لم تلبث تلك اللحظة أن مرت؛ إذ عادت تفكر في أولجا مرة أخرى. لكن تلك المرة، نظرت إليها من منظور مختلف؛ فقد منحها الارتفاع إيحاءه المعتاد بالأفضلية. تذكرت أن الوادي يرتفع أربعة آلاف قدم عن مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى أنها صعدت لارتفاع يزيد على خمسة آلاف قدم أخرى.
وبناء على تلك الحسبة، يسعها أن تكون كريمة؛ إذ إنها الآن أطول من صديقتها السابقة بتسعة آلاف قدم. هذا بالطبع على افتراض أن أولجا كانت كريمة كفاية وظلت في مستوى سطح البحر.
قررت أن تنفض عنها تلك الذكرى باعتبارها لا تستحق أي غضب إضافي.
وقالت: «لكني لن أكررها ثانية قط. لن أمد يد العون لأي شخص بعدما حدث.»
حمل صوتها نبرة الانفعال الحماسي لمن تكرس نفسها لخدمة قضية ما. بالشعور الفاضل الذي ينتاب من تعلم درسا دفع مقابله ثمنا باهظا، دخنت سيجارة قبل أن تنطلق في رحلة العودة. كان الهواء صافيا حتى إن جبالا لم ترها من قبل بدأت تلوح في الأفق طافية في السماء، وسط درجات من اللون البنفسجي الشفاف. رأت إحدى أذرع البحيرة، التي لم تعد خضراء، بل عتم لونها إلى الأزرق الباهت بفعل المسافة.
نهضت على مضض؛ فقد حان وقت الرحيل.
لم تكن رحلة النزول رتيبة فحسب، بل كانت مؤلمة أيضا؛ إذ كانت إمالتها لجسدها للخلف باستمرار ترهق عضلاتها غير الممرنة. فبدأت ربلتاها تؤلمانها، وكانت أصابع قدميها ترتطم بالمسار الحجري.
نفد صبرها، فقررت أن تخرج عن المسار المتعرج لتسلك طريقا مختصرا في واجهة الجبل، متخذة من البحيرة بوصلة تهتدي بها، اندفعت تنزل المنحدر.
كانت تلك مخاطرة جريئة، لكنها ما لبثت أن وجدت أن الانحدار شديد للغاية. كانت تنزل بسرعة شديدة فلم تستطع التوقف، ولم يسعها إلا أن تنزل في وضع الجلوس وتتزحلق على العشب الزلق، متكلة على الحظ.
منذ تلك اللحظة، تداعت الأمور بسرعة. في كل لحظة تمر، كانت سرعة نزولها تزداد رغم محاولاتها كبحها بقدميها. وكانت تمر من جانبها بسرعة خاطفة رقع زرقاء وخضراء بينما كان الوادي يقترب مسرعا لملاقاتها، فتلاقى مع السماء الزرقاء. أثناء ارتطامها بالأرض الخشنة، جنحت ناحية صف من الأشجار في القاع، على أمل أن تحميها من السقوط الكامل.
نامعلوم صفحہ