كانت أم الإسكندر تدعى أوليمبياس، لكن من الجائز أن اسمها الأصلي كان ميرتل، ولم تكن مقدونية المولد بل كانت من إبيروس، الواقعة في المنطقة الشمالية الغربية من اليونان في البر الرئيس قبالة كورفو، وهي ملاصقة تقريبا لتيساليا وإن كانت تفصلها عن تيساليا جبال بيندوس. عدد المؤرخ ثيوبومبوس، الذي عاش في القرن الرابع، 14 قبيلة هم سكان المنطقة، وكانت قبيلة المولوسيين إحدى هذه القبائل، ونجحت هذه القبيلة في إقامة دولة قوية بقيادة ملكها نيوبتوليموس بحلول عام 370 تقريبا. كانت أوليمبياس واحدة من ثلاثة أبناء أنجبهم نيوبتوليموس؛ كانت لها أخت تسمى ثواس وأخ يسمى الإسكندر توج ملكا على المولوسيين سنة 342، وبعدها نجح في توحيد إبيروس وتوسيعها أثناء حكمه الذي دام 12 سنة. يمكن تأريخ زواج فيليب بأوليمبياس حوالي سنة 357، وولد ابنهما سنة 356 وابنتهما كليوباترا بعده بنحو سنتين أو ثلاث. ورتب هذا الزواج بين فيليب وعم أوليمبياس الذي خلف أبيها على العرش.
شجع على عقد هذا الزواج الكثير من المنافع المتبادلة، وتوحي الصعوبات المستمرة التي واجهها المقدونيون مع الإليريين شمال إبيروس بأن المنفعة المحققة من اتخاذ حليف مقرب على الحدود الجنوبية للأرض الإليرية كانت عاملا مهما. كانت العلاقة بين مقدون وإبيروس قوامها الود لا العداوة، وازدادت وثاقة بزواج عقد سنة 337 جمع كليوباترا ابنة فيليب وأوليمبياس بالإسكندر شقيق أوليمبياس الذي كان آنذاك ملكا على مولوسيا. كان النفوذ الهيليني القوي آصرة أخرى بين المملكتين بحلول خمسينيات ذلك القرن. كان المولوسيون، أو على الأقل النخب منهم، يتحدثون الإغريقية، ويعود نسبهم إلى نيوبتوليموس بن آخيل، على نحو يشبه الصلة الأرغية بهرقل. والرواية التي ذكرها بلوتارخس عن وقوع فيليب في حب أوليمبياس أثناء تكريسهما في طقوس دينية في جزيرة ساموثراكي الإغريقية؛ قد تنم عن مستوى الأغرقة في كل من إبيروس ومقدونيا الدنيا بحلول منتصف القرن الرابع (الإسكندر، 1). من الواضح، في عيني بلوتارخس على أية حال، أن هذا برهان على أن الزواج الدبلوماسي يمكن أن يشتمل على غرام شخصي.
سواء أكان هذه الزواج يشتمل على عنصر غرامي أم لا، من المهم أن نتذكر أن أوليمبياس لم تكن سوى واحدة من زوجات فيليب السبع. ومع أن ترتيب الزيجات ليس مؤكدا بالكلية، فبحلول وقت زواجه بأوليمبياس كانت تحته ثلاث زوجات أخريات، وهن: أوداتا ابنة الملك الإليري، وفيلا ابنة العائلة الإيليمية الحاكمة في مقدونيا العليا، وفيلينا ابنة إحدى العائلات التيسالية الحاكمة المهمة. وفي مرحلة متأخرة من عهده تزوج بثلاث نسوة، وهن: نيكيسيبوليس ابنة مدينة فيراي التيسالية، وميدا التراقية، وكليوباترا المقدونية، التي ربما كانت أرغية، أو التي إن لم تكن من السلالة الحاكمة فربما كانت من أسرة مقدونية نبيلة. تذكر المصادر أن هذا كان زواجا قائما على حب، لكن كما رأينا فإن الملك يجب أن يضمن عقد علاقات طيبة مع نخب مملكته.
