1 [مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. العظمة لك، والكبرياء لجلالك، اللهم يا قائم الذات ويا مفيض الخيرات، واجب الوجود، وواهب العقول، وفاطر الأرض والسموات، مبدئ الحركة والزمان، ومبدع الخير والمكان، فاعل الأرواح والأشباح وجاعل النور والظلمات، محرك الأفلاك ومزينها بالثوابت والسيارات، ومقر الأرض وممهدها لأنواع الحيوان وأصناف المعادن والنبات، دام حمدك وجل ثناؤك وتعالى ذكرك وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت وسعت رحمتك وكثرت آلاؤك ونعماؤك، أفض علينا أنوار معرفتك، وطهر قلوبنا عن كدورات معصيتك، وأمطر علينا سحائب فضلك ومرحمتك، واضرب علينا سرادقات عفوك ومغفرتك، وأدخلنا في حفظ عنايتك ومكرمتك، وصل على ذوي الأنفس الطاهرات، والمعجزات الباهرات، خصوصا على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين «محمد» بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الذي اخترته للنبوة وآدم بين الماء والطين، وأرسلته رحمة للعاملين، أيدته بنصرك وبالمؤمنين، وختمت به الأنبياء والمرسلين، وعلى إخوانه من النبيين والصالحين وآله وصحبه أجمعين.
يقول العبد الأصغر زكريا بن محمد بن محمود القزويني تولاه الله بفضله، وهو من أولاد بعض الفقهاء الذين كانوا موطنين بمدينة قزوين وينتهي نسبه إلى أنس بن مالك خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لما حكم الله تعالى ببعد الدار والوطن ومفارقة الأهل والسكن، أقبلت على مطالعة الكتب على رأي من قال: «وخير جليس في الزمان كتابي» وكنت مستغرقا بالنظر في عجائب صنع الله تعالى في مصنوعاته، وغرائب إبداعه في مبتدعاته، كما أرشد الله سبحانه إليه حيث قال تعالى: «أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج [ق: 6] ليس المراد من النظر تقليب الحدقة نحوها فإن البهائم تشارك الإنسان فيه. ومن لم ير من السماء إلا زرقتها، ومن الأرض إلا غبرتها فهو مشارك للبهائم في ذلك، وأدنى حالا منها وأرشد غفلة كما قال تعالى: لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها إلى أن قال أولئك كالأنعام بل هم أضل [الأعراف: 179] والمراد من هذا النظر التفكير في المعقولات، والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها ليظهر له حقائقها، فإنها سبب اللذات الدنيوية والسعادات الأخروية؛ لهذا قال (صلى الله عليه وسلم): «اللهم أرني الأشياء كما هي»، وكلما أمعن النظر فيها
صفحہ 3
ازداد من الله تعالى هداية ويقينا ونورا وتحقيقا، ولهذا قال (صلى الله عليه وسلم): «تفكروا في خلق الله» (1)، والفكر في المعقولات لا يتأتى إلا لمن له خبرة بالعلوم والرياضيات بعد تحسين الأخلاق وتهذيب النفس
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
(2)، فعند ذلك ينفتح له عين البصيرة ويرى في كل شيء من العجب ما يعجز عن إدراك بعضها، فلو ذكر طرفا منها لغيره لأنكره، ولله در القائل:
إني سمعت عجيبا كنت أحسبه
طيفا من النوم أو هجرا من السمر
لما ألفت به ألفيت صحته
وقد رأيت ألوفا مثل ذا العبر
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
صفحہ 4
ومن هذا القبيل ما أخبر الله تعالى في كتابه عما جرى بين الخضر وموسى عليهما الصلاة والسلام وما ذكر أيضا أن موسى اجتاز بعين ماء في سفح جبل فتوضأ ثم ارتقى الجبل ليصلي إذ أقبل فارس وشرب من ماء العين وترك عندها كيسا فيه دراهم فجاء بعده راعي غنم فرأى الكيس فأخذه ومضى ثم جاء بعده شيخ عليه أثر البؤس والمسكنة، على ظهره حزمة حطب فحط حزمته هناك واستلقى ليستريح فما كان إلا قليل حتى عاد الفارس يطلب كيسه فلما لم يجده أقبل على الشيخ يطالبه به، فلم يزل يضربه حتى قتله فقال موسى: يا رب كيف العدل في هذه الأمور؟
فأوحى الله عز وجل إليه: إن الشيخ كان قد قتل أبا الفارس وكان على أبي الفارس دين لأبي الراعي مقدار ما في الكيس؛ فجرى بينهما القصاص وقضى الدين وأنا حكيم عادل.
