سألها مستبشرا: «هل ستتوقفين في ترييستي؟»
أجابته آيريس بعناد: «كلا.» «لكن هل أنت واثقة أنك قادرة على متابعة الرحلة؟» «وهل يعنيك ذلك؟» «كلا، لكن على أي حال أنا قلق للغاية بشأنك.» «لم؟» «لا أعلم البتة؛ فذلك ليس من عادتي.»
ابتسمت آيريس ابتسامة واهنة رغما عنها. كانت لا تقدر على نسيان الآنسة فروي، فذكراها كانت بمثابة شعور خفي ملح، كضرس توقف نموه مؤقتا. ومع ذلك كان لحضور هير تأثير مسكن موضعي للألم؛ فرغم بؤسها كانت تشعر بحماسة غريبة عندما تكون معه وحدها في تلك الرحلة الكابوسية.
قال لها: «ابتهجي؛ فقريبا تكونين في الديار، وسط زمرة أصدقائك.»
بدت تلك الفكرة منفرة لآيريس فجأة.
قالت بنفاد صبر: «لا أريد أن تقع عيناي على أي منهم، ولا أريد العودة. ليس لي بيت. أشعر أنه لا يوجد ما يستحق العناء.» «ماذا تفعلين في حياتك؟» «لا شيء سوى العبث.» «مع الآخرين؟» «أجل. جميعنا نقوم بالأمور نفسها. أمور خرقاء. ليس فيهم شخص واحد غير مزيف. أحيانا يرعبني الأمر؛ فأنا أهدر شبابي. إلام سينتهي كل ذلك؟»
لم يحاول هير التخفيف عنها أو إجابة سؤالها، بل حدق في الظلام بالخارج وعلى شفتيه تراقص شبح ابتسامة. عندما بدأ حديثه تحدث عن نفسه. «حياتي تختلف كثيرا عن حياتك؛ فأنا لا أعلم قط ماذا ستكون وجهتي التالية، لكن حياتي دائما خشنة. تحدث أمور لا تكون دائما سارة، لكن إن تسنى لي اصطحابك معي إلى وظيفتي التالية، فسيكون ذلك بمثابة تغيير كامل بالنسبة لك؛ إذ ستحرمين كل وسائل الراحة المتاحة في منزل فاخر، لكنني أراهنك على أنك لن تشعري بالضجر قط مجددا.» «يبدو ذلك لطيفا. هل تطلب يدي؟» «كلا، بل أنتظر ريثما تبدئين بقذفي بفطائر المهلبية كي أتفاداها.» «لكن العديد من الرجال يطلبون يدي للزواج، كما أني أود الذهاب إلى مكان وعر.» «حسنا. الآن صار بإمكاني أن أبحث الأمر بجدية. هل تملكين المال؟» «أملك شيئا منه؛ مجرد فتات.» «هذا يناسبني؛ فأنا لا أملك منه شيئا.»
بالكاد كانا يعيان ما قالاه في حديثهما العشوائي الذي خاضاه باللغة الوحيدة التي يفهمانها، تخالف كلماتهما الواهية التوق البادي في عينيهما.
قال هير قاطعا فترة من الصمت: «أتدرين؟ كل ذلك ليس إلا هراء؛ فأنا ما أقوله إلا لإبعاد تفكيرك عن مشكلتك.» «أتعني الآنسة فروي؟» «أجل، تلك المرأة اللعينة.»
تفاجأ عندما غيرت آيريس الموضوع.
نامعلوم صفحہ