هناك في هذا المستطيل المغطاة أرضه بالقسوة، والمحددة أركانه بالشدة والصرامة، أقيمت آلة الصلب والتعذيب.
هناك في هذا المستطيل المخيف، وضعت ثلاث خيام جعلوا إحداها لتغسيل وتكفين المشنوقين، والثانية بمثابة سجن مؤقت للمعدمين، والثالثة للمحكوم عليهم بالجلد.
ففي الساعة الأولى بعد ظهر ذلك اليوم المشئوم جاء المتهمون يرسفون في السلاسل والأغلال، ومن حولهم جنود «الدراجون» يخفرونهم، كانوا يحملون البنادق خلف ظهورهم، والسيوف مسلولة في أيديهم. فكان منظر الموكب يدل على الرغبة في التمثيل بأولئك المساكين.
وفي الساعة الواحدة والنصف تماما، وقفت عربة على باب المستطيل، فنفخ «البروجي» في بوقه، فأدت الجند التحية للقادمين.
وهنالك في تلك الساعة في وسط المتسع بين آلة الموت وآلة التعذيب، وقف أولو الأمر بغير اكتراث يضحكون ويتسامرون، كأنهم في حفلة «سينما توجراف» والذي سيشاهدونه خيال في خيال!
هنالك على بعد خمسين مترا من المشنقة، وقفت النساء والرجال، والعذارى والأولاد فوق بيوتهم، فجذبت تلك الآلة الجهنمية إليها أنظارهم وحواسهم، فجمدت أبصارهم وتشنجت أعصابهم، فلم يكونوا أن يحولوا نظرهم عنها.
هنالك في تلك اللحظة تجلت الطبيعة بأبهة الجلال على بلدة دنشواي لتنظر إلى عمل الإنسان!
رب ما أحوج الإنسان إلى رحمة الإنسان!
ثم نودي على أول مشنوق وهو حسن علي محفوظ، فغصت الأفواه بريقها، واضطربت النفوس في جوانبها خوفا وفزعا من رؤية التمثيل الشنيع، وأديرت الأنظار هربا من مشاهدة ذلك العذاب الأليم.
فسار الرجل بقدمين ثابتتين، وهو تارة ينظر إلى المشنقة، وأخرى إلى آلة التعذيب بذهول كبير، فضحك أكبر الحاضرين مقاما وقتئذ من ذهول الرجل الذي هو على حافة القبر، وشر البلية ما يضحك!
نامعلوم صفحہ