بينما سارت مترنحة هي وهير في الممر - متأبطة ذراعه؛ وهو ما تسبب في انزعاج عام - لاحظت أن أضواء القطار أضيئت. شعرت أن هذا التغير المفاجئ من النهار إلى الليل هو بمثابة علامة فارقة في رحلتها. فالزمن يسير بسرعة مع القطار. كان المنظر الذي يمر سريعا بالخارج مظلما كلوحة مبهمة رسمت بالفحم، بينما دلت الأضواء المبعثرة على أنهم قد بلغوا منطقة حضرية، كانت البلدة الصغيرة البائسة هي أول أحيائها النائية.
الآن وقد حجب العالم الخارجي، بدت لها الأجواء داخل القطار السريع أكثر حرارة وتشبعا بالأدخنة. في البداية، شعرت آيريس بشيء من رهاب الأماكن المغلقة عندما جلست بداخل المقصورة الخاصة الضيقة.
قالت وهي تلتقط أنفاسها: «افتح النافذة على مصراعيها.»
استجاب لها هير وهو يقول متبرما: «هناك هواء كاف يأتي من الفتحة العلوية. سيخنقك السخام ويغطيك حتى إن أمك لن تعرفك.»
قالت آيريس وهي تشعر فجأة بالأسف على حالها: «ليس لي أم، لكني لست هنا لأثير شفقتك. فهناك أمر خطير وجدي للغاية على المحك. أريد أن أذكرك بشيء قلته هذا الصباح في محطة القطار. كنت تتناقش مع البروفيسور وسمعتك تقوله. قلت إن المحاكمة بواسطة هيئة محلفين غير عادلة؛ لأنها تعتمد على شهادة الشهود.»
قال هير: «بالفعل قلت ذلك، وأنا أعني كل كلمة.»
تابعت آيريس: «وحينها تحدث البروفيسور عن الشهادة التي يعول عليها، وعقد مقارنة بين سيدتين؛ إحداهما سيدة إنجليزية من الأعيان، من النوع الذي يجمع جوزات الصنوبر ومثل تلك الأشياء عندما تذهب في نزهة على قدميها، والأخرى سمراء تضع رموشا اصطناعية.» «أذكرها. امرأة جميلة، كحبة كرز سوداء غضة.» «لكن البروفيسور أدانها، وهذا هو ما يحدث الآن بالضبط. لقد أدنت أنا بأني شاهدة لا يعتد بأقوالها، بينما تحيز لأولئك السيدات البريطانيات العجائز ومعلمات مدارس الأحد.» «هذا لأنهن لا يتمتعن بالجمال، أما أنت فتملكين وجها من نوع آخر. شكرا للرب على ذلك!»
فشلت محاولة هير في تهدئة آيريس، فقد استشاطت غضبا. «أنا أكره وجهي؛ فهو وجه سخيف لا يعبر عن شيء. بجانب ذلك، لم يحكمون علي بالظاهر إن كان مظهري سيحكم ضدي؟ هذا ليس عدلا. أنت قلت ذلك. أنت قلت للبروفيسور إن ذلك قد يؤدي إلى وقوع لبس كبير. لا يمكنك أن تخالف كلامك؛ لذا يجب أن تقف في صفي إلا إذا كنت رجلا متقلب الأهواء.» «حسنا، سأقف في صفك. ماذا تريدين مني أن أفعل؟»
وضعت آيريس كفيها المتعرقتين على المقعد ذي الغطاء المخملي الذهبي القديم اللزج، ومالت للأمام لتلتقي عيناها بعينيه.
قالت له: «أنا أقول إن الآنسة فروي موجودة. يجب أن تصدقني، لكن ذهني مشتت كسيرك كبير، وأفكاري مشوشة. هلا استعرضت الأمر معي خطوة بخطوة كي أستوضحه؟»
نامعلوم صفحہ