عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
اصناف
كان الميل للأخذ