قالت: «وما مرادك أنت؟» قال: «إني صريع حبك، فهل تأذنين؟»
فاحمر وجهها خجلا، وأرخت النقاب على وجهها ولم تجب.
قال: «زيديني بهذا الخجل غراما بك! قد عزمت يا أسماء أن أريحك وأنجيك من أبيك أو الذي يدعي أنه أبوك، وقد تركك منذ أيام ولا أظنك تعلمين مقره. وأما مروان فلا فضل لي في إنقاذك منه، وقد نال نصيبه.»
فلم يكد يذكر اسم مروان حتى تنهدت وقالت: «قبح الله مروان! إنه سبب هذا البلاء. وقد كنت أود قتله بيدي لأشفي غليلي منه.»
قال: «لا أظنه قتل وقد تركته في الدار يعصب عنقه على أثر جرح أصابه، دعينا منه ومن اسمه. أما أبوك الشيخ الغر فلا أظنه يجرؤ على الظهور بعد مقتل عثمان، وأرجو منك ألا تدعيه أباك بعد الآن فإنه بعيد عن هذا بعد الأرض عن السماء. وها أنا ذا ذاهب إلى بيت علي، وأظنه سيلي الخلافة لأنه أحق بها وأولى، وإنما دونها شقاق عظيم، فلا آمن من شر يصيبك إذا كنت في منزله فأرى أن أذهب بك إلى مأمن تبقين به حتى تهدأ الأحوال فنعيش معا بإذن الله، ألا ترين ذلك؟»
فأطرقت أسماء وقد هاجت أشجانها وتذكرت أباها غير آسفة لفراقه، ولكنها أسفت لفراقها نائلة وهي على حزنها واضطرابها وزوجها ملقى قتيلا. على أن اتقاد الحب في قلبها أنساها كل شيء إلا محمدا، وكانت أحبته من أول نظرة عندما ذكرت أمها اسمه، وأصبحت بعدما علمت منزلته من علي وأنه ابن أول الخلفاء شديدة الميل إليه. فظلت صامتة تهم بالكلام ويمنعها الحياء وقد تخلت عنها جرأتها، وانفثأت تلك الحمية التي كانت موضع إعجاب الرجال، وأحست بخفقان قلبها وهياج عواطفها، فأبرقت أسرتها وتلألأت عيناها كأن لسان حالها يقول: «إن الله يتمني ولكنه نظر إلي فحببني إلى خير أبناء الصحابة.»
وشعر محمد أنها تكتم حبه فلم يزد، وقال لها: «ما رأيك في أن أذهب بك الآن إلى إحدى ذوات قرباي في بعض أطراف المدينة، تقيمين عندها حتى تنقضي الأزمة التي نحن فيها ويبايع علي بالخلافة فيرجع الأمر إلينا، فنقيم في رغد وهناء بإذن الله؟» قال ذلك ومشى، ومشت في أثره حتى انتهى إلى منزل في طرف المدينة، وإذا بامرأة عجوز لم تكد ترى محمدا حتى همت به وقبلته مرحبة.
فقال لها: «جئتك بأعز شيء لدي فاحتفظي بها.» ثم التفت إلى أسماء وقال: «امكثي هنا يا أسماء ريثما أعود، ولا تضجري إذا طال غيابي.»
فقالت: «لا تنذرني بطول الغياب فقد لا أستطيع صبرا على البقاء.»
قالت العجوز: «لعلك خشيت الإقامة بيننا، والله لأقومن على خدمتك أكثر من خدمتي ابني هذا!» وأشارت إلى محمد، وأخذتها بيدها ودخلت بها، فودعهما محمد ومضى. •••
نامعلوم صفحہ