66

عذراء قریش

عذراء قريش

اصناف

وكانت عائشة جالسة الأربعاء على وسادة من الخز في صدر الخيمة، فنظرت أسماء إليها فإذا هي ربعة ممتلئة الجسم تتلألأ الصحة والذكاء من عينيها، وفوقهما حاجبان متقاربان يشيران إلى ما أودعه الخالق فيها من الأنفة والمهابة، وقد تجلببت بجلباب من الحرير يغطي كل أثوابها فوقه نقاب يكسو رأسها فيزيدها جلالا ووقارا.

فاستأنست أسماء برؤيتها لشدة ما أشبهت محمدا حتى لا يشك الناظر إليها أنها أخته، وكانت قد علمت أنها قاربت الثالثة والأربعين من عمرها، فلما رأتها خيل إليها أنها دون الثلاثين لما في وجهها من إشراق وصحة وشباب.

فلما دخلتا حيتاها، وهمت العجوز بتقبيل يدها فمنعتها عائشة وقالت: «أهلا بك يا خالة، أهلا بك»، وأمرتها بالجلوس فجلست. وتقدمت أسماء في خفر واحتشام وقبلت يدها ووقفت متأدبة حتى أذنت لها في الجلوس، فجلست مطرقة لا تتكلم وقد ذهبت عنها جرأتها لتهيبها اللقاء.

فنظرت عائشة إلى العجوز وابتسمت كأن في نفسها أمرا تخشاه أو كأنها مشتغلة بأمرها، وقالت: «مرحبا بك يا خالة، ما الذي جاء بك إلينا؟ كيف فارقت محمدا؟»

قالت: «فارقته في خير وعافية، وقد بعثني إليك بهذه الفتاة أودعها عندك لتكون في كنفك حتى يجيء.» قالت ذلك وتبسمت.

فنظرت عائشة إلى أسماء فأعجبها ما فيها من الجمال والكمال، وأدركت مما علا وجهها من ظلال الحياء عند ذكر محمد أنها تحبه، فتبسمت ورنت إلى العجوز بعينيها مشيرة إشارة أثبتت ظنها.

فقالت لأسماء: «أهلا بالضيفة العزيزة وديعة أخي فأنت إذن أختي.»

فتوردت وجنتا أسماء خجلا ولم تجب.

فقالت عائشة: «أظنكما جئتما لتقيما عندي بمكة؟» قالت العجوز: «نعم يا مولاتي.»

قالت: «ولكنني شاخصة الآن إلى المدينة فاذهبا إلى بيتي بمكة حتى أعود، أو تعاليا معي إلى المدينة.» ثم التفتت إلى أسماء وقالت: «وما بالك لا تتكلمين؟»

نامعلوم صفحہ