150

قال خاير بك: يا مولاي ...

قال الوزير يونس باشا: اسكت يا خاير بك، فإنك لنفسك تعمل، وإنما في شأن أنفسنا نفكر!

وازدرد خاير بك وجان بردي الغزالي ما كان على شفاههما من الكلام، وأمسك خشقدم الرومي فلم ينطق حرفا ...

واستأنف ابن عثمان قوله: وإني أرى أن نبعث إلى طومان باي رسولا بأن تكون له مصر، على أن تكون السكة والخطبة باسمنا، فإن أجابنا إلى ذلك الشرط فقد كفينا شره، وحسبنا أن تكون في يدنا الشام وما يتاخمها من البلاد، وإن أبى فإن لنا تدبيرا آخر ...

ولم يتلبث السلطان، فبعث رسوله بشرطه إلى طومان باي، ولكن الرسول لم يعد بجواب، فقد كانت نية المصريين مجتمعة على القتال حتى يجلو ابن عثمان عن البلاد ...

وعادت المعارك بين جند السلطان سليم وجند طومان باي.

هذا شهر ربيع الأول سنة 923 قد بزغ هلاله ... في مثل هذا اليوم منذ عام كانت القاهرة تشهد كتائب السلطان الغوري تتهيأ لحرب ابن عثمان، تلك الحرب التي جمع لها الغوري ما جمع من العدد والعتاد، ثم لم تلبث إلا ضحوة من نهار في مرج دابق، وتمزق الجيش المصري أشلاء على رمال الصحراء، واختفى أثر السلطان نفسه وبدأ زحف العثمانيين على مصر ...

إذن فقد مضى عام ولم تزل مصر في حرب الروم، فهل يا ترى تحتفل القاهرة بذكرى المولد النبوي في هذا العام، أم يشغلها ما هي فيه من الفزع والتربص عن الاحتفال بتلك الذكرى الكريمة؟ ومن ذا يرأس الاحتفال إن كان، أيرأسه هذا السلطان العثماني الذي ينكر المصريون عليه وعلى أصحابه ما يرون من فعالهم، أم يرأسه طومان باي؟

إن الأنباء لتتوارد منذ أيام باحتشاد جند السلطان طومان باي على النيل تجاه بولاق، في إنبابة، والمنوات، ووردان، ولعل الثاني عشر من ربيع الأول لا تشرق شمسه إلا وهو في القاهرة، يحتفل بالعيد النبوي الشريف في قصر القلعة، على رأسه التاج ومن حوله الخليفة المتوكل على الله، وشيخ الإسلام، والقضاة الأربعة ونوابهم، ومن بقي من أمراء الجركس وأشراف المصريين، تلك عادة مأثورة منذ سنين بعيدة، وإن الله ليحب أن يحتفل المسلمون بذكرى نبيه الكريم ...

وأشرق وجه نوركلدي حين جاءها النبأ باحتشاد الجند على شاطئ النيل استعدادا للمعركة الفاصلة، وإذن فسينتصر طومان باي، وسيدخل القاهرة في موكب الفتح، وسيحتفل بذكرى المولد النبوي في قصر القلعة، كما كان يحتفل أسلافه من السلاطين.

نامعلوم صفحہ