عالم السدود والقيود
عالم السدود والقيود
اصناف
أما الذي لم أفهمه ولا أزال أجهله فهو هذا العملاق المعد للعنف والتهديد ولا حاجة هناك لعنف ولا تهديد: إنني لن أهرب من المركبة الهاربة، ولا إخال أن عملاقا واحدا يخيف الجماهير إذا تعطلت المركبة ووقفت في الطريق، فلم يبق إلا أنه حكم الصنعة كما يقولون، وأن الشرطة لا يتخيلون لهم مهمة يؤدونها بغير تخويف؛ لأنهم لا يكونون شرطة بغير ذلك! وإلا فما الفرق بين المزاملة والحراسة؟ وما الفرق بين السطوة والإيناس؟
طارت بنا السيارة في مدينة معهودة غير معهودة، وشائقة غير شائقة، كأنني أطرأ عليها لأول مرة أو كأنني أستذكرها بعد غيبة طويلة، ولا يمنعني أن أتلفت إليها تلفت الغريب الطارئ إلا أنني في فسحة من الوقت بعد فترة وجيزة للتلفت والاستذكار.
ولا يحضرني أنني ألتفت إلى معالم الطريق غير مدرسة الصناعة بالعباسية الوسطى، فقد كانت حديثة البناء، فسألت عنها الضابط فقال لي: نعم هي حديثة، ولم يزد على ذلك.
ولما شارفنا المنزل دعوت الضابط والعملاق لتناول القهوة أو المرطبات فاعتذرا، لأنه حكم الصنعة كذاك!
ولم يمنعني كل هذا التحوط والروغان أن أعود من مصر الجديدة إلى حيث أنجز البرنامج الذي عولت عليه قبل مغادرة السجن، فرجعت من حيث أتيت، وزرت ضريح سعد وضريح ويصا، وتبين لي أن أخي وأصحابي كانوا يلاحقونني من مكان إلى مكان؛ لأنهم كانوا يعلمون بانتقالنا من كل موضع ومخبأ، على الرغم من التخفي، والإتاهة، والإسراع.
وجلست في المنزل كما كنت أجلس، ولقيت الأصحاب، وسمعت التهنئات، فأما الأصحاب فقد سرني لقاؤهم بعد وحشة، وأما التهنئات بالإفراج فكنت كأنما أصغي منها إلى حكاية قديمة أو حديث معاد.
هل مضت على آخر جلسة في هذا المكان تسعة أشهر؟ لا أظن، أو أظن أنها مضت ونسخت نفسها بانقضائها، فلم أمكث في المنزل ساعات حتى خيل إلي أنني رجعت إليه ذلك الضحى بعد أن فارقته ذلك الصباح!
بعض الشخصيات
لبثت في السجن وخرجت منه ولست أذكر من سكانه الذي يستحقون اسم «الشخصيات» غير ثلاثة أو أربعة من أربعة آلاف إنسان تحويهم جدرانه، وهو عدد يساوي عدد الرجال في عاصمة من عواصمنا المصرية المشهورة.
ذاك أن «الشخصيات» في سجن مصر نادرة.
نامعلوم صفحہ