على هامش الأرصفة
على هامش الأرصفة
اصناف
10 / 11 / 1993م
ابنته
حاج زكريا العجوز رجل محدد جدا، ومن الصعوبة أن يحب إنسانا ما، أو يدخل في علاقة عابرة مع من كان من الناس، ود محمد يعرف ذلك جيدا؛ لذا عندما خاطبه حاج زكريا قائلا: غدا الجمعة تغدى معنا!
قبل فورا ودون مجاملة، وعلى الرغم من الفارق الطبقي إلا أن إحساسه بأنه أصبح من خاصة الخاصة، أدخل في نفسه عبقا من البهجة وسرورا عظيمين.
كان عاملا بسيطا في مستشفى الحياة، رجلا فقيرا، وبقدر فقره كان محترما ومحبوبا من الجميع، ولو أنه أعظم من الخواجات وقد بهرهم بذكائه وعبقريته في جامعات أمريكا وبكين، ويعظمه القابلات العجائز والممرضات حين ينتفخن بالقول فخورات : لولا أن ستره الله لقتله الخواجات؛ فهم لا يحبون أن يتفوق عليهم أحد إطلاقا.
نحيفا كان، رشيقا كعود ثقاب، تعلو هامته صلعة جميلة ملساء، متواضعا أنيقا كجناح فراشة، رجل نقابة نشط، ولكنه كما يقلن لسوء الحظ أو لحسنه (لدى الطبيبات والجميلات المقربات منه) عانس.
فرحوا بزيارته كما لم يفرح طفل بهدايا جدته، ولأنه حلو كلامه محب للطيب من القهوة، حكاوي الجدات، الخالات، والأخوة المتحفظين أيضا، فكان كنبي الله الخضر في بيت أم موسى. «هل تريه البنت؟ لا، لا، هذا أمر تافه، وقد لا تقبل أمها أيضا؛ فهي حريصة على كتمان هذا السر، وهي أيضا لا تحب أن ترى أحدا.»
همس في أذن زوجته، فقالت ببرودتها المعتادة: دع الرجل يحترمنا. - إنه طبيب جراح يفهم كل شيء في هذا الشأن وربما ساعدنا. - اترك البنت في حالها، أرجوك لا أحد غير الله في هذا الكون يستطيع أن يفعل من أجلها شيئا.
ولأن حاج زكريا عندما يركبه جنون فكرة ينطلق بها إلى أبد منتهاها، وهو أيضا أحب أن يرضي زوجته، ألح عليها أن تقبل، وقبل أيضا ابنه «ناصر»، فابتسم في وجه الدكتور الذي كان غارقا حتى شعر رأسه في حكاية للجدة فاطمة بنت الوكيل، خرفة، قال: هل أريك ابنتي منى! - ألك ابنة؟ قال محاولا أن يندهش: ألك ابنة أخرى غير أمل، سعادة، زهرة؟!
قال حاج زكريا، وكأنه يريد أن يؤكد لنفسه هو أيضا أن له بنتا تسمى منى: منى، نعم منى. منى، تعال لتراها.
نامعلوم صفحہ