟ لا. بل استأن مصطفى
أأذكر لابني كيف خسة شاني
آمال (لنفسها) :
ويح لي ويح قد قسوت عليه
وتجاوزت في العقوبة حدي
ما الذي استوجب الأمير وما
أذنب حتى رددته شر رد
ويح قلبي يحبه كذب القلب
وبعدا لحبه ألف بعد
هو مستهتر على حجراتي
وتناسى أمانة الزوج عندي
لا. بل القلب شغله بمراد
هو شغلي من الحياة وقصدي
رب ما لي أحس نحو مراد
شفقا زائدا ولوعة وجد
وحنانا كأنه رقة العشق
جرى في دمي ولحمي وجلدي
صدق الأولون ألآن أدري
كيف تجزي القلوب ودا بود
كيف قلبي تحبه كيف تهواه
بودي لو تستفيق بودي
عبثا آمر الفؤاد وأنهى
وسدى أسترد عقلي ورشدي
كل نصح يقال للقلب في الترك
وفي سلوة الهوى غير مجد
لم لا أشتهي مرادا وأهواه
وما لي أغالب الشوق جهدي
ومراد ألذ في العين لمحا
من سنا الصبح بعد ليلة سهد
ملك جاء حجرتي يشرح الحب
أفي الحق أن يجازى بطرد
لم لم أتخذه في حادث الدهر
نصيرا يرد عني التعدي
لم لم أتخذه بعد علي
ركن دنياي أو دعامة مجدي
لا ورب الجلال والحق (آمال)
ارجعي للصواب (آمال) جدي
أنت من أمة تصون حمى الزوج
وتقضي حقوقه وتؤدي
رب لا تجعل العلاقة إلا
من سلام إذا التقينا ورد
رب إن البلاء مني قريب
وأرى حفرة وأخشى التردي
رب لا تقض أن أخون عليا
وأعني على الوفاء بعهدي
أنا حيرى وأنت تهدي الحيارى
كيف أهوى على هوى الزوج عندي (ثم مستمرة):
لا لا رويدك يا آمال لا تثبي
على الأمير ولا تجزيه طغيانا
واحمي حمى الليث في أيام غيبته
إن اللباة تحوط الغاب أحيانا
هبيه لم يخلع الدنيا عليك ولم
يلبسك تاجا ولم ينزلك إيوانا
هبيه لم ينفجر قبل الزواج ولا
بعد الزواج ولم ينهل إحسانا
هبيه سافر في شأن له جلل
يبني لدولته في الأرض أركانا
أما هو الزوج يرعى حق غيبته
وتجعل الحرة الفضلى له شانا
لقد أقامك في محرابه ملكا
لا تجعلي الملك المهدي شيطانا
الفصل الثاني
في قلعة ضاهر العمر صاحب عكا (فناء قليل الضوء مبني من الحجر انتشرت المصاطب في جوانبه، يطل من بعض جهاته على الميناء حيث يرسو الأسطول الروسي، في ناحية من فناء الدار بعض الجند يتحدثون ...)
أحد الجند :
سمعتم الرعد؟
آخر :
سمعنا القعقعه
بربكم هل في السماء مسبعه؟
أم في السماء وقعة ومعمعه
الأول :
كجبل من الرخام انشقا
أو كالنحاس بالنحاس دقا
الثاني :
والبرق لمحة القبس
أو زفرة حرى النفس
أو كالدم القاني انبجس
شق الظلام وخفق
على ملاءة الأفق
كأنه خيط الشفق
حبيش :
ضرغام
ضرغام :
ماذا يا حبيش؟
حبيش :
ألعمى لك العمى
البرد زاد
ضرغام :
صه أما
في طوبة نحن أما
حبيش :
ضرغام إني قد حسدت
القوم في جهنما
ضرغام :
اصعد إليهم إن أردت
حبيش :
كيف؟
ضرغام :
هاك سلما
وانشد حماتي بينهم
وطف بها مسلما
حبيش (لملاط) :
ملاط
ملاط :
لبيك حبيش
حبيش :
قم أخي لك العطب
ملاط :
وما الذي أصنع يا
حبيش
حبيش :
جئنا بحطب
ملاط :
من أين؟
حبيش :
قم خذ كل ما
لاقت يداك من خشب
ملاط :
كيف أجر الس
اق والبرد بأطرافي ذهب
كأنني ميت اليهود
نزعت منه الركب
حبيش :
يا لك بردا قارسا
وزمهريرا لاذعا
لا الصوف فيه واقيا
ولا الحرير نافعا
ضرغام :
ما الصوف ما الحري
ر لا لا أعطنا برادعا
حبيش :
انظر قفا صاحبنا
كأنه بغل ذبح
وانظر أهاتيك أنو
ف في الوجوه أم بلح؟
كأن كل رجل
في أذنيه قد جرح (تسمع فرقعة)
آخر :
صوت؟!
ضرغام :
أجل!
الأول :
ما الصوت؟
ضرغام :
تلك فرقعه
الأول :
وأين؟
ضرغام :
عند الترك
هل من موقعه ؟ (تسمع فرقعة ثانية)
حبيش :
وذاك؟
الأول :
مدفع
وتلك بندقه
اسمع!
ضرغام :
وما ذلك!
الأول :
تلك طقطقه
أقدام خيل
في الفضاء مطلقه
ملاط :
ربي متى ينقضي البلاء
وتنقضي الحرب والشتاء
حبيش :
ربي متى ننعم بالسلم متى
كم ذا إلى كم نحن حرب وشتا
آخر :
كم أنا كالفار شقي
من خندق لخندق
أصحو على المدفع أو
على صفير البندق
حبيش :
قل لنا يا خراب ما هذه الحال؟
متى تنتهي؟ وأين المصير؟
قد سئمنا القتال واشتاقت الزوج
إلى زوجها وحن الصغير
وتركنا وراءنا الدور عز القم
ح فيها وقل فيها الشعير
وبنو ضاهر شرابهمو العن
اب والشهد قوتهم والفطير
آخر :
كل حين يجيء من مصر جيش
ينزل القدس أو يحل الشآما
وأمير يقاتل الترك في مصر
أتى شاهرا علينا الحساما
نحن ما بين مصر والترك ضعنا
وسئمنا الحياة والأياما
غنم نحن بين راع وذئب
أي هذين جاع كنا طعاما
آخر :
وغدا ...