ولقد حصل لي بطريق السمع والبصر والفكر والنظر حكم عجيبة وخواص غريبة فأحببت أن أقيدها لتثبت، وكرهت الذهول عنها مخافة أن تفلت، وقد كثرت على عواطف المولى الصاحب الصدر الكبير العادل المؤيد المظفر، شمس الدولة ظهير الملة علاء الدين عماد الإسلام نظام الملك غياث الأمة عطاء الملك بن محمد بن محمد، ضاعف الله جلاله وأدام في العز العلاء إقباله، فإنه مع شريف منزلته على مرتبته مشهور بالكرم والإحسان، مذكور لوفور الفضل عن أهل الزمان، وقد خصه الله تعالى بمكارم الأخلاق وفضائل الحسب والمجد الموروث والمجد المكتسب، فخدمت بهذا الكتاب مجلسه الرفيع أدام الله رفعه وكبت أعداءه وحسدته فإنه منبع الخيرات ومعدن المسرات، شكرا لأياديه السابقة
له أياد علي سابغة
أعد منها ولا أعددها
(2)؛ وقضاء لحقوقه اللاحقة ورجاء أن يتخلد اسمى بتخليد ذكره الشريف، ويتأيد وسمى بتأيد عزه المنيف، والله ولي التوفيق وعلى ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
2 فصل
وعلى الناظر في كتابي هذا أن يعني في جمع ما كان مبددا، وتلفيق ما كان مشتتا وقد ذكر فيه
له أياد علي سابغة
أعد منها ولا أعددها
صفحہ 5
أسبابا تأباها طباع الغبي الغافل، ولا ينكره نفس الذكي العاقل، فإنها وإن كانت بعيدة من العادات المعهودة والمشاهدات المألوفة لكن لا يستعظم شيء مع قدرة الخالق وجبلة المخلوق (1).
وجميع ما فيه: إما عجائب صنع البارئ تعالى، وذلك إما محسوس أو معقول لا ميل فيهما ولا خلل، وإما حكاية طريفة منسوبة إلى رواتها لا ناقة لي فيها ولا جمل، وإما خواص غريبة وذلك مما لا يفي العمر بتجربتها ولا معنى لتركها كلها لأجل الميل في بعضها، فإن أحببت أن تكون منها على ثقة فشمر لتجربتها، وإياك أن تغتر أو تلم أو تمل إذا لم تصب في مرة أو مرتين فإن ذلك قد يكون لفقد شرط أو حدوث مانع، وحسبك ما ترى من حال المغناطيس وجذبه الحديد فإنه إذا أصابه رائحة الثوم بطلت تلك الخاصية فإذا غسلته بالخل عاد إليه، فإذا رأيت مغناطيسا لا يجذب الحديد فلا تنكر خاصيته فاصرف عنايتك إلى البحث عن أحواله حتى يتضح لك أمره، على أني أشهد الله تعالى أن شيئا منها ما افتريته، بل كتبت الكل كما علمته فإن نظرت إليها بعين الرضا ؛ فإنها عن كل عيب كليلة، وإن نظرت بعين السخط؛ فإن المساوئ كثيرة وعين الكريم عن المعائب عميا
عين المحب عن كل عيب كليلة
وعين الحسود تبدي المساويا
وأذنه عن المساوئ صما، ولله در القائل:
فقلت لهم لا تنسوا الفضل بينكم
فليس يرى عين الكريم سوى الحسن
وسميته: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات.
ولا بد من ذكر مقدمات أربع في شرح هذه الألفاظ ليتبين منها مقصود الكتاب، والله الموفق للصواب.
عين المحب عن كل عيب كليلة
وعين الحسود تبدي المساويا
صفحہ 6
3 المقدمة الأولى: في شرح العجب
قالوا: العجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه (1)، مثاله: أن الإنسان إذا رأى خلية النحل ولم يكن شاهده قبل لكثرته حيره لعدم معرفة فاعله فلو علم أنه من عمل النحل فتحير أيضا من حيث إن ذلك الحيوان الضعيف كيف أحدث هذه المسدسات المتساوية الأضلاع التي عجز عن مثلها المهندس الحاذق مع الفرجار والمسطرة ومن أين لها هذا الشمع الذي اتخذت منه بيوتها المتساوية التي لا تخالف بعضها بعضا كأنها أفرغت في قالب واحد، ومن أين لها هذا العسل الذي أودعته فهيا ذخيرة للشتاء؟ وكيف عرفت أن الشتاء يأتيها وأنها تفقد فيه الغذاء؟ وكيف اهتدت إلى تغطية خزانة العسل بغشاء رقيق ليكون الشمع محيطا بالعسل من جميع جوانبه، فلا ينشفه الهواء ولا يصيبه الفأر ويبقى كالبرنية المنضمة الرأس، فهذا معنى العجب (3)، وكل ما في العالم بهذه المثابة، إلا أن الإنسان يدركه في زمن صباه عند فقد التجربة ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلا قليلا، وهو مستغرق الهم في قضاء حوائجه وتحصيل شهواته وقد أنس بمدركاته ومحسوساته فسقط عن نظره بطول الأنس بها، فإذا رأى بغتة حيوانا غريبا أو فعلا خارقا للعادات انطلق لسانه بالتسبيح فقال: سبحان الله وهو يرى طول عمره أشياء تتحير فيها عقول العقلاء وتدهش فيها نفوس الأذكياء.
