ثم خلا لهما المجلس بعد حين فأسر إليه سيباي برأيه ...
قال السلطان مدهوشا: تريد أن أقتل خاير بك يا أمير؟ ومن يبقى لي من أمراء الجند بعد مقتل خاير بك؟! - يبقى لك الجند مجتمعة قلوبهم على الولاء لك، لا يسعى بينهم ساع بدسيسة عثمانية تفرقهم شيعا حين يجد الجد وتنشب المعركة!
قال الغوري قلقا: أتظن خاير بك يسعى بالدسيسة بين المماليك؟
بل أنا مستيقن يا مولاي، وذلك الشغب الناشب بين القرانصة والجلبان من أجل النفقة ليس إلا تدبيرا من تدبيره؛ ليهيئ لابن عثمان فرصته ... - وترى خاير أهلا لهذا التدبير يا أمير؟ - بل هو لا يحسن إلا مثل هذا التدبير، يريد أن يبتدر الوسيلة ليخلص إلى العرش يا مولاي. - خاير يطمع في عرش الغوري؟ - نعم، وقد واثق ابن عثمان على أن يؤازره في سبيل هذه الغاية.
قهقه الغوري ومال برأسه إلى الوراء وهو يقول: ولكن أصحاب الطوالع لم يذكروا لي أن العرش من بعدي يكون لأمير أول اسمه خ، فإن صح ما حدثوني به فإن لك مأربا من وراء هذه الوقيعة بيني وبين الأمير خاير.
ثم قطب وكشر عن أنيابه وأردف: وأظنك يا سيباي قد استنبأت أصحاب النجوم فأنبئوك، فخيل إليك ما خيل من تلك الأوهام، وإنما كانوا ينظرون في نجوم آفلة!
بدت الدهشة في وجه سيباي واحتبس لسانه فلم يدر بماذا يجيب؛ لأنه لم يفهم شيئا مما عناه السلطان. وهم أن يسأله توضيح ما قاله حين رأى جان بردي الغزالي مقبلا من بعيد فأمسك، وأقبل جان بردي فحيا وجلس، وأطبق الصمت على المكان، وقال السلطان بعد برهة: وأنت يا جان بردي بماذا تشير علي في أمر خاير، وقد أشار سيباي بمقتله، ويراه يضمر لنا الغدر والخيانة؟!
اصفر وجه جان بردي وأمسك لحظة عن الجواب، وهو يقلب بصره بين السلطان وسيباي، ثم قال: وماذا يظن بنا العدو يا مولاي إذا بلغه أن السلطان الغوري يقتل أمراءه؟
ثم سكت وهو يردد بصره بينهما قلقا، ولم يزل في وجهه الشحوب، قال السلطان: صدقت! فماذا يظن بنا العدو يا جان بردي؟!
كان ذلك الحديث يدور في خيمة السلطان، وإن بين المماليك القدماء في مضاربهم حديثا آخر، يلقفونه فما عن فم لا يدرون من أشاع بينهم شائعته ونبههم إليه؛ فقد جاءهم أن السلطان قد أجمع خطته على أن يكون المماليك القرانصة في الصف الأول حين تنشب المعركة؛ لتحصدهم المنايا ويبقى مماليكه الجلبان بمنجاة من سيوف الروم ونيران بنادقهم ... «أفلم يكف السلطان أن جعل أرزاق الحرب ضعفين للجلبان، ولم يمنح القرانصة إلا القليل من النفقة؟ أعليهم وحدهم أن يموتوا بلا ثمن على حين يستمتع الجلبان بالرزق والسلامة؟!»
نامعلوم صفحہ