حبيش :
ما غد؟
الأول :
بلاء عظيم
حبيش وآخرون :
كيف! ما ذاك؟
الأول :
اسألوا ضرغاما
ضرغام :
العمى للرجال ما تبصرون الفل
ك في البحر تشبه الأعلاما
آخر :
فلك من؟
فلك قيصر الروس في البح
ر تصب الردى وترمي الحماما
قطع من جهنم راسيات
قعد الشر حولهن وقاما
وغدا ينزل الجنود فيح
تلون هذي القلاع والآجاما
ملاط :
إذن فأهلا بغد
إن غدا قد اقترب
آخر :
كيف! وماذا في غد؟
ملاط :
فيه كرائم السلب
غدا نفوز بالسلاح
والملابس القشب
آخر :
وما على الصدور من
قلائد ومن صلب
وعادة الروس ين
وءون بصلبان الذهب (يدخل ضاهر العمر ومعه حسين المصري)
ضاهر :
وكيف حال الدار؟
حسين :
غابة الأسل
أو هي وكر النسر في رأس الجبل
ضاهر :
وسهر الدار على الضيف الأجل
حسين :
تحفظه حفظ الجفون للمقل
ضاهر :
والشام. كيف تجد الشام؟
حسين :
نزل
يليق في جنة عدن للرسل
أنهارها من لبن ومن عسل
لا شيء إلا في ذرا الشام كمل
إن تخل من شيء فمن لحم الحمل
ضاهر (ويصفق) :
غضبان صعب يا عبوس يا نكد
صعب وغضبان :
لبيك مولاي اقترح أشر تجد
ضاهر :
امضوا اجمعوا الحملان من سوق البلد
وقدموها للضيوف منذ غد (ينسحب حسين والخادمان) (يدخل خادم ويقول):
مولاي
ضاهر :
ماذا.. زائر آخر؟
الخادم :
لا سيدي، بل هذه زائره
ضاهر :
امرأة أنثى؟
الخادم :
أجل سيدي
ضاهر :
وما اسمها؟
الخادم :
لم ترض أن تذكره
ضاهر :
هل صرحت من أين جاءت؟
الخادم :
أجل من مصر مولاي من القاهره
ضاهر :
وما سنها؟
الخادم :
غادة في الصبا
تشبهها الزنبق الطيبا
وقد لبست حلة للسفار
وشالا كوشي الضحى مذهبا
تريد تقابل ضيف الأمير
ضاهر :
تريد
عليا إذن مرحبا (ثم لنفسه):
إلهي أنثى لداري سعت
تريد عليا فما تطلب
ترى امرأة هي أم حية
تريد صديقي أم عقرب (يخرج ثم يعود بشمس)
شمس :
سلام لك مولاي
ضاهر :
سلام جارة الدار
فما أنت؟ وما تبغين؟
من ضيفي ومن جاري
شمس :
رسول أنا يا مولاي
قد جئت بأخبار
جرى في مصر الدهر
بأحوال وأقدار
ضاهر :
وما ذلك؟
شمس :
لا أعطي
سوى مولاي أسراري
ضاهر :
هي تقدم فتش السيده
شمس :
لا سيدي يحسن أن تبعده
مر لا يمد الوحش نحوي يده
الخادم (ويتقدم نحوها) :
ما ضر لو زحزحت ال
غادة فضل البرقع
شمس :
ما لك يا وغد ولل
برقع دع عنك دع
الخادم :
عمى لك يا عمر ما ذي غدا
ئر لكنها أفعوان قبع
وتلك الجفون سلاح مضى
وسهم أصاب وسيف قطع
وفي الصدر غدارة ها هنا
وأخرى إلى جانبيها تقع
وهذا القوام كرمح الأمير
إذا اهتز في كفه أو لمع
أميري أأنزع منها السلاح (يدخل علي بك)
علي بك (بعد أن يسمع) :
سلاح الملاحة لا ينتزع (ينسل ضاهر) (علي بك لشمس)
أهلا بشمس بالرسول ومرحبا
بنسيم مصر ونفحة الأحباب
كيف الأحبة (شمس) هاتي خبري
قد طال بعدي عنهمو وغيابي
كيف الديار وكيف قصري هل ترى
ترك القواصد والصنائع بابي
أتراهمو قد ردهم خدمي وقد
منعوا طعامي عنهمو وشرابي
وموائدي يا شمس كيف موائدي
والطاعمون بها وكيف رحابي؟
شمس :
مولاي طب نفسا فبرك لم يزل
يجري وخيرك في يد الطلاب
علي بك :
والناس شمس؟
شمس :
مع الأمير قلوبهم
لكن سيوفهم مع الكذاب
الغز والأمراء حول ركابه
علي بك :
وكذاك كانوا أمس حول ركابي
والأزهر المعمور؟
شمس :
صاد محمد
فيه الشيوخ وعاد بالطلاب
علي بك :
والشعب؟
شمس :
سال يا أمير كعهده
قد مال عن باب وقام بباب
والترك قد نصبوه بعدك هرة
يتصيدون بظفرها والناب
علي بك :
والقصر كيف القصر كيف صديقتي
وشريكتي في شدتي ومصابي؟
أرأيت آمالا وكيف وجدتها؟
شمس :
لم نفترق مولاي
علي بك :
منذ ذهابي؟
شمس :
عزمت علينا أن نقيم بقصرها
وتعطفت وحنت على الأتراب
علي بك :
فوجدتها يا شمس
شمس :
خير عقيلة
وأجل ربة منزل وحجاب
ملأت مكانك عزة ومهابة
وكست حماك جلالة المحراب
سهرت على ذكرى الأمير وعهده
سهر اللباة على حريم الغاب
لو كنت أمس ترى رأيت أبية
غضبى محامية عن الأحساب
علي بك :
غضبى؟ ومم وما جرى ما راعها؟
شمس :
من سافل متهافت دباب
علي بك :
ما ذاك شمس من الوقاح من الذي
نقل الخطى بمنازل الغياب
شمس (لنفسها) :
رباه ماذا قلت لم خبرته
علي بك :
قولي أجيبي؟
شمس (لنفسها) :
رب كيف جوابي (شمس لعلي بك)
ذنب فلا تجعله شغلك سيدي
إن القذارة شيمة الأذناب
علي بك :
من ذاك شمس؟
شمس :
مراد
علي بك :
ويح له ولي
ويحي من الأتباع والأصحاب
أمراد يصنع ذاك ماذا غره
بخزانتي ما غره بثيابي
والزوج شمس؟
شمس :
استعصمت في دينها
ورمت بزائرها وراء الباب
علي بك (لنفسه) :
يا نفس قد خان من قلدته ثقتي
وكان حولي لواء الصحب والآل
هذا أبو الدهب استولى على شيعي
وحاز دوني جاهي واحتوى مالي
واليوم هذا مراد نال من شرفي
ما لا يمر لأعدائي على بال (علي بك لشمس)
تعالي نجل يا شمس في دار ضاهر
تعالي نرى الجيش الحليف تعالي
فنحن اقتسمنا الحصن ثم عياله
على كثرة اللاجي وثم عيالي (يدخل حسين من باب ويدخل سعيد من باب آخر)
سعيد :
حسين هنا؟
حسين :
من أرى من سعيد؟
سعيد :
سلام حسين
حسين :
سلام سعيد
سعيد :
أأنت هنا لم تزل يا أخي
تراقب في الشام حال الطريد؟
حسين :
وكيف اقتحمت فناء العرين
وجاوزت هذا الحصار الشديد؟
سعيد :
بمال بذلت هنا وهناك
وبالمال يعطى الفتى ما يريد
حسين :
متى جئت من مصر؟
سعيد :
هذا الصباح
حسين :
ومن كان معك؟
سعيد :
بغال البريد
حسين :
وماذا بمصر من الحادثات؟
وهل جد في أرض مصر جديد؟
سعيد :
حوادث مصر على حالها
وأمس القريب كأمس البعيد
حسين :
وكيف محمد؟
سعيد :
خلفته
كما يشتهي وعلى ما نريد
قبول يحرق قلب الحسود
ودنيا تفيض وشأن يزيد
لقد نزل الريف في راحتيه
وحج إلى قدميه الصعيد
ترى الأمراء على بابه
يقومون فيه قيام العبيد
وللفقهاء على داره
صباح مساء زحام شديد
حسين :
إذن قضي الأمر مصر لنا
سعيد :
أجل ملكنا اليوم فيها وطيد
حسين :
وكتبي سعيد؟ تجيء الأمير؟
سعيد :
أجل
وهي موضع إعجابه
يشير بها في أحاديثه
وينشرها بين أصحابه
ونحن كلانا على باله
غدا نتلاقى على بابه
ونطعم أطيب إحسانه
ونلبس أسبغ أثوابه
حسين :
وما أتيت يا أخي
تصنع في هذا البلد
سعيد :
ذلك سري يا حسين
لا يقال لأحد
حسين :
حذار أن تقول أو
تفعل شيئا ينتقد
نحن بدار ضاهر
دار العديد والعدد
الجمع يقظان بها
وإن ظننته رقد
وكل جاسوس هنا
عليه عين ورصد
وقد تظن ضاهرا
مبتعدا وما بعد
وضاهر ليل نهار
في السلاح والزرد
قد جعل الشام هي
الغاب وطاف كالأسد (ثم بعد فترة سكون)
سعيد :
حسين!
حسين :
ماذا يا سعيد قل سل
سعيد :
أين ترى أصادف الآن علي؟ (يقبل علي بك)
حسين :
سعيد انظر التفت
هذا الأمير مقبلا
يمشي الهوينا ويخ
ال الأسد المستمهلا
سعيد :
حسين ما له انحنى
ما باله ترهلا
لأمشين نحوه
حسين :
لا يا أخي بل ابق
سعيد :
لا
حسين :
إياك أن تقول ما
يغضبه أو تفعلا
فهو مهيب ها هنا
كالليث في جوز الفلا
سعيد :
لا تخش لا أكون
إلا محسنا ومجملا
ألم يكن أمس أم
ير البلد المبجلا
علي بك (لسعيد) :
من المرء من أين من أرض مصر؟
فهذا اللباس لباس الوطن
سعيد :
أجل ملكي من رعاياكمو
علي بك :
ومن مصر هذا اللسان الحسن
وما اسمك؟
سعيد (لنفسه) :
ما همه اسمي؟! (سعيد لعلي بك)
سعيد
علي بك :
سعيد تذكرت من أنت من
سعيد (لنفسه) :
تذكرني عجب كيف ذاك!
ولم نجتمع مرة في الزمن
تراه بي ارتاب ظن الظنون
تراه لما كلفوني فطن
علي بك :
وكيف تركت بمصر الأمور؟
سعيد :
عواصف حول مراسي السفن
وجو الأمور من الحادثات
كثير الغيوم كثير الدجن
علي بك :
وكيف تركت الأمير الجديد؟
سعيد :
سقيم الولاية نكد الزمن
علي بك :
ولم يا فتى هل تولى الولي
وخان من الشيعة المؤتمن
سعيد :
أجل يا أمير ودب الخلاف
وثارت هنا وهناك الفتن
علي بك :
حديثك يا صاحبي لا يساغ
ولا تطمئن إليه الأذن
عساك تبالغ فيما تقول
لعلك تخلق ما لم يكن
إذن لم يخن عهدي الأمراء
ولم يقلب الترك ظهر المجن
ولم ينس أصحابي الفقهاء
أيادي عندهمو والمنن
ولا الشعب مل الأمير القديم
ولا بالأمير الجديد افتتن
بلغت المدى أيهذا الفتى
رويد تأن رويد تأن
فما نحن في فلوات الحجاز
ولا نحن في ربوات اليمن
ولكن على الشام فوق الطريق
تمر الركاب بنا والسفن
وأخبار مصر وأحوالها
هنا سمر للقرى والمدن
سعيد :
وكتب الثقات إلى سيدي
علي بك :
وما هي من أرسل الكتب من؟
سعيد :
كتابان من عمر الچركسي ومن حسن
علي بك :
من؟ صديقي حسن؟
كتابان من مصر من صاحبي؟
سعيد :
أجل سيدي
علي بك :
سوف أغلي الثمن
وأين الكتابان؟
سعيد :
خذ سيدي
خذ النعش خذ من يدي الكفن (وينقض عليه بخنجره فيقبض علي بك على ساعده)
حسين (لنفسه) :
أسفاه على سعيد فما أدري
إلى أين ينتهي؟ أين يمسي؟
نحن سيان في البلاء وأيد
طلبت رأسه ستطلب رأسي
هو في قبضة الأميرين لم لا
أتوارى أنسل أنجو بنفسي (ثم ينسل هاربا)
علي بك :
كيف ترى يا معتدي
لقد وقعت في يدي (يدخل ضاهر ويقول):
اتركه لي يا سيدي
اتركه لي فإنه في داري
سطا بضيفي وسطا بجاري
علي بك :
من؟ ضاهر؟ بالنفس أفدي ضاهرا
أكنت معنا يا أمير حاضرا
ضاهر :
كنت عليك يا صديقي ساهرا
والآن أذهب يا أمير بصاحبي
علي بك :
أتريد تذهب بالأثيم العادي
ضاهر :
لم لا وفي داري وبين عشيرتي
شهر السلاح على أمير الوادي
دعني أحل به العقاب وخلني
أمنع حمى شرفي وحوض ودادي
سعيد (في ضراعة) :
مولاي!
علي بك :
ما بك قل؟
سعيد :
بمصر وحقها
لا تلق رأسي في يد الجلاد
مولاي سيفك بي أبر فسله
إن شئت فاقتلني بسيف بلادي
ضاهر :
حسن قم انهض يا بني قم انطلق
فلقد طلبت الخير عند جواد
أنا قد وهبتك للأمير وقد عفا
إن الأمير بكل فضل بادي
علي بك :
ألان سعيد
سعيد :
أميري قل
علي بك :
تكلم أبن نبني من أمر
ومن بذل المال بي مغريا
وكيف أتاك جواز السفر
تكلم أبن
سعيد :
سيدي أعفني
فلا خير في أن يذيع الخبر
علي بك :
قل السر لا تخفه لا تخف
فسرك عند صديق العمر
أليس محمد المجتري؟
قل الصدق تأمن به كل شر
سعيد :
مراد أشار بقتل الأمير
وغير مراد به لم يشر
علي بك :
مراد؟
سعيد :
أجل إنه المعتدي
وما أنا إلا سلاح شهر
علي بك (ملتفتا بضاهر العمر) :
سمعت أخي ما يقول الغلام
عدو من الأهل ثان ظهر
إذا ما بغى الأهل والأقربون
فكيف من العالمين الحذر (يخرج الضاهر فيتغيب لحظة ثم يعود فيقول)
ضاهر :
أميري
علي بك :
من صاحبي ضاهر
ضاهر :
هنالك مولاي ضيف حضر
علي بك :
ومن؟
ضاهر :
قائد الروس في عكة
أيدخل مولاي أم ينتظر؟
علي بك :
أمير على البحر ماذا يقود؟
ضاهر :
بوارج للروس مثل الجزر
علي بك :
وماذا ترى أنت مرني أشر
ضاهر :
تلاقيه فهو جليل الخطر
علي بك :
ألاقيه؟
ضاهر :
لم لا وما في اللقاء
إذا ما سمحت به من ضرر (يصفق الشيخ ضاهر فيدخل القائد الروسي محاطا برجال الشيخ ... ويخرج ضاهر وسعيد ورجال الشيخ)
القائد :
التحيات للأمير
علي بك :
تحيات
وأهلا بسيدي الربان
أدن خذ مجلسا بجنبي تفضل
القائد :
عشت مولاي مولي الإحسان
نحن جاران يا أمير ولكن
نحن في منزلين يختلفان
أنت كالليث رابضا في الصحاري
وأنا الحوت في العباب مكاني
علي بك :
غير أني مقيد بخطوب
حبست همتي وردت عناني
القائد :
لا تضيق يا أمير ذلك أسطولي
خلال البحار نور المواني
سفن القيصر العظيم قصور
لك إن شئت زينت ومغان
علي بك :
أشكر القائد النبيل وإن لم
يخف ما في خطابه من معان (مستمرا):
أنا في دار ضاهر وهي داري
مع أعوانه وهم أعواني
أنا في دار مسلم عربي
مانع الدار مكرم الضيفان
أنا في الدار أول منذ هاجرت
إليها وصاحب الدار ثان
القائد :
سيدي ألق ضاهرا وتقلد
نجدة القيصر العظيم الشان
لا ترومن بالعصا ملك مصر
واطلب الملك بالحسام اليماني
كيف نبغي سرير مصر بشيخ
بدوي بصارم وحصان
علي بك :
بكريم من الرجال أبي
عبقري الوفاء والإحسان
فزن القول يا نبيل وأمسك
لا تنل ذكر صاحبي بهوان
القائد :
ما أهنت الصديق مولاي لكن
قلت أحسن تخير الأعوان
علي بك :
ليست النجدة البوارج كالأعلام
تطوي اللجاج كالطوفان
ليست النجدة الحديد ولا النار
بأيدي المشاة والفرسان
ليست النجدة اصطفاف العوالي
والتفاف العروش والتيجان •••
ما النجدة الحق إلا صاحب دمه
عند البلاء دمي أو ماله مالي
أخ قديم كعرق التبر خلته
لم أسق من وده إلا بسلسال
وعرضه عندي الغالي وإن بعدت
به الديار وعرضي عنده الغالي
القائد :
كصاحب الدار؟
علي بك :
لم لا ضاهر رجل
من المروءة لا عطل ولا خال (تقبل شمس)
القائد :
والملك مولاي ملك الضفتين
علي بك :
أجل
الملك يا قائد الأسطول آمالي
القائد :
إذن فتلك سفين القيصر اضطجعت
على فراسخ من عكا وأميال
فاركب أميري فيها وائت مصر غدا
في الدار عين وفي الفولاذ والمال
لعلنا ندخل الوادي معا وعسى
على أولئك يغزو الترك أبطالي
علي بك :
نمضي فنفتح مصرا ثم ندخلها
أمنية الدهر تأتي لي وتسعى لي
غدا أحل بأعدائي العقاب على
ما استمرءوا أمس من قهري وإذلالي (يدخل ضاهر) (علي بك لنفسه)
رباه ماذا يقول المسلمون غدا
إن خنت قومي وأعمامي وأخوالي
يقال في مشرق الدنيا ومغربها
فعلت فعلة نذل وابن أنذال (علي بك للقائد)
أجل سموت لملك النيل أطلبه
بهمتي وبإقدامي وأفعالي
لا أستعين على الأهل الغريب ولا
أرمي الذئاب على غابي وأشبالي
القائد :
مولاي تلك معان تحتها كرم
ليست لمن طلب الدنيا بأشغال
علي بك :
بعدا وسحقا لعلياء الأمور إذا
لم ألتمسها بخلق فاضل عال
الموت في ثمر ترقى لتجنيه
في سلم من ثعابين وأصلال
القائد :
إذن أميري فالأسطول منتظري
والبحر يسأل عن شأن الأميرال
علي بك (بصوت منخفض) :
اذهب فما أنت دار ما غد فعسى
يغير الله من حال إلى حال (ينصرف القائد ويشيعه ضاهر وأتباعه) (علي بك لنفسه)
رباه ما بالي أبعد محمد
وعقوقه أشقى بكيد مراد
أنا صخرة الوادي يراوح عاصف
ركني ويبكر عاصف فيغادي
حملت كواهلي الخطوب كما حوت
هوج الرياح مناكب الأطواد
ولقد تركت ورائي الوادي وما
بالضفتين فتى يحوط الوادي
لم يبق في مصر ومصر عزيزة
من قائل هذي البلاد بلادي
الذئب يرتع في الديار ويرتعي
والشعب يسرح كالقطيع الهادي
نقل الزمان زمامه ورمى به
من فاتح باغ لآخر عادي
ويحي فما وقف الرجال كموقفي
من ظلم أحباب وكيد أعادي
فهناك في فسطاط مصر محمد
جشع العداوة لا يمل طرادي
حتى حوى بيد مواكب دولتي
وحوى بأخرى طارفي وتلادي
ما لي محمد الأثيم يكيد لي
ومراد الباغي يدوس وسادي
عجب العجائب مصر صارت ضيعة
لمحمد ورفاقه الأوغاد
ذئب أتى الأتراك في الوادي به
خلعوا عليه إمارة الآساد
وبقيت في أرض الشآم مشردا
حيران ليس لحيرتي من هاد
قد نمت عن حقي وتارك حقه
لاقي الخسار على الندامة غاد
ما لي قعدت وتركيا مقهورة
والروس حولي يخطبون ودادي
أسطولهم بيدي وقائدهم معي
سأصيب جندي عنده وعتادي
لا يا علي رويد في الغضب اتئد
ما تلك خطة حكمة ورشاد
ماذا جنت مصر علي وأهلها
إن الجناة علي هم أولادي
ما ضر مصر وضرني إن لم تكن
مهدي وكان بغيرها ميلادي
بلد رعاني في الصبا وأحلني
بعد الشباب مراتب القواد
ودخلته عبدا كيوسف مشترى
فاعتضت تيجانا عن الأصفاد
لا يا علي اسمع نهاك ولا تصخ
لوساوس الشهوات والأحقاد
لا ترم بالروس الشداد جماعة
ضعفاء مهزولين غير شداد
لا تنس موضع مصر واذكر ما لها
من أنعم سلفت وبيض أياد
لا تنس ماذا ألفت من سامر
لك في الشباب وهيأت من ناد
شمس :
أميري
علي بك :
شمس سمعت النجي؟
شمس :
أجل سيدي وعلمت الخبر
علي بك :
فماذا ترين؟
شمس :
أرى الخطب جل
وأنت عليه جليل الصبر
وما زدت علما بحلم الأمير
ولا خلقه الأريحي العطر
دع الروس لا تنتصر بالغريب
وبالله بالأقربين انتصر
علي بك :
وأين همو شمس؟
شمس :
هم في يديك
وتحت لوائك مر قل أشر
أصخ لساجاياك فالخير فيك
علي بك :
وليس يقابل إلا بشر
أبو الدهب الغر الترك لاذ
وفي مصر في غدها ما افتكر
وكم قد غزاها على رايتي
وكم من سلاح عليهم شهر
وكنا خططنا انتشال البلاد
وإنقاذها من عتو التتر
وأن نستقل بسلطانها
وننهضها في النواحي الأخر
شمس :
تركت ورائي ما تبتغي
من العون والمدد المنتظر
علي بك :
جموع؟
شمس :
هناك على الصالحية
جمع كسرب الجراد انتشر
وينتظرون ركاب الأمير
كمثل انتظار النبات المطر (يعود ضاهر)
ضاهر :
ضاهر عند ظن مولاي فيه
علي بك :
من؟ صديقي أخي حليفي ضاهر؟
ضاهر :
قد سمعت الذي جرى ولمست
الفضل والنبل والسجايا الطواهر
عزوتي سيدي ونفسي ومالي
في الذي شئت ما الذي أنت آمر
نحن إلفان يا أميري على الأرض
وإلفان في متون الضوامر
ومعي مدفعان من سلب الترك
وتل من السيوف البواتر
والمواشي كثيرة في ضياعي
والطريق الطويل بالخير عامر
كل شيء كما تحب مهيا
فمتى الظعن سيدي مر نسافر
علي بك :
غدا الظعن يا أخي قم تأهب
إنما الغنم للخفيف المبادر
ضاهر اسمع هناك في مصر
ضاهر :
ماذا؟
علي بك :
أهبة يا أخي وجيش مناصر
من صحابي المشردين وأتباعي
ومن كل حافظ العهد ذاكر
إن جمعنا إليه جيشك سرنا
وأخذنا محمدا أخذ قادر
وانتزعنا البلاد من قبضة
الترك ومن كل فاسق الحكم سادر
آن أن ننقذ البلاد فماذا أنت راء
ضاهر :
هلم والجيش حاضر
علي بك :
حاضر؟ فلنسر إذن
ضاهر :
بعيون الله في حفظه بأيمن طائر (ثم يصيح):
عرب الشام تلك مصر دعتكم
جماعة من عرب الشام :
ألف لبيك مصر لبيك ضاهر
الفصل الثالث
(الوقت بعد الغروب، في سرادق محمد بك أبو الدهب بالصالحية، حيث دارت رحى الحرب بينه وبين علي بك. في الوجه محمد بك راقد على سرير وعثمان الجاسوس التركي يكبس قدميه. في أحد جوانب السرادق جماعة من البكوات يتحدثون ويلعبون الشطرنج. في الجانب الآخر خادمان مصريان مشغولان بتنظيف ملابس محمد بك أبو الدهب ...)
أحد الخادمين (للآخر) :
ولدي زعزوع أنصت
أصغ للحق المبين
نحن في أيام جهل
وبلاء وجنون
نحن فوضى من مراح الش
اة للخدر المصون
في زبون من حروب
الأهل في إثر زبون
ورءوس في الصواني
نزعت منها العيون
وعزيز هان ما كان
ببال أن يهون
أصبح الناس على ال
وادي بلا دنيا ودين
حركات كالسكون
وحياة كالمنون
وقف الحاكم من
كل رخيص وثمين
مثل ما قد وقف الد
ائن من مال المدين
وشريك الشعب في
كد يديه والجبين
وشريكا في الأواني
وشريكا في الصحون
الآخر :
يا شيخ هذا بلد
أحماله بلا عدد
من سلف وكلف
ومن نكوس وفرد
وكل يوم مطر
من الضرائب الجدد
وتلد الفردة ما
لا يعلمون من ولد
على الحمار فردة
وفردة على الوتد
وفردة على اللجام
وهو حبل من مسد
وفردة على برادع
الحصير واللبد (مستمرا):
يا شيخ لي نعجة غرامي
وكل همي كانا إليها
الأول :
ما صنعت ما الذي دهاها
الثاني :
قد ضربوا فردة عليها
فضقت ذرعا بذاك حتى
ذبحت شاتي وطفلتيها
الأول :
ما قد دهاك دهاني
ومثل شأنك شاني
أتيت طنطا لشغلي
وكان تحتي أتاني
خرجت منها مع الليل
مسبلا طيلساني
فمر فوق طريقي
من لا أرى ويراني
أغا عليه سلاح
في صورة الشيطان
فصاح بي قف ترجل
لقد سرقت أتاني
الثاني :
وما جرى؟
الأول :
قلت له
بل الأتان لي أنا
فقال ذاك أمس
إلا أنها اليوم لنا
بل هي لي وحدي فدع
ها لي وامض من هنا
ثم رماني بيد
كأنها كف النمر
ثم اعتلى ظهر الأتان
الثاني :
ثم؟
الأول :
لكن لم يسر
حتى سمعت هدة
وصرخة من النهر
وأبصرت عيني وراء
الليل آية القدر
حمارتي تجبرت
مثل تجبر البشر
فأغرقت راكبها
وغرقت على الأثر
مميش بك (لعثمان بك في تهكم واستهزاء) :
لقد رأيناك ضحى الي
وم تجي من الجبل
فوق حصان كال
غزال رقة وكالحمل
عثمان بك (وفي غضب) :
كذبتمو قد كان تح
تي سيد الخيل (بطل)
لا حمل ولا غزال ه
و لكن الوعل
كالأفعوان في الشع
اب والشهاب في القلل
مميش بك :
وقد تمايلت على السر
ج تمايل الثمل
وقد تدلى بطنك
الضخم عليه وانسدل
كأنك المحمل والحص
ان تحتك الجمل
عثمان بك :
مميش عبت حصاني
ولم تدع لي اعتبارا
هذا جزاؤك عندي
خذ هاك مني عيارا (ويطلق عليه غدارته)
محمد بك :
عثمان
عثمان بك :
ملكي
محمد بك :
لا ترع
قد كان من حزب علي
كفيتنيه فتول
اليوم ما كان يلي
هيوا احملوا جثته
هيوا اذهبوا بالرجل (يخرج به البكوات والخدم) (عثمان الجاسوس وهو يكبس قدم محمد بك)
عثمان (لنفسه) :
خدمته والله ما
خدمت إلا دولتي
كبسته والله ما
كبست إلا حاجتي
خادم تركيا أنا
ما أنا خادم الغبي
كم من حرير في نواحي
صدرتي وذهب
هاتيك ألقابي وتل
ك شرطي ورتبي
مما بلغت في رضا الل
ه وطاعة النبي
وتحت أعلام السلا
طين السيوف القضب
أقمت في مصر سني
ن أنزوي وأختبي
وأنا حينا ماهن
وأنت أحيانا صبي
أرمي أخا على أخ
وأصدم ابنا بأب
لم آل حكم الغز
جهد الباحث المنقب (يفيق محمد بك ويتمطى ويتثاءب)
محمد بك :
ماذا يقولون عنا
في مصر يا عثمان؟
عثمان :
عهد الأمير رخاء
وغبطة وأمان
فمصر راض بنوها
والناس فيها لسان
يقول إن أميري
يحبه السلطان
محمد بك :
والأمراء أمنهم
مخالف غضبان؟
عثمان :
الأمراء جميعا
ببابكم أعوان
لا يذكرون عليا
وبيته مذ بانوا
فما لغيرك صيت
ولا لغيرك شان
محمد بك :
صدقت هم حيث ك
ان الجديد في مصر كانوا (يقبل جندي ويقول لمحمد بك):
مولاي عندي أخبار سوء
وقفن في في فهو حائر
محمد بك :
أنت رسول؟
الجندي :
أجل
محمد بك :
فخبر
بين إلام القتال صائر؟
الرسل لا يسألون عما
بعد المناعي ولا البشائر
الجندي :
مولاي
محمد بك :
ماذا؟ عجل. تكلم
الجندي :
دارت على جيشنا الدوائر
محمد بك :
وما الذي كان من علي؟
الجندي :
أعين في أمره بضاهر
محمد بك :
وفاز؟
الجندي :
في أول التلاقي
بقوة الشام والعشائر
محمد بك :
إذن هلكنا؟
جندي آخر (وهو داخل) :
لا يا أميري
بل أنت ناج بل أنت ظافر
محمد بك :
من قال ذا؟
الجندي :
شاهدا عيان
محمد بك :
من أين؟ ممن؟
الجندي :
من العساكر (يدخل الجنديان ويتبعهما خدم يحملون صينية كبيرة)
الجندي :
ها هما
محمد بك :
مرحبا
الجنديان :
عواف حياة
محمد بك :
أوجزا
الجنديان :
نحن موجزان المقالا
هزم الجيش صبح أمس ولكن
عاد نجم العدو ظهرا فمالا
فحملنا عليه حملة صدق
وحوينا الرجال والأموالا
محمد بك (لأحدهما) :
زد، أبن
الجندي :
ما قصر الجيشان ضربا وطعانا (يقبل البكوات)
محمد بك (للجندي) :
وأبو ميلة؟
1
الجندي :
غشى
ساحة الحرب دخانا
أحد البكوات :
قد رأينا من هنا
ظلمته واللمعانا
وسمعنا من هنا
رجته والدورانا
محمد بك :
اختراعي مدفعي
قد ظهر اليوم وبانا
ومراد؟
الجندي :
كان كالليث
لحاظا وجنانا
شد بالزأرة والوثبة
في الحرب قوانا
كلما انهار حصان
تحته احتل حصانا
محمد بك :
ثم؟
الجندي :
رمى بنفسه
على علي في الرحى
محمد بك :
ثم؟
الجندي :
تجالدا فلم
يدعه حتى جرحا
محمد بك :
أين هو الآن؟
الجندي :
على آثارنا
على سرير لين مظلل
يخدمهالناس ويعنون به
كالولد الممهد المدلل
محمد بك (همسا لعثمان) :
عثمان هذا علوي
لا تنس رأسه غدا (محمد بك للجندي):
تلك رءوس شيعته، ومن سعى لنصرته، من بيته وعزوته (يأخذ الجيش في العودة من ميدان القتال في أزياء شتى بين الضجيج المتواصل من الطبل والزمر، وتقبل طائفة طائفة فيمر بخيمة محمد بك، وكلما طافت به جماعة خرج إليهم البيك فينثر عليهم الذهب وهو يقول)
محمد بك :
خذوا خذوا خذوا خذوا
إني أنا أبو الدهب
خذوا املأوا أيديكم
من الشعاع المنسكب
الجماعة :
سلمت يا أبا الدهب
وعشت تعطي وتهب
أخجل جودك السحب
الجيش والنظارة (يهتفون معا) :
بني الوادي قفوا حيوا اللواء
وغطوا الأرض وردا والسماء
رجوتم من وراء الحرب نصرا
وهذا النصر بين يديه جاء
هو الرمز المقدس فاتبعوه
وموتوا في القتال له فداء
عليه ضجة الفرح ابتهاجا
بطلعته الحبيبة واحتفاء
كأن وراء هيكله خيالا
من الشهداء والجرحى تراءى
على قدم حيوا العلم
حيوا الشعار حيوا الفخار
رمز الوطن مجد الديار
أحد القواد القادمين :
سيدي فزت بالمنى
هو ذا الجيش قد رجع
وهب الله نصره
للمريدين والتبع
وعلي وجيشه
شبعت منهما الضبع
ليس يدرى أمات أم
في يد الجند قد وقع
محمد بك :
أحل أرى الجيش اقترب
نشوان بالغ الأرب
يرسل رنة الطرب
فريق من الجند (يتغنون من خارج الخيمة) :
سلمت يا أبا الدهب
وعشت تعطى وتهب
أخجل جودك السحب
جماعة أخرى من الجنود والنظارة (يهتفون) :
يا عسكر النيل بالسلامه
يا عسكر النيل بالسلامه
ظفرت بالنصر كل حين
وفزت بالعز والكرامه
في يوم سلم وفي قتال
وفي رحيل وفي إقامه
فما شهدت القتال إلا
رفعت للضفتين هامه
أبليتمو قادة وجندا
بورك في الجند والزعامه
قد شيد الله مجد مصر
والجيش من مجدها الدعامه
جماعة آخرون :
هلم خيل الوطن
تخايلي في الرسن
اليوم أنت مطلقه
حمحمة وطقطقه
محمد بك أبو الدهب (وينثر الذهب) :
خذوا خذوا خذوا خذوا
إني أنا أبو الدهب
خذوا املأوا أيديكم
من الشعاع المنسكب
الجماعة :
سلمت يا أبا الدهب
وعشت تعطي وتهب
أخجل جودك السحب
أحد البكوات :
ملكي
محمد بك :
ما جرى؟
الأول :
تأمل أسير
سيدي من عواهل الشام كهل
محمد بك :
من يسوق الرجال ضاهر الشامي
عان عليه قيد وغل (يدخل ضاهر يحوطه الجند)
ويحهم ذاك ضاهر ما لجندي
قد غووا ما لقادة الجند ضلوا
كثر الجند في الحديد عليه
وهو كالليث في الحديد يدل (محمد بك، ويتقدم منه):
ما أرى ضاهر يساق أسيرا
أنت من ذاك يا أمير أجل
أيها الجند ضاهر صار لي ضيفا
فخلوا سبيل ضيفي خلوا
من فلسطين أنت ضاهر أم من
أرز لبنان أم لك الشام أصل؟
ضاهر :
كل هذا هناك مولاي أصل
واحد يجمع الرجال وفصل
عرب كلنا ومنطقنا الفصحى
وآباؤنا نزار وذهل
محمد بك (للجند) :
ما صنعتم بسيفه؟
أحد الجند :
هو عندي
محمد بك :
هاته فهو محرم لا يحل (محمد بك ويناوله السيف)
خذ تقلد والله ليس لهذا الظفر
إلا يد الهصور محل
أنت خل للبائسين وفي
وهو أيضا لهم صديق وخل
ضاهر :
لست أنسى لسيدي الفضل ما عشت
محمد بك :
وهل في رعاية الحق فضل
قد رددنا على السموأل سيفا
كان دون الوفاء أمس يسل
ضاهر :
كيف أمشي في الشام أم في سواها
ألبس العز حين جارى يذل
ذاك سيفي فأين إكرام ضيفي
ما لي اليوم غير ضيفي شغل
محمد بك :
من! علي؟
ضاهر :
أجل ومن كعلي
ملك ما له على الأرض مثل
سيدي قيل في خلالك بر
ليس يحصى وفي سجاياك نبل
قد تركت الأمير في شدة ال
كرب وغادرت جمعنا وهو فل
ما الذي أنت صانع بعلي؟
محمد بك :
غاية الخير فهو للخير أهل
هو في قصره كأمس المفدى
بين أولاده الأمير الأجل
ضاهر :
أسروني ولو بقيت طليقا
محمد بك :
ما الذي كنت صانعا؟
ضاهر :
كنت تبلو
كيف أبني اللواء حول حليفي
وأرم الصفوف إذ تضمحل
محمد بك :
بل ستبقى بمصر ضيفا علينا
مصر دار للأكرمين وأهل
ضاهر :
ورجالي
محمد بك :
سيلحقونك فيها
لك عندي وللعشيرة نزل
ضاهر (لنفسه) :
ذلك الغدر والمماليك فيهم
من قديم الزمان غدر وختل (يشير محمد بك إلى جماعة من رجاله فيخرجون بضاهر) (يقبل مراد في جماعة من الجند)
محمد بك :
ما أرى؟ ما ترون؟
أحد الحاضرين :
هذا مراد
محمد بك :
هو ذا جر ذيله إدلالا
مراد بك :
التحيات للأمير
محمد بك :
مراد
مرحبا مرحبا تعال تعالا
مراد بك :
ألف بشرى مولاي
محمد بك :
أهلا وسهلا
أدن مني أعانق الرئبالا (يعانقه)
مراد بك :
قد بلغت الآمال
محمد بك :
لم لا وما علقت إلا بسيفك الآمالا
كيف كان القتال؟ أين تركت الجيش؟
مراد بك :
خلفي مظفرا مختالا
بعد حين يمر من ها هنا
الجيش على سيدي رعالا رعالا
محمد بك :
وعلي
تركته في يد الآسين
قد ناء بالجراح ثقالا
بعد حين يأتي به الجند محمولا
مسجى إذا استطاع انتقالا (جماعة من الجند) (يتغنون خارج السرادق)
سلمت يا أبا الدهب
وعشت تعطي وتهب
أخجل جودك السحب (يخرج محمد بك في جماعته لتحيتهم) (في هذه الأثناء يتقدم مصطفى اليسرجي جريحا من مراد بك زاحفا على الأرض)
مراد بك :
يا لعجائب الحياة ما أرى
هذا اليسرجي
مصطفى اليسرجي :
اليسرجي مصطفى
مراد بك :
أنت الذي برزت لي من ساعة
مصطفى :
أجل لألقى من حسامك الردى
مراد بك :
لقد جرحت من يدي لم لم تمت
مصطفى :
إني أحس أجلي الآن دنا
مولاي لا تقطع حديثي وانتظر
عجائب الحياة فوق ما ترى
مراد بك :
وهل عجائب الحياة غير ما
يجري هنا الآن؟
مصطفى :
أجل وما جرى
مراد بك :
فمت إذن وأعفني
مصطفى :
لا بل أقم
واسمع فقد ينجيك ما أروي هنا
مراد بك :
سر؟
مصطفى :
أجل وقد ينالك الأذى
من أن أموت أنا والسر معا
مراد بك :
إذن فقم إبق تأخر ساعة
قل ما لديك ثم مت كيف تشا
مصطفى :
أهكذا رباك جاف خشن
من المماليك مضيع الوفا
ليتك عشت راعيا في وطن
مهذب الفتية صالح النشا
مراد بك :
دع الفضول واحترس يا مصطفى
أنت غبي لست تدري من أنا
أما كفاك أمس أن أخرتني
أنا وقدمت عليا فاشترى
مصطفى :
أنت تحبها؟
مراد بك :
أجل
مصطفى :
أنت
مراد بك :
أجل
مصطفى :
حذار
يا مراد من هذا الهوى
مراد بك (مضطربا) :
ولم؟ وما آمال؟ أهي من دمي؟
أم هي لحمي؟
مصطفى :
هي والله هما
مراد بك :
أختي؟
مصطفى :
أجل أختك
مراد بك :
يا لي ولها
من هول ما كنت عليه مقدما
مصطفى :
مراد أنت في صعيد واحد
ضربت بالسيف المربي والأبا
مراد بك :
ومن أبوها وأبي أنت؟
مصطفى :
أجل
أنا الذي باع الفتاة والفتى
أنا الشقي بائع ابنيه
مراد بك :
أبي
ما بعتنا إلا لندرك الغنى
مصطفى :
مراد أدركني
مراد بك :
فداك يا أبي
روحي وإن قلت لك الروح فدى
مصطفى :
انظر مراد أنا في النزع وما
يغني المفدون إذا النزع أتى
سقت لك الرق وسقت الموت لي
والرق والموت على حد سوا
مراد بك :
أعف أبي عني أتعفو يا أبي؟
مصطفى :
القلب عنك وعن السيف عفا
بل اعف أنت يا مراد عن أب
باعك طفلا كبديعة الدمى
ما رحم الدمع بعينيك ولا
رق لذلك البكى ولا رثى
مراد بك :
وا أسفي! وا ندمي!
أبي عليك قد غمى
أفق أبي تكلم
مصطفى :
مراد! لا يقوى فمي (ويموت مصطفى)
مراد بك :
مات انتهى رب ارحم (مراد بك يلقي عليه عباءته ويرجع باكيا) (تدخل آمال فيلمحها مراد بك ويقول لنفسه):
آمال أختيا
أجل أجل هيا
لأكفينها
تلك الضواريا
آمال (لنفسها) :
ما له مضطربا يرمقني
بالرضا حينا وحينا بالغضب
ما به؟
مراد بك :
آمال
آمال :
مهلا سيدي
ادعني حين تنادي باللقب
مراد بك :
اسمعي آمال أختي
آمال (لنفسها) :
أخته؟
رب من أين متى هذا النسب (ثم لمراد بك):
كيف من نباك؟
مراد بك :
نباني أبي
أننا يا أخت من أم وأب
آمال :
وأبي، أين أبي؟ أين مضى؟
مراد بك :
هو هذا جثة
آمال :
مات أبي
مراد بك :
احملي الجثة يا أخت معي
هي نحجبها هلمي نحجب
آمال (بعد أن تقف أمام الجثة وتتأملها) :
حنانيك ربي أبي رمة
يمر عليها التراب الخشن
أبي كيف صرت وراء التراب
إلى جسد بالبلى مرتهن
أبي ما لأذنك قد أبطأت
وكنت إلي سريع الأذن
وما بال حظي منك الصدود
وكان نصيبي اللقاء الحسن
وأين يد سمحة طالما
مسحت بها عبراتي الهتن
أحق أبي دهمتك المنون
أجل وجرت فيك كبرى السنن
ذهبت كما ذهب الأولون
قتيل الحياة جريح الزمن
مراد أخي
مراد بك :
أخت لا تحزني
فماذا يرد البكا والحزن
آمال :
أحق أخي أنه قد قضى
وأنا فقدنا الذرا والركن
قضى في معارك لم يجنها
غريب التراب غريب الوطن (ثم مخاطبة الجثة):
تمنيت أني أقيك الردى
بنفسي ومن يدفع الموت من
وأجعل غسلك ماء الشئون
وأصنع من هدب عيني الكفن
وأختط بين حنايا الضلوع
صوانا ولحدا لهذا البدن
جعلت الفدا لك مما دهاك
وممن رماك وممن طعن
وليت جراحك بي يا أبي
مراد بك :
رويدك أخت أقلي الشجن
ولا تكثري حسرات الصديق
ولا تشمتي الكاشح المضطغن
آمال :
وكيف مراد وهذا أبوك
لقى في التراب كأن لم يكن (يخرج مراد بك وآمال بالجثة) (يؤتى بعلي بك مجروحا محمولا على سرير من جريد فيوضع في ناحية من الساحة)
علي بك (لنفسه) :
ويحي تفرق عسكري وخيامي
وطوى الزمان وريبه أعلامي
أحتال والأحداث تفسد حيلتي
وأروم والأيام دون مرامي
لما طوت ملك الكنانة راحتي
لم يكفني فطلبت ملك الشام
صيرت حرب الترك وجه سياستي
حتى اقتنيت عداوة الأقوام
وكفرت إحسان الذين خدمتهم
حتى تجرأ خادمي وغلامي
في الصالحية مال صرح مطامعي
وكذاك ركن بناية الأوهام
النصر غاب وكان طاف برايتي
حينا وحام على شباة حسامي
وحملت في سرر الجريد ببلدة
وطئت جواهر عرشها أقدامي
قد عشت بالدنيا العريضة حالما
حتى انتبهت فلم أجد أحلامي
دنيا أردت من العروش حطامها
جعلت سرير القش كل حطامي
بالأمس جللت التراب مواكبي
واليوم لا خلفي ولا قدامي
اليوم أرسف في دمي وجراحتي
وغدا أجر منيتي وحمامي
أنا قد جعلت الغز مهبط نعمتي
وخصصتهم بمنازل الإكرام
فلدغت من صلين منهم عقني
هذا وذاك أضاع حق ذمامي
وتتابع الأمراء في أثريهما
يستمرئون عداوتي وخصامي (يقبل محمد بك أبو الدهب في حاشيته)
محمد بك أبو الدهب :
يا ويح لي ماذا جرى
هذا أبي وسيدي
سيعلم المغرى به
كيف عقابي في غد (ويتظاهر بالأسف ويتقدم لملاقاة الجريح)
يا أسفا على (علي)! يا أسفا
على أبي وسيدي وموئلي!
يا أسفا على الكريم المفضل
أحد البكوات (همسا) :
ماذا يقول؟ سيده!
شلت يده شلت يده
علي بك (لمحمد بك) :
محمد اسمع
مراد غادر
اقض عليه
وأنت قادر
محمد بك :
لا بل تعيش سيدي
وبيديك تقتله
سيدي انس اليوم وافكر في غد
علي بك :
ليس للمغلوب غير الذل غد
محمد بك :
بل غدا تبرأ من جرحك
علي بك :
لا
قلما قام من الجرح الأسد
أحد الحاضرين (همسا لآخر) :
الذئب جرب في المربي ظفره فأصابه
لا تحو دارك أرقما حتى تحطم نابه
علي بك (لمحمد بك) :
محمد اطلب لي قليل ماء
إني أحس حرقة الظماء
محمد بك :
مولاي لا باس
فداؤك الناس (محمد بك لعثمان ويناوله حقا)
عثمان جئ بالشراب
أغثه بالعناب
علي بك :
عجل وأطفئ لهيبي
أسرع وخفف عذابي (يذهب عثمان ثم يعود بالماء) (علي بك لمحمد بك ويتأمل الكأس)
أغريت في الصبح بي عقورا
ما أنا من جرحه بصاح
والآن أرسلت كلب سوء
يدس لي السم في القراح
وهكذا تجرح الأفاعي
وتفرغ السم في الجراح (علي بك لعثمان)
عثمان ما دسست لي في الكاس
عشب القفار أم تراب الماس
السم أحيانا طبيب آس (ويشرب)
محمد بك (لعلي بك) :
أبي وأميري
كفى سوء ظن
علي بك :
محمد نل كل
ما شئت مني
وما لي ألومك
والسم فني
أخذت الخيانة
والغدر عني (محمد بك يبتعد في حاشيته فيختلط بالأمراء الآخرين) (علي بك وقد لمح آمال ومراد بك قادمين)
أرى ويح لي ماذا أرى؟
توالت جراحاتي وطال عذابي
مراد وآمال. عدوي وزوجتي
فيا زمني هل من جديد مصاب؟!
يعذبني يا رب أني أراهما
قد اختلطا من جيئة وذهاب
إذن هي تهوى النذل وهو يحبها
إذن ليس ما خبرته بكذاب
إذن فمراد لم يثب بي وحده
ولم يقتحم ستري ويسط ببابي
ولكن أعارته الخبيثة نابها
وما في ذراها من نقيع لعاب
أجل هدما عشي معا وتعاونا
على ثلم محرابي وهتك حجابي
آمال (لنفسها) :
إلهي أعن زوجي وبل جراحه
فما باله مستوفزا لعتابي
رماني بعين قلبت عن كراهة
وعن نظرات كالشرار غضاب
ترى ظن بي سوءا ترى ارتاب في أخي
ففكر في جرمي وكيف عقابي
له العذر في حال أضاعت صوابه
فإني أنا الأخرى أضعت صوابي (وتتقدم من علي بك):
سيدي مولاي
علي بك :
من؟ أنت؟
آمال :
أجل
علي بك :
أعزبي
عني خليني اعزبي
الأقاويل إذن صادقة
الروايات إذن لم تكذب
آمال :
ما أذاعوا سيدي ما نقلوا؟
علي بك :
خبروني امرأتي تعبث بي
آمال :
مع من أعبث! مع هذا الفتى؟
مع شقيقي وابن أمي وأبي
علي بك (لمراد بك) :
مراد
مراد بك :
مولاي
علي بك :
اعزب
لا بل تعال اقترب
مراد بك :
أبي
علي بك :
سؤال يا فتى
أصغ إلي أجب
مراد كنت لا ترى
غيري فما غرك بي
أنت الذي اشتريته
بفضتي وذهبي
ولم أقصر معه
عن واجب المؤدب
مراد بك :
مولاي خلني إلى
ضميري المعذب
أعف فأنت أهله
هب لي جرائمي هب
علي بك :
مراد
مراد بك :
مر
علي بك :
أوصيك خيرا
بالملاك الطيب
أما تراها أصبحت
من غير زوج وأب (ثم مستمرا):
مراد بني أصخ أصغ لي
تعلم من الذاهبين استفد
مراد بك :
تكلم أبي هات قل سيدي
وبين كدأبك سبل الرشد
علي بك :
بناء المماليك واهي الأساس
وسلطانهم مضمحل العمد
وضيعتهم بعد طول الإباء
عوى الذئب فيها وصاح الأسد
إذا فسد الخلق في أمة
فقل كل شيء لهم قد فسد
وصاحبكم ذهبت نفسه
فكل عنايته بالجسد
يحب النساء ويهوى الطعام
ويبني القصور ويغني الولد
بفضل التعاون سدنا البلاد
ولولا تعاوننا لم نسد
إذا قام بان إلى غاية
تعثر بالهادم المجتهد
وأولع بالعصبة العاملين
رجال كسالى منوا بالحسد
فلم ير واحدهم همة
وفضلا لآخر إلا حقد
يمينا مراد لما في البلاد
سواك يليق لحكم البلد
يلم المماليك من فرقة
ويوقظ من حزمهم ما رقد
ويرجع للطاعة المارقين
ويكسر من شرة المستبد
فثب بالغبي غدا ثب به
وقم أنت فاحم الحمى بعد غد (ويغمى عليه)
مراد بك :
ويح للمجد حل بالماجد الم
وت وأخنى على الكريم الحمام
رحمتاه له مضى وتولى
واستردت جمالها الأيام
آمال :
مات! لا يا مراد قل هو حي
قل أخي تلك ضجعة ومنام
فرحى يا علي ما أنت راء
مأتم بين ناظريك يقام
فرحى مثل يوم نحر عليه
من دم البر لمحة وابتسام
ضحت الحادثات فيه بكبش
فجع الشرق فيه والإسلام
قد أصبنا من العيون كلانا
أدركتني وأدركتك السهام
أحد البكوات (لآخر) :
أرأيتم أسمعتم جرأة
تلك يا ويح مراد ويح له
ما له استهتر في مواقفه
ومضى يفعل فعل السفله
انظروا فهو عليها مقبل
وهي بالسمع إليه مقبله
تركا المقتول لم يكترثا
لدم من حوله قد جلله
أترى يطمع أن يخلفه
وهي هل تطلب زوجا بدله
آمال (وتلتفت خوفا) :
مراد أخي
مراد بك :
لبيك آمال
آمال :
ما لنا رمتنا عيون القوم من كل جانب
وإني لثكلى مرتين وما دروا
تولى أبي عني ولم يبق صاحبي
مراد بك :
كذاك فضول الناس شغل بحاضر
كما قد شغلناهم وشغل بغائب
ومن ألسن تجري بسوء وهمها
فوائد عند الغير أو في مصائب
آمال :
صدقت مراد انظر تأمل فضولهم
لقد رمقونا بالعيون الشواغب
يرون عجيبا أننا ها هنا معا
وأنك تمشي يا أمير بجانبي
أحد البكوات (يتقدم) :
مراد من الحسناء؟
مراد بك :
ما أنت؟ ما الذي
يهمك من أمر الحسان الكواعب (ثم لآمال):
أأبصرت يا أخت الفضولي
البك (لنفسه) :
أخته
عجيب فلم نعلم له من أقارب (لمراد بك):
وأين ترى كانت؟ ومن ذا أتى بها؟
رواية غاو أو مقالة كاذب (مراد بك يهم ويلطمه بيده لطمة شديدة)
آمال (لمراد بك) :
ترفق أخي سامحه
البك (لنفسه) :
تدعوه يا أخي
إذن لم يكن فيما رواه بلاعب
مراد بك :
تعلم إذن أن الفضول وقاحة
وأن عقابي عنك ليس بعازب
البك :
وأنت تعلم أن سيفي منية
وغدارتي محشوة بالمعاطب
مراد بك :
وقوسك؟
البك :
قوسي ليس يخطئ سهمها
مراد بك :
ورمحك؟
البك :
مثل الأفعوان المواثب
مراد بك :
وقلبك إني لا أرى القلب حاضرا
على أنه أمضى سلاح المحارب
وإلا فذا صدري فضع فيه ما تشا
وسدد إليه ماضيات المضارب
البك :
وكيف اجترائي سيدي وابن سيدي
معاذ أياديكم معاذ المواهب
مراد بك :
إذن خل شأنينا ولا تشتغل بنا
وطر في فضاء الأرض ذات المناكب
آمال :
مراد أخي
مراد بك :
آمال هذا محمد
يلاحظنا في الجمع لحظ المراقب
ولا بد من إنبائه بالذي جرى
آمال :
وما ضر سر قابله كلمه خاطب
محمد (يقترب ويقول) :
مراد أرى شغبا وأسمع ضجة
بني أهذا موضع للتصاخب
ونحن على موت وحول جنازة
وفي مأتم فخم وشيك المواكب
مراد!
مراد بك :
أميري!
محمد بك :
تلك والله ريبة
مراد بك :
تفضل أميري واستمع ثم عاتب
محمد بك :
أما هذه عرس الكبير فما أتى بها
ها هنا بين ازدحام المناكب
مراد بك :
بلى يا أميري وهي أختي
محمد بك :
أخته! حنانيك ربي تلك إحدى العجائب
مراد بك :
أجل سيدي أختي اجتمعنا من النوى
على قدر من صنعة الله غالب
ولم ندر قبل اليوم أنا قرابة
وأنا التقينا في كريم المناصب
محمد بك :
ومن قال للصنوين هذا؟
مراد بك :
أبوهما
محمد بك :
وما هو؟ من؟
مراد بك :
بعض التجار الجوالب
محمد بك :
وأين فأدعوه فأعلي محله
وأرفعه وابنيه فوق الكواكب
مراد بك :
تعيش وتبقى، مات
محمد بك :
مات أبوكما؟
مراد بك :
أجل. هو ذا يدمى وراء العصائب
محمد بك :
جريح؟
مراد بك :
أجل لكن قضى من جراحه
محمد بك :
قتيل؟
مراد بك :
أجل ثاو وراء السباسب
محمد بك :
وما تصنعان الآن؟
مراد بك :
ما أنت آمر
محمد بك :
هنالك حراسي وثم ركائبي
فخذها إلى الفسطاط حتى تجي بها
إلى قصرها محفوفة بالرغائب
وبعد غد تجري على القصر نعمتي
ويأتيه بري كالغيوث السواكب
آمال (وهي منصرفة) :
وداعا أبي!
محمد بك :
صبرا جميلا أميرتي
ولا تفعلي فعل البواكي النوادب
آمال :
عفا الله عنه كان شيخا مصليا
محب اليتامى راغبا في المثاوب
لقد طلب الدنيا بمصر فنالها
فولى إلى الأخرى وجوه المطالب
نامعلوم صفحہ