وهرولت نحوه تجرر أذيالها وتنادي: «توماكين!» وطوقت جيده بذراعيها، وأخفت وجهها في صدره.
وتعالى الضحك المكبوت.
وصاح المدير متمما حديثه: «هذا المزاج الوحشي.»
واحمر وجهه وحاول أن يتخلص من عناقها، وتعلقت به مستيئسة، وقالت: «ولكني أنا لندا، أنا لندا!» وضاع صوتها وسط الضحكات العالية، ثم صاحت وعلا صياحها على اللغط، وقالت: «لقد جعلتني آتي بطفل.» فسكت الجميع فجأة مذعورين، وبدا على العيون القلق، ولم يدر أصحابها إلى أين ينظرون، وشحب المدير بغتة، وكف عن النضال، ووقف ممسكا بمعصميها ومحدقا فيها مذعورا، قالت: «نعم، طفل - وكنت له أما.» وقد ألقت هذا الكلام الفاحش كأنها تتحدى الحاضرين في ثورتهم الصامتة، وأفلتت منه بغتة وغطت وجهها بيديها، وأخذت تنتحب من شدة الخجل، ثم قالت: «لم يكن خطئي يا توماكين؛ لأني كنت دائما أدرب نفسي، أليس كذلك؟ كنت دائما أفعل ذلك ولست أعرف كيف ... آه لو علمت يا توماكين شناعة ... ولكنه كان لي برغم ذلك سلوى.» والتفتت نحو الباب ونادت: «جون، جون!»
فدخل في الحال، ووقف داخل الغرفة برهة، وتلفت حوله، ثم عبر الغرفة مسرعا في خفيه المصنوعين من جلد الغزال، فلم يحدث صوتا ما، وجثا على ركبتيه أمام المدير، وقال في صوت واضح: «أبي!»
وهذه الكلمة البذيئة المضحكة خففت الضغط على الأعصاب التي كانت قد توترت إلى درجة لا تحتمل (ولم تكن كلمة «الأب» فاحشة بمقدار ما كانت سخيفة سمجة، كانت كلمة يمجها السمع من ناحية الذوق الأدبي، أكثر مما يمجها من الناحية الخلقية؛ لأنها تدل على شيء من الابتعاد عن حمل الأطفال، الذي تشمئز منه النفوس، وينم عن الانحراف الخلقي)، وانفجر الحاضرون بالضحك، ولم يكفوا عن القهقهة العالية كأن بهم مسا من جنون، إنه ينادي المدير بأبي! أبي! يا للعجب! حقا إنه لأمر لا يحتمل، وتجدد الشهيق والصياح، وأوشكت الوجوه أن تنبسط، وتدفق الدمع مدرارا، وانقلبت أنابيب اختبارية أخرى مليئة بالحيوانات المنوية، أبي! عجبا!
وحملق المدير حواليه شاحب اللون، وحشي النظرات، وقد أحس بألم الحيرة والإذلال.
أبي! لقد علا الضحك مرة أخرى بعد ما فتر قليلا، فوضع يديه على أذنيه وانطلق من الحجرة.
الفصل الحادي عشر
وبعد الحادث الذي وقع في حجرة التلقيح، كانت الطبقة العليا كلها في لندن تتأجج شوقا؛ لرؤية ذلك المخلوق العجيب، الذي جثا على ركبتيه أمام مدير التفريخ والتكييف (أو قل أمام المدير السابق؛ لأن المسكين استقال فورا بعد ذلك الحادث، ولم يطأ بقدمه المركز منذ ذلك التاريخ)، وركع تجاهه وناداه ب «أبي» (وكانت النكتة أبرع من أن يؤمن بها السامع) أما لندا - فعلى نقيض ذلك - لم تثر اهتماما، ولم يشعر أحد بالرغبة في رؤيتها؛ لأن وصف المرأة «بالأم» لم يعد من الفكاهة في شيء، إنما كان فحشا من القول، وفوق ذلك فإنها لم تكن همجية حقا، إنما خرجت من قارورة وتكيفت كأي فرد آخر؛ ولذا فلم تكن لديها آراء غريبة حقا، ثم إن مظهر المسكينة - فوق هذا وذاك - كان أقوى الأسباب التي نفرت الناس من الرغبة في رؤيتها. كانت بدينة، وقد فقدت شبابها، وفسدت أسنانها، وتلطخت بشرتها، يا لله! إنك لا تستطيع أن تنظر إلى قوامها دون أن تشمئز نفسك؛ ولذا فإن خيار الناس قد صمموا ألا يشاهدوا لندا، ولندا من ناحيتها لم ترغب في مشاهدتهم، إن العودة إلى المدنية كانت في رأيها عودة إلى السوما، وإلى إمكان ملازمة الفراش في عطلة متصلة، لا يعاني فيها النائم صراعا أو نوبة قيء، ودون أن يحس بذلك الإحساس الذي يشعر به المرء بعد أن يتناول «البيوتل»، كأنك قمت بعمل مشين ضد الجماعة فلا تستطيع أن ترفع رأسك مرة أخرى، أما السوما فلا تفعل شيئا من هذا، والعطلة التي تعطيها لمن يتناولها كاملة، فإذا كان الصباح التالي غير مقبول، فهو ليس كذلك بطبيعته، وإنما بالمقارنة مع متع العطلة، والعلاج هو أن تكون العطلة متصلة، فكانت دائما تضج في شراهة تطلب المزيد وبكميات وافرة، وعارضها الدكتور شو أول الأمر، ثم سمح لها أن تتعاطى ما تريد، فكانت تتناول مقدار عشرين جراما في اليوم الواحد.
نامعلوم صفحہ