لا يبدو أن نسب الزوجة كان عاملا حاسما في مسألة الخلافة؛ فيوريديكا أم فيليب كانت من أصل إليري ولنكستي، وأما جايجيا زوجة أبيه الثانية، فربما كانت من بنات السلالة الأرغية، وقد خلف أبناء يوريديكا أباهم، وأما أبناء جايجيا فحاكوا المؤامرات للفوز بالعرش لأنفسهم. كذلك كانت أوليمبياس إبيروسية، وأما زوجة فيليب السابعة فكانت من أسرة مقدونية ذات نفوذ. إذن فالقرار بشأن الخلافة كان يتوقف على عوامل أخرى غير الانتماء إلى السلالة الأرغية، وكان نفوذ الأمهات النسبي لدى فيليب يقينا ذا شأن كبير. على الرغم من أن وجود أمارات واضحة على ما يتمتع به ورثة العرش المحتملون من مقدرة سيكون أيضا حاسما، كنت ترى في الوقت نفسه كل زوجة لفيليب لها ابن منه تسعى جاهدة للارتقاء بمهارات ابنها، وربما كان الإضرار بفرص المنافسين من بين السبل التي استخدمنها.
ليس معروفا في أي مكان من مجمع القصر كانت تعيش أوليمبياس وزوجات فيليب الأخريات، ولعل أحد الأجنحة الثلاثة كان مصمما لاستخدامه كمسكن. وحتى لو كان لكل واحدة من الزوجات العديدات وأولادهن بيت منفصل، فمن المؤكد أن الوضع كان سيتمخض عن منافسة؛ فكما رأينا، كانت الثقافة المقدونية ثقافة تنافسية بعمق من نواح كثيرة. ويدل دور يوريديكا في تأمين وراثة العرش لأبنائها بدلا من أبناء جايجيا، على أن زوجات الأسر النخبوية وبناتها كن يتصرفن بأسلوب مماثل للمقدونيين الذكور. وتبرهن أدوار أوليمبياس وابنتها، وكانت تسمى كليوباترا أيضا، على أن النساء كن يستطعن الحكم في غياب الملوك، ويستطعن قيادة الجيوش وقتل المنافسين.
على الرغم من أن الغرض الأولي من زيجات فيليب والملوك المقدونيين الآخرين المتعددة يكمن في قيمتها في إقامة التحالفات مع الدول الأخرى؛ يوجد غرض ثان صار مساويا لذلك في الأهمية، وهو ضمان سلسلة من ورثة العرش المقدوني. كانت لدى فيليب شواهد قوية على أن أي ملك مقدوني ليس آمنا على حياته؛ إذ مات أبوه وأخواه الكبيران قتلى، وكان له في ابن أخيه منافس محتمل. وكما رأينا فإن من مهامه الأولى كملك القضاء على المنافسين المحتملين الآخرين، وخصوصا إخوته لأبيه من جايجيا. كان يقينا على دراية أيضا بأن أطفالا كثيرين لا يطول بهم العمر أكثر من سنواتهم الأولى لأسباب طبيعية؛ ومن ثم فمن المسئوليات الأساسية المنوطة بزوجات الملك أن يلدن الأبناء ويحافظن على حياتهم. كان الشطر الثاني من هذه المسئولية صعبا حتى لو لم توجد إلا زوجتان، كما في حالة أمينتاس أبي فيليب. وتمخض هذا التنافس بين زوجات فيليب السبع عن وضع أكثر تعقيدا.
علاوة على ذلك، يبرهن هذا على خصلة أخرى من خصال أوليمبياس، فتفانيها في العناية بولديها وإصرارها على تأمين نجاحهما سمة بارزة في قصة حياتها منذ مولد طفلها الأول الإسكندر إلى وفاتها سنة 315. يقال إنها كانت تدس لفيليب أريدايوس، وريث فيليب المحتمل الآخر، عقاقير لتضعف عقله وجسده (بلوتارخس، الإسكندر، الفصل 77). عند زواج فيليب زيجته السابعة والأخيرة بكليوباترا سنة 337، أدى الشجار الذي نشب بينه وبين الإسكندر إلى رحيل أوليمبياس والإسكندر عن مقدونيا، ثم جرت ترضية في السنة التالية اقترنت بزواج كليوباترا ابنة فيليب وأوليمبياس بخالها أخي أوليمبياس.
