وسيق علي بن أبي الجود إلى السجن حتى يفي بما فرض عليه السلطان، وبيعت وظيفته بمال، وتعهد مشتريها أن يكون أكثر وفاء من سلفه، فيحمل إلى خزانة السلطان ضعف ما كان يجبيه علي بن أبي الجود، وزاد دخل الخزانة السلطانية بما قبض السلطان من ثمن الوظيفة ... وبما تضاعف على الشعب من الضرائب ...
وحين كانت جثة علي بن أبي الجود معلقة على باب زويلة، كان خلفه يجوس خلال الأسواق في طائفة من جنده يجبي من التجار ضريبة جديدة باسم السلطان؛ ليفي بما تعهد به!
وقال طومان باي لنفسه أسفا: آذنت والله هذه الدولة بالانحلال، كأنني لم أتحدث إلى السلطان هذا الحديث إلا لأغريه بعامله، وأزيده هو نفسه ضراوة وجشعا إلى المال!
الفصل الثالث والعشرون
وراء الأكمة
قال بدر الدين بن مزهر لصديقه الأمير قايت الرجبي كبير أمناء السلطان الغوري: والله إنك لتحمل أوزار هذا السلطان يا أمير، فما كان لولا معونتك شيئا يؤبه له؛ وإني لأعجب كيف رضيت وأنت بهذه المنزلة أن يتسلطن هذا الشيخ وقد كنت أحق بها؟!
قال قايت: وهل كنت يا صديقي أقدر أن يطيش الغوري هذا الطيش، ويغلبه هواه على عقله وقد جاوز الشباب ، لقد كان أزهد الأمراء في العرش والجاه والسلطان على ما بدا لي، فما أدري والله كيف استبدل بتلك الرقة غلظة، وبذلك الزهد شرها وضراوة واستكلابا على جمع المال.
قال بدر الدين: اعتذر بما شئت فإن على رأسك وزره!
قال قايت وقد أطرق أسفا: قد كان ما كان يا صديقي، فلا سبيل إلى الرجوع بعد.
قال فتى من فتيان المماليك قد اتخذ مجلسه إلى جانب بدر الدين: بل إن بين يديك السبيل يا أمير، فلو شئت لبلغت ...
نامعلوم صفحہ