فقلت مدافعا عن نفسي: ما أصعب ترويض النهر في إبان الفيضان!
فقال بصوت قوي: على أي رجل من صفوة هذه الأرض ألا يغفل لحظة عن مصير العقيدة والوطن والإمبراطورية!
وجعلت أناجي حيرتي ليل نهار منفردا ومع أسرتي المكونة من تي زوجتي ونفرتيتي وموت نجمت ابنتي. وعلى حين اتهمت تي وموت نجمت الأمير بالضلال إذا بنفرتيتي تنجذب إلى آرائه بتلقائية مثيرة، وتهمس في أذني: إنه الحق يا أبي!
ولا بد من كلمة هنا عن نفرتيتي. كانت تقارب إخناتون من سنه، ومثله حازت عقلا يفوق سنها. وقد تلقت البنتان تربية عامة ومنزلية ممتازة، ولكن موت نجمت قنعت بتجويد القراءة والكتابة والحساب وشيء من اللاهوت، إلى الحياكة والتطريز والطهي والرسم والرياضة والرقص الديني، أما نفرتيتي فمع إتقانها ذلك كله تبحرت بدافع شخصي في الدين والأفكار، ثم كان ميلها إلى آتون، والأعجب من ذلك كله أنها آمنت بإله إخناتون، وقالت بصراحة: هذا هو الإله الذي انتشلني من حيرتي المعذبة.
وأثارت بذلك سخط تي مربيتها وأختها غير الشقيقة موت نجمت التي اتهمتها بالضلال.
وحدث في ذلك الوقت أن احتفل الملك بمرور ثلاثين عاما على جلوسه على العرش، فذهبنا إلى القصر واصطحبنا البنتين معنا لأول مرة. وشاء القدر أن تستحوذ نفرتيتي على قلب الأمير، وهكذا تزوجت من إخناتون، ونحن نتابع الأحداث بذهول ولا نصدق ما يقع. واستدعاني كاهن آمون مرة أخرى وقال لي بنبرة ذات مغزى: أصبحت عضوا في الأسرة المالكة يا آي.
وشعرت بأنه يوشك أن يعدني من الخصوم، فدافعت عن الأمير ما وسعني ذلك، وقلت له: إني رجل لم يحد طيلة عمره عن الواجب.
فقال بهدوء: لندع الأيام تكشف لنا عن معدن الرجال!
وطلب مني أن أعد مقابلة بينه وبين نفرتيتي، ففعلت بعد أن زودت ابنتي بالوصايا. ولكنها، والحق يقال، لم تكن في حاجة إلى وصاياي، فأسمعته كلاما جميلا دون أن تكشف عن سر أو تلتزم بعهد. وأعتقد أن عداء الكهنة لابنتي بدأ مع تلك المقابلة.
وقالت لي نفرتيتي: لم تكن مقابلة يا أبي، ولكنها كانت مبارزة غير معلنة؛ الداهية يدافع عن الإمبراطورية على حين أنه يدافع في الواقع عن نصيب معبده من الأغذية والكساء والخمور.
نامعلوم صفحہ