ولم يعد نائب وكيل الخازن يسمع شيئا، فقد انسل من المكان وكان يبحث عن رقم في دفتر التلفون.
لخص برنارد حديثه بهذه العبارة: «إنه ليس في بيته، وليس في بيتي ولا بيتك، وليس في الأفروديت ولا في مركز الكلية، فإلى أين يا ترى ذهب؟»
فهز هلمهلتز كتفيه، لقد عادا من عملهما وهما يتوقعان أن يجدا الهمجي بانتظارهما في أحد أماكن اللقاء التي ألفاها، ولكنهما لم يعثرا له على أثر، وقد ضايقهما ذلك لأنهما كانا يريدان أن يهطعا إلى بيارتز في سيارة هلمهلتز الخفيفة ذات المقاعد الأربعة، وسوف يفوتهما موعد العشاء إذا لم يعد سريعا.
فقال هلمهلتز: «سوف نعطيه خمس دقائق أخرى، فإذا لم يعد خلالها فسوف ...»
وقاطعه دق جرس التلفون، والتقط السماعة وقال: «هلو، ها أنا ذا أتكلم.» وأنصت فترة طويلة ثم أخذ يسب، ثم قال: «أنا آت على الفور.»
فسأله برنارد: «ما في الأمر؟»
فقال هلمهلتز: «هذا رجل أعرفه في مستشفى بارك لين، الهمجي هناك، والظاهر أنه جن، والأمر عاجل على أية حال، هل ترافقني؟»
فهرولا معا في الدهليز يقصدان المصاعد.
وكان الهمجي يقول لهم، وهم يدخلون المستشفى: «ولكن هل تحبون أن تكونوا عبيدا؟» وتدفق الدم في وجهه واتقدت عيناه من الهياج والحنق، ثم قال: «هل تحبون أن تكونوا أطفالا؟ نعم، أطفالا تبكون وتتقيئون؟» وقد أحنقه غباؤهم الوحشي، فبدأ يقذفهم بالإهانات وهو الذي جاء لإنقاذهم، ونفذت الإهانات خلال غباوتهم السميكة، فحدقوا فيه وقد بدا في عيونهم ما ينم عن الاستياء الثقيل الكئيب، فصاح بهم صيحة عالية وقال: «نعم تتقيئون!» ونسي الآن همه وندمه، وعطفه وواجباته، وتشبع بالكره الشديد لهؤلاء الوحوش المنحطين عن البشر، «ألا تريدون أن تكونوا رجالا أحرارا؟ ألا تفهمون ما الرجولة وما الحرية؟» وجعله الغضب فصيحا، فتدفق الكلام تدفقا، وكرر قوله: «ألا تريدون ذلك؟» غير أنه لم يظفر بجواب لهذا السؤال، وواصل حديثه متجهما، قال: «إذن فلأعلمكم وسوف أحرركم سواء أردتم أو لم تريدوا .» وفتح إحدى النوافذ بقوة، وهي تطل على فناء المستشفى الداخلي، ثم بدأ يقذف في الفضاء بصناديق أقراص السوما الصغيرة قبضة بعد قبضة.
وصمت الجمهور الذي يرتدي الكاكي لحظة، وقد تحجروا دهشة وفزعا لمنظر هذا الانتهاك الفاجر للحرمات.
نامعلوم صفحہ