بعد مقتل فيليب سنة 336، وإعلان الإسكندر ملكا، مارست أوليمبياس وابنتها نفوذا كبيرا في مولوسيا ومقدون عندما كان الإسكندر على رأس حملته ضد الفرس. وتمكنت أوليمبياس من النجاة من العشر سنوات الوحشية التي تمخض عنها موت الإسكندر؛ إذ كانت تعمل بالتنسيق مع ابنتها كليوباترا وتسعى جاهدة إلى الحفاظ على حياة حفيدها الإسكندر الرابع ابن الإسكندر ورخسانة لكي يخلف أباه، وكان ذلك يتطلب القضاء على المرشحين الآخرين. وتتحمل أوليمبياس المسئولية عن موت زوجة فيليب السابعة ووليدها بعد مقتل فيليب بفترة وجيزة. وفي الفترة التي أعقبت موت الإسكندر، عملت أوليمبياس بالتنسيق مع طامح آخر إلى الخلافة، وهو كاساندروس، لإنهاء حياة فيليب أريدايوس وزوجته، ثم ماتت أوليمبياس أخيرا على يدي شريكها المتآمر هذا ذاته، بينما سمح للإسكندر الرابع وأمه بالعيش خمس سنوات أخرى قبل أن يقضى عليهما. وأما ابنتها فتمكنت من النجاة فترة أطول - وإن كانت رهينة في آسيا الصغرى - حتى سنة 309 تقريبا.
ربما كان النجاح في تنشئة أطفال فطنين وأذكياء مهمة تشغل وقت الأم كاملا، ولا تشير الشواهد إلى لعب النساء دورا رسميا في حكم المملكة. ولعل الواقع أن النفوذ غير الرسمي الذي تتمتع به أم الملك كان يزاد غالبا أثناء حكم ابنها؛ إذ شهد رجل الدولة والخطيب الأثيني إيسخينيس أن يوريديكا، زوجة أمينتاس الثالث وأم فيليب الثاني، أقنعت القائد الأثيني إفيكراتيس بحماية العرش لابنيها اللذين تبقيا على قيد الحياة بعد مقتل ابنها الأكبر الإسكندر (إيسخينيس، «عن السفارة» الكتاب الثاني، 26-9). وربما نستدل على نفوذ أوليمبياس لدى فيليب مما قام به هذا الأخير من رفع أخيها الإسكندر على العرش المولوسي.
لعبت أوليمبياس، شأنها شأن يوريديكا، دورا أبرز أثناء حكم ابنها الإسكندر؛ ففي بداية ذلك الحكم كان قتل زوجة فيليب الأخيرة ورضيعها مدفوعا، جزئيا على الأقل، برغبة أوليمبياس في تأمين الحكم لابنها. وبمجرد أن سار الإسكندر في حملته ضد بلاد فارس، باتت أوليمبياس وكليوباترا صاحبتي نفوذ باسميهما. ومع أن الإسكندر أسند الوصاية على عرش مقدون إلى أنتيباتروس بعد 334، تحدثنا رواية بلوتارخس عن تآمر أوليمبياس وكليوباترا عليه؛ إذ يقول بلوتارخس إنهما «اقتسمتا المملكة فيما بينهما» (الكتاب الثامن والستون، 3). وتشير خطابات يزعم تبادلها بين أوليمبياس والإسكندر - إن صحت نسبتها - إلى آصرة دائمة بينهما، وإن كنا لا نستطيع معرفة ما إذا كانت آصرة حب أم احتياج متبادل. ويقال إن أوليمبياس قدمت قربانا في دلفي من غنائم الحرب التي أرسلها ابنها. ووليت أوليمبياس بجانب ابنتها المسائل العامة باسمها في مقدون وإبيروس على السواء. ويورد نقش (مطبوعة سوبليمنتوم إبيجرافيكوم جرايكوم، المجلد التاسع، 2) أسماء مستلمي الحبوب المجلوبة من قوريني في شمال أفريقيا؛ إذ نجد أن جميع المستلمين دول، لكن أوليمبياس وكليوباترا مسجلتان بالاسم، وهو وضع لا يختلف عن الشواهد المستمدة من المعاهدات التي تأتي على ذكر الملك المقدوني بالاسم كواحد من الأطراف.
نامعلوم صفحہ