فمن أراد صحة أو صدق هذا القول فلينظر بعين البصيرة إلى هذه الأجسام الرفيعة وسعتها وصلابتها وحفظها من التغير والفساد إلى أن يبلغ الكتاب أجله، فإن الأرض والهواء والبحار
صفحہ 7
بالإضافة إليها كحلقة ملقاة في فلاة (1)، قال الله تعالى: والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون [الذاريات: 47]، ثم إلى دورانها مختلفا؛ فإن بعضها يدور بالنسبة إلينا رحوية وبعضها حمائلية وبعضها دولابية وبعضها يدور سريعا وبعضها يدور بطيئا، ثم إلى دوام حركتها من غير فتور وإلى إمساكها من غير عمد تعمد بها أو تدلى بها أو علاقة تدلى بها.
ثم لتنظر على كواكبها وكثرتها واختلاف ألوانها فإن بعضها يميل إلى الحمرة، وبعضها إلى البياض، وبعضها إلى لون الرصاص، ثم إلى مسير الشمس وفلكها مدة سنة، وطلوعها وغروبها كل يوم لاختلاف الليل والنهار، ومعرفة الأوقات وتمييز وقت المعاش عن وقت الاستراحة (3)، ثم إلى إمالتها عن وسط السماء حتى وقع الصيف والشتاء والربيع والخريف.
صفحہ 8
قد اتفق الباحثون على أنها مثل كرة الأرض مائة مرة ونيفا وستين مرة وفي لحظة تسير أكثر من قطر كرة الأرض، وقد عرض ذلك جبريل (عليه السلام) حيث قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): «من وقت لا إلى أن قلت نعم سارت الشمس خمسمائة عام». ثم لينظر إلى جرم القمر وكيفية اكتسابه النور من الشمس لينوب عنها بالليل، ثم إلى امتلائه وانمحاقه ثم إلى كسوف الشمس وخسوف القمر.
ومن العجائب السواد الذي في جرم القمر فإنه لم يسمع فيه قول شاف إلى زماننا هذا
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
(1)، وكذلك في المجرة وهي البياض الذي يقال له: شرج السماء وهو على ذلك يدور بالنسبة إلينا رحوية.
وعجائب السموات لا نستطيع إحصاء عشرها لكن القدر الذي جرى في جرم القمر ذكرناه تبصرة لكل عبد منيب.
ثم لينظر إلى ما بين السماء والأرض من انقضاض الشهب والغيوم والرعود والبروق والصواعق والأمطار والثلوج والرياح المختلفة المهاب (2).
وليتأمل السحاب الكثيف المظلم كيف اجتمع في جو صاف لا كدورة فيه؟ وكيف حمل الماء، وتسخير الرياح؟ فإنها تتلاعب به وتسوقه إلى المواضع التي أرادها الله تعالى فترش وجه الأرض وترسله قطرات متفاضلة لا تدرك قطرة ليصيب وجه الأرض برفق، فلو صبه صبا لأفسد الزرع بخدشه وجه الأرض ويرسلها مقدارا كافيا لا كثيرا زائدا على الحاجة فيعفن النبات، ولا قليلا ناقصا عن الحاجة فلا يتم به النمو كما قال تعالى: وأنزلنا من السماء ماء بقدر [سورة المؤمنون: 18]، ثم إلى اختلاف الرياح فإن منها ما يسوق السحب ومنها من ينشرها ومنها ما
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
صفحہ 9
يجمعها، ومنها ما يعصرها، ومنها ما يلقح الأشجار (1)، ومنها ما يربي الزرع والثمار ومنها ما يجففها، ثم لينظر إلى الأرض وجعلها قرارا لتكون فراشا ومهادا ثم إلى سعة أكنافها وبعد أقطارها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها: والأرض فرشناها فنعم الماهدون [الذاريات: 48]، ثم إلى جعل ظهرها محلا للأحياء، وبطنها للأموات، فتراها وهي ميتة أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت [الحج: 5]، وأظهرت أجناس المعادن وأنبتت أنواع النباتات وأخرجت أصناف الحيوان، ثم إلى إحكام أطرافها بالجبال الشامخات كأوتاد لها يمنعونها من أن تميد، ثم إلى إيداع أوشال المياه في خزانات ليخرج منها قليلا قليلا؛ فتنفجر منها العيون وتجري منها الأنهار دائما.
ثم لينظر إلى البحار العميقة التي هي خلجان من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض، حتى إن جميع المكشوف من البوادي والجبال بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وبقية الأرض مستورة بالماء.
ثم إلى ما فيها من الحيوان والجواهر، وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر أمثاله وأضعافه، وفيها أجناس لا يعهد لها نظير في البر.
ثم لينظر إلى خلق اللؤلؤ في صدفه تحت الماء ثم إلى إنبات المرجان في صميم الصخر تحت الماء وهو نبات على هيئة شجر ينبت من الحجر.
ثم إلى ما عداه من العنبر وإلى أصناف النفائس التي يقذفها البحر ويستخرج منه.
ثم إلى السفن كيف سيرت في البحار وسرعة جريها وإلى إيجاد الأنهار ومعرفة النواتي وموارد الرياح ومهابها وسواقيها.
وعجائب البحار كثيرة لا مطمع في إحصائها، وقد قيل: حدث عن البحر ولا حرج، وفيما ذكرناه كافية .
ثم لينظر إلى أنواع المعادن المودوعة تحت الجبال: فمنها ما ينطبع كالذهب والفضة، والنحاس والحديد والرصاص، ومنها ما لا ينطبع كالفيروز والياقوت والزبرجد.
صفحہ 10
ثم إلى كيفية استخراجها وتنقيتها واتخاذ الحلي والآلات والأواني منها، ثم إلى معادن الأرض كالنفط (1)، والقير والكبريت، وغيرها وأقلها الملح فلو خلت منه بلد لتسارع الفساد إلى أهلها.
ثم لينظر إلى أنواع النبات وأصناف فواكهها مختلفة الأشكال والألوان والطعم والأراييج يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل (3)، مع اتحاد الأرض والهواء والماء فيخرج من نواة نخلة مطوقة بعناقيد الرطب، وبرة حبة سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة .
ثم لينظر إلى أرض البوادي وتشابه أجزائها فإنها إذا نزل القطر عليها وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .
ثم إلى كثرتها واختلاف أصنافها متشابهة وغير متشابهة.
ثم إلى كثرة أشكالها وألوانها وطعمها ورائحتها واختلاف طبعائها وكثرة منافعها، فلم ينبت من الأرض ورقة إلا وفيها منفعة أو منافع يقف فهم البشر دون إدراكها
وكم لله من سر خفي
يدق خفاه على الفهم الذكي
(4).
ثم لينظر إلى أصناف الحيوان وانقسامها إلى: ما يطير ويقوم ويمشي وانقسام الماشي إلى: ما يمشي على بطنه وإلى ما يمشي على رجلين وإلى ما يمشي على أربع وإلى أشكالها وألوانها وصورها وأخلاقها وأفعالها ليرى عجائب تدهش منها العقول بل في البقة أو النمل أو العنكبوت أو النحل فإنها من ضعاف الحيوانات ليرى ما يتحير منه من: بنائها البيت وجمعها
وكم لله من سر خفي
يدق خفاه على الفهم الذكي
صفحہ 11
الغذاء وادخارها القوت لوقت الشتاء، وحذقها في هندستها، ونصبها الشبكة للصيد، وما من حيوان صغير ولا كبير إلا وفيه من العجائب ما لا يحصى، وإنما سقط التعجب هنا للأنس وكثرة المشاهدة.
وعجائب السموات والأرض كما قال تعالى: قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض [يونس: 101]، بحار لا يدرى سواحلها ولا يعرف أوائلها ولا أواخرها والله الموفق للصواب.
صفحہ 12
4 المقدمة الثانية: في تقسيم المخلوقات
والمخلوق كل ما هو غير الله سبحانه وتعالى، وهو إما أن يكون قائما بالذات أو قائما بالغير، والقائم بالذات إما أن يكون متحيزا أو لم يكن، فإن كان متحيزا فهو الجسم وإن لم يكن فهو الجوهر الروحاني، وهو إما أن يكون متعلقا بالأجسام تعلق التدبير وهو النفس أو لا يكون، وهو إما أن يكون سليما عن الشهوة والغضب وهو الملك أو لا يكون وهو الجن القائم بالغير، فإن كان قائما بالمتحيزات فهو الأعراض الجسمانية، وإن كان قائما بالمفارقات فهو الأعراض الروحانية كالعلم والقدرة، والأعراض الجسمانية إما أن يلزم من صدقها حصول صدق النسبة أو صدق قبول النسبة أو لا هذا ولا ذاك.
فإن كان الأول فالنسبة إما حصول في المكان وهو الأين أو في الزمان وهو الشيء أو نسبة متكررة وهو الإضافة أو تأثير الشيء في الشيء، وهو الفعل أو تأثر الشيء عن الشيء وهو الانفعال.
وكون الشيء محيطا بالشيء يجب أن ينتقل المحيط بانتقال المحاط به وهو الملك، أو هيئة حاصلة بمجموع الجسم بسبب حصول النسب بين أجزاء بعضها إلى بعض وبين أجزائه والأمور الخارجية وهو الوضع.
وإن كان يلزم من حصولها صدق قبول النسبة فهو إما أن يكون بحيث لا يحصل بين أجزائه حدود مشتركة وهو العدد، أو يحصل وهو المقدار.
وإن كان لا يلزم من حصولها صدق قبول النسبة فإما أن يكون مشروطا بالحياة أو لم يكن، فإن كان؛ فإما أن يتوقف على الشهوة والنقرة وهو التحريك أو لا يتوقف، وهو الإدراك، ثم الإدراك إما إدراك الكليات وهو العلوم والظنون والجهالات أو إدراك الجزئيات وهو الحواس الخمس، وإن لم يكن مشروطا بالحياة فهو الأعراض المحسوسة بالحواس الخمس.
أما المحسوسات بالقوة الباصرة فكالأضواء والألوان، وأما المحسوسات بالقوة الشامة فالكطيب والنتن.
وأما المحسوسات بالقوة السامعة فالأصوات والحروف.
وأما المحسوسات بالقوة اللامسة فكالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والثقل والخفة والصلابة واللين والخشونة والملامسة.
صفحہ 13
فهذه جملة أقسام الممكنات وسيأتي الكلام في كل قسم منها إن شاء الله تعالى.
5 فصل
ذكر أهل السير أنه وجد في السفر الأول من التوراة: إن الله تعالى خلق جواهر ثم نظر إليها نظر الهيبة فذاب الجوهر، وصعد منه دخان، ورسب منه رسوب، فخلق سبحانه من الدخان السموات ومن الرسوب الأرض ويدل على ذلك قوله تعالى: أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وأحكم جلت قدرته خلق المجموع في ستة أيام.
قال بعض العلماء: إن اليوم في اللغة الكون الحادث، والأيام هاهنا مراتب مصنوعاته؛ لأن قبل الزمان لا يمكن تجدد الزمان، فمن الأيام الستة: يوم لمادة الأرض ويوم لصورتها ويوم لمادة السماء ويوم لصورتها ويوم لمكملاتها من الجبال والكواكب والنفوس وغيرها.
وقال أيضا: كل ما فوق الأرض فهو سماء، في طريق اللغة يقولون: ما علاك فهو سماؤك، وما دونك فلك القمر، فهو بالنسبة إلى الأفلاك أرض قال تعالى: خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن [الطلاق: 12]، يعني: سبعا؛ فالأولى: كرة النار، والثانية: كرة الهواء، والثالثة: كرة الماء، والرابعة: كرة الأرض، وثلاثة طبقات ممتزجات بين الأربعة الأولى من النار والهواء، والثانية من الهواء والماء، والثالثة من الماء والأرض.
ثم دبر بعناية بعد الجماد أمر المعادن الداخلة في الجماد ثم النبات ثم الحيوان.
هذا هو القول الكلي في المخلوقات وسيأتي القول في جزئياتها في مقالتين إن شاء الله تعالى، والله الموفق للصواب.
صفحہ 14
6 المقدمة الثالثة: في معنى الغريب
الغريب: كل أمر عجيب، قليل الوقوع مخالف للعادات المعهودة والمشاهدات المألوفة، وذلك إما من تأثير نفوس قوية أو تأثير أمور فلكية أو أجرام عنصرية كل ذلك بقدرة الله تعالى وإرادته (فمن) ذلك معجزات الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) كانشقاق القمر، وانفلاق البحر، وانقلاب العصا ثعبانا، وكون النار بردا وسلاما، وخروج الناقة من الصخرة الصماء، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى ومنها كرامات الأولياء الأبرار فإن تأثير نفوسهم يتعدى إلى غير أبدانهم حتى يحدث عنها انفعالات غريبة في العالم فيشفى المريض باستشفائهم وتسقى الأرض باستسقائهم، وربما يحدث الخسف والزلزلة والطوفان والصواعق بدعواتهم، ويصرف الوباء والموتان باستدعائهم، وتبدل لهم نفرة الطيور بالهدوء والوقوع، وصولة السباع وشدتها باللين والخضوع.
(ومنها) إخبار الكهنة والكهانة التي اندرست بمبعث النبي (صلى الله عليه وسلم ) وكانوا يأتون الجاهلية بأمور غريبة؛ زعموا أنها كانت بواسطة اختلاط نفوسهم بنفوس الجن.
(ومنها) الإصابة بالعين فإن العائن إذا تعجب من شيء كان تعجبه مهلكا للمتعجب منه بخاصية لنفسه لا يوقف عليها.
(ومنها) اختصاص بعض النفوس من الفطرة بأمر غريب لا يوجد مثله لغيرها، كما ذكر أن من الهند قوما إذا اهتموا بشيء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم إلى ذلك الشيء فيقع على وفق اهتمامهم.
(ومن) هذا القبيل ما حكي أن السلطان محمود غزا بلاد الهند وكان فيها مدينة كل من قصدها مرض فسأل عن ذلك؛ فقالوا: إن عندهم جمعا من الهند يصرفون هممهم على ذلك فيقع المرض على وفق اهتمامهم؛ فأشار عليه بعض أصحابه بدق الطبول، ونفخ البوقات الكثيرة ليشوش هممهم ففعلوا ذلك فزال المرض واستخلصوا المدينة.
(ومن) هذا القبيل ما ذكر أن رجلا فيلسوفا في زمن خوارزم شاه محمد بن تكش جاء من بلاد الهند إلى خراسان فأسلم، وكان يقال له: داناي هند، يستخرج طالع كل إنسان أراد حتى جربوه بالطوالع الرصيدية فلم يخطئ شيئا، وزعم أن ذلك له بواسطة حساب يعرفه، فرفع أمره
صفحہ 15
إلى السلطان، فقال له هل تقدر على استخراج غير الطوالع؟ قال: نعم، قال: أخبرني عما رأيت البارحة في نومي فرجع إلى نفسه وحسب، ثم قال: رأى السلطان أنه في سفينة وبيده سيف فقال السلطان: لقد أصاب لكنا لا نقنع بهذا القدر؛ لأني على طرف جيحون كثيرا ما أركب السفينة والسيف لا يفارقني فربما قال اتفاقا، فامتحنه مرة أخرى فأصاب فقربه من نفسه وكان يستعين به في أموره.
(ومن) ذلك أمور سماوية كظهور الكواكب ذوات الأذناب والتماثيل والشانين وانقضاض شهب يستضيء الجو منها.
(ومنها) سقوط جسم من الجو ثقيل كما ذكر الشيخ الرئيس أنه سقط في زمانه بأرض جوزجان جسم كقطعة حديد قدر خمسين منا مثل حبات الجاورش المنضمة فأرادوا كسرها فما كان يعمل فيها الحديد البتة (3).
(ومنها) سقوط ثلج أو برد في غير أوانه كما حكي عن بعض شيوخ قزوين أنه أتاهم في زمن الشمس برد عظيم كل واحدة على قدر الجوزة فأهلك كثيرا من الحيوانات والنبات، والمشمش لا يدرك بقزوين إلا في الصيف.
(ومنها) سقوط أحجار من الحديد والنحاس في وسط الصواعق، وذلك يوجد ببلاد الترك، وربما يوجد بأرض جيلان أيضا.
(وحكى) أبو الحسن علي بن الأثير الجزري في تاريخه: أنه نشأت بأفريقية في سنة إحدى عشر وأربعمائة سحابة شديدة الرعد والبرق فأمطرت حجارة كثيرة، وأهلكت كل من أصابته.
(وأغرب) من هذا ما حكاه الجاحظ أنه نشأت سحابة بايدج وهي مدينة بين أصبهان وجوزستان سحابة طحيا تكاد تمس رءوس الناس وسمعوا منها كهدير الفحل، ثم إنها دفعت بأشد مطر ثم استسلموا للغرق ثم دفعت بالضفادع والشبابيط العظام السمان، والشبوط: نوع من السمك فأكلوا وملحوا وادخروا كثيرا.
صفحہ 16
ومن ذلك أمور أرضية مثل صيرورة اليبس بحرا كأرض اليونان فإنها كانت بلادا معمورة، والآن استولى الماء عليها، وصيرورة البحر يبسا كأرض ساوة فإنها كانت بحرا والآن لا يرى فيها أثر البحر.
(ومنها) ما زعموا أنه يصعد من الأرض بخار لا يصيب شيئا من الحيوان والنبات إلا جعله حجرا صلدا وآثار ذلك ظاهرة من أرض مصر ومثله ثم بأرض قزوين.
(ومنها) وقوع خسف بناحية من الأرض وخروج ماء أسود منها وقد شوهد ذلك في كثير من النواحي منها مدينة عنجرة بأرض الروم، وقرية دركزين من أعمال همدان.
ومنها زلزلة تبقى شهرا أو أكثر في بعض النواحي، وقد شوهد ذلك بأرض نيسابور والري.
وحدثني أبو القاسم الرافعي- (قدس الله روحه)- أنه شاهد في هذه الزلزلة سقفا قد انشق حتى رأى الكواكب من جانب، ثم عاد إلى حاله ولم يظهر عليه أثر الشق.
(ومنها) ظهور معدن ببعض الأصقاع لم يعرف قبل ذلك من الزمان كظهور معدن الذهب عند الإسماعيلية.
(ومنها) ظهور نبت بأرض لا عهد للناس بوجوده هناك كظهور الترنجبين بأرض ساوة.
(ومنها) تولد حيوان غريب الشكل لم ير مثله. كما روي الشافعي رضي الله عنه، أنه رأى باليمن إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوق بدنان مفترقان بأربع أياد ورأسين ووجهين وهما يأكلان ويشربان يختصمان ويصطلحان.
وذكر أن امرأة بكلوسامان من قرى بلخ ولدت شخصا له نصف بدن ونصف رأس ويد واحدة ورجل واحدة على صورة النسناس؛ الذي يوجد في غياض الشجر باليمن ثم حملت مرة أخرى فولدت بدنا له رأسان.
صفحہ 17
وزعم الحكماء أنهم وجودوا ثلاثة معان في الأمور غريبة؛ وقد وضعوا لكل معنى اسما:
(وأحد هذه المعاني): الآثار النفسانية، والانفعالات التابعة للتصورات من غير واسطة أمر طبيعي، فاستعمال تلك التصورات في الخير معجزة من الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وكرامة من الأولياء عليهم الرحمة والرضوان، واستعمالها في الشر سحر من النفوس البشرية.
(وثانيهما): أمور غريبة تحدث من قوى سماوية وأجسام عنصرية مخصوصة بهيئات وأشكال وأوضاع تسمى الطلسمات.
(وثالثهما): أمور غريبة تحدث من أجساد أرضية كجذب المغناطيس الحديد وتسمى النيرنجات.
وهذا هو القول الكلي في الأمور الغريبة وسيأتي الكلام في جزئياتها إن شاء الله تعالى.
صفحہ 18
7 المقدمة الرابعة: في تقسيم الموجودات
كل موجود سوى الواحد سبحانه مخلوق، وكل ذرة من جوهر وعرض وصفة موصوف فيها غرائب وعجائب يظهر فيها حكم الله تعالى وقدرته، وإحصاء ذلك غير ممكن.
لكنا نشير إلى ذلك ونقول إجمالا: الموجودات منقسمة: إلى ما لا نعرف أصلها ولا يمكننا النظر فيها، فكم من موجود لا نعلمه كما قال الله تعالى: ويخلق ما لا تعلمون [النحل: 8]، وإلى ما نعرف جملها ولا نعرف تفصيلها، وهي منقسمة إلى ما لا يدرك بالبصر: كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين وغيرها فمحال النظر فيها، ولا يمكن أن يقال فيها إلا ما صح بالنصوص والأخبار والآثار.
وأما المدركات بالبصر: كالسموات والأرض وما بينهما، والسموات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها ودورانها، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها وبحارها وأنهارها ومعادنها ونباتها وحيوانها وما بين السماء والأرض: وهو الجو مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعودها وبروقها وصواعقها وشهبها وعواصف أرياحها، فهذه هي أجناس المشاهدات من السموات والأرض وما بينهما، وكل جنس منها ينقسم إلى أنواع، وكل نوع ينقسم إلى أصناف، وكل صنف ينقسم إلى أقسام.
ولا نهاية لاستيعاب ذلك وانقسامها في اختلاف صفاتها وهيئاتها ومعانيها الظاهرة والباطنة، وفي جميع ذلك مجال البصر فلا تتحرك ذرة في السموات والأرض إلا وفي تحريكها حكمة أو حكمتان أو عشرة أو ألف، وكل ذلك دليل على وحدانيته وكبريائه وعظمته كما قال بعضهم:
ولله في كل تحريكة
وتسكينة أبدا شاهد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
صفحہ 19
8 المقالة الأولى: في العلويات والنظر فيها في أمور
(النظر الأول: في حقيقة الأفلاك وأشكالها وأوضاعها وحركاتها بطريق الإجمال)
ذهب الحكماء إلى أن الفلك جسم كروي مشتمل على الوسط متحرك عليه ليس بخفيف ولا ثقيل ولا بارد ولا حار ولا رطب ولا يابس ولا قابل للخرق ولا للالتئام، ولهم على ذلك أدلة مذكورة في الكتب الحكمية، وكتابنا هذا ليس بصددها، والأفلاك كرات محيطة بعضها ببعض حتى حصلت من جملتها كرة واحدة يقال لها: العالم، وأدناها إلى العناصر فلك القمر، ثم فلك عطارد، ثم فلك الزهرة، ثم فلك الشمس، ثم فلك المريخ، ثم فلك المشترى، ثم فلك زحل، ثم فلك الثوابت، ثم فلك الأفلاك.
واعلم أن لكل فلك مكانا لا ينتقل عنه، لكنه متحرك فيه بأجرامه لا يقف طرفة عين، وسرعة حركاتها أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أن الفرس في حالة الركض الشديد من الوقت الذي رفع يديه إلى أن يضعها يتحرك الفلك الأعظم بثلاثة آلاف فرسخ، ثم إن من الأفلاك ما يتحرك من المشرق إلى المغرب؛ كالفلك الأعظم، ومنها ما يتحرك من المغرب إلى المشرق؛ كفلك الثوابت وأفلاك السيارات، ومنها ما يتحرك بالنسبة إلينا دولابية، ومنها ما يتحرك حمائلية (1)، ومنها ما يتحرك رحوية، ومنها ما يشمل على الوسط ولكن ليس
صفحہ 20
مركزه مركز العالم كالأفلاك التسعة، ومنها ما يشتمل على الوسط لكن ليس مركزه مركز العالم كخارج المراكز، ومنها ما ليس مشتملا على الوسط كأفلاك التداوير، وسيأتي شرحها إن شاء الله تعالى.
ومن الأفلاك ما لم يعرف له إلا كوكب واحد كأفلاك السيارات، ومنها ما لم يعلم عدد كواكبها إلا الله تعالى كفلك الثوابت، ومنها ما ليس له كوكب أصلا في العالم بحسب ما عرف من آراء المتقدمين وأصحاب الأرصاد ولا سيما بطليموس؛ فإن اعتماد القوم على رصده خمس وأربعون حركة للفلك الأعظم، وحركة لفلك الثوابت، وثمان عشرة حركة لأفلاك الكواكب العلوية لكل واحد منها ست حركات، وحركتان لفلك الشمس، وست حركات لفلك الزهرة، وتسع حركات لفلك عطارد، وست حركات لفلك القمر، وحركتان لما دون فلك القمر وهما حركتا الثقل والخفة، وهذا ما بلغ إليه فهم العقلاء وذهن الأذكياء، والله هو الموفق.
(النظر الثاني) في نظرية القمر
وهو يحده سطحان كرويان متوازيان مركزهما مركز العالم: السطح الأعلى منهما لمقعر فلك عطارد، والأدنى لمحدب كرة النار ويتم دورته في كل ثمانية وعشرين يوما بحركته التي تختص به من المغرب إلى المشرق (1)، وفلك تدويره يدور في الفلك الحاوي في كل أربعة عشر يوما مرة، ففي الدورة الأولى يكون القمر بوجهه الممتلئ إلى مركز الأرض، ثم إن فلكه الكلي ينقسم إلى أربعة أفلاك: ثلاثة منها شاملة للأرض، وواحد صغير غير شامل أما الشاملة فالأول منها: يسمى فلك الجوزهر وهو الذي يماس السطح الأعلى منه السطح الأدنى من فلك عطارد، والثاني منها: يماس السطح الأعلى منه مقعر فلك الجوزهر والثالث منها:
فلك خارج المركز في الفلك المائل من مركزه خارج عن مركز العالم مائل إلى جنب من الفلك الكلي بحيث يماس مقعر سطحية السطح الأدنى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمى الأوج، ويماس مقعر سطحيه السطح الأدنى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمى الحضيض فيحصل سطحان مختلفا الثخن: أحدهما: حاو للفلك الخارج. والآخر: محوي فيه.
صفحہ 21
ورقة الحاوي مما يلي الأوج، وغلظه مما يلي الحضيض، ورقة المحوي وغلظه بالعكس، ويقال لكل واحد منهما: المتمم. أما الفلك الصغير فهو في ثخن الفلك الخارج المركز، يقال له:
فلك التدوير والقمر مركوز فيه يتحرك بحركته وحركة هذا الفلك حركة مختصة به، مغايرة لحركة الفلك الكلي، وزعموا أن ثخن فلك القمر وهو بعد ما بين سطحه الأعلى وسطحه الأدنى مائة ألف وثمانية عشر ألفا وستة وستون ميلا، وبطليموس قد ذكر ثخن الأفلاك ومقادير أجرام الكواكب ودوائرها وأقطارها (1)، ولا تستصعبن ذلك فإنه لا يصعب إلا على من لا دراية له بعلم الهندسة، وأما من حل الثانية من إقليدس فيسهل عليه ذلك إن كان فطنا.
9 فصل
وأما القمر فهو كوكب مكانه الطبيعي الفلك الأسفل من شأنه أن يقبل النور من الشمس على أشكال مختلفة، ولونه الداني إلى السواد يبقى في كل برج ليلتين وثلث الليلة، ويقطع جميع الفلك في شهر، وهو أصغر الكواكب فلكا، وأسرعها سيرا، وزعموا أن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءا، أو ربع الجزء من جرم الأرض، ودورة القمر أربعمائة واثنان وخمسون ميلا بالتقريب.
هذا ما وصل إليه آراء الحكماء بحكم المقدمات الحسابية.
10 فصل: في زيادة ضوئه ونقصانه
القمر جرم كثيف مظلم قابل للضياء لا القليل منه على ما يرى في ظاهره، فالوجه الذي يواجه الشمس مضيء أبدا، فإذا كان قريبا من الشمس كان الوجه المظلم مواجها للأرض، وإذا بعد عن الشمس إلى المشرق ومال النصف المظلم من الجانب الذي يلي المغرب إلى الأرض تظهر من النصف المضيء قطعة هي الهلال، ثم يتزايد الانحراف وتزداد بتزايده القطعة من النصف
صفحہ 22