أمرنا الله ﷾ باتباع هدي رسوله ﷺ حيث يقول سبحانه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (١).
وقد قيض الله لهذه السنة جهابذة العلماء على مر العصور، فنفوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وبينوا صحيحها من سقيمها وناسخها من منسوخها.
وقد تنوعت اهتمامات العلماء في خدمة السنة، فشملت مجالات واسعة وميادين فسيحة.
ومن تلك الجهود القيمة في خدمة السنة ما قام به جمع من العلماء الحفاظ من إفراد أحاديث الترغيب والترهيب في تصنيف مستقل، ومن أبرز المصنفات في هذا الفن وأشهرها: كتاب الترغيب والترهيب للحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري.
فهو أجمع وأنفع ما ألف في موضوعه، فقد استوعب عددًا كبيرًا من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء، مما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها، فجاء كتابه حافلًا حاويًا رائدًا في بابه، فردًا في فنه.
لكن الإمام المنذري ﵀ قد أملاه في ظروف حرجة، وحالة قلقة، وقد وصف ذلك في آخر الكتاب، فقال: "وقد تم ما أرادنا الله به من هذا الإملاء المبارك، ونستغفر الله -سبحانه- مما زل به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان فإن كل مصنف، مع التؤدة والتأني وإمعان النظر وطول الفكر، قل أن ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بالمملي مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه وغيبة كتبه؟! " (٢).
ونتيجة لتلك الظروف التي ألمت بالمنذري ﵀ حال إملائه للكتاب وقعت فيه أوهام وأخطاء متنوعة تطلبت استدراكًا وتعقبًا.
فجاء الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محمود الدمشقي الملقب بالناجي، فتتبع واستدرك ما تيسر له في كتابه: "عجالة الإملاء المتيسرة من
_________
(١) سورة الحشر، آية: ٧.
(٢) الترغيب ٤/ ٥٦٥ - ٥٦٦.
1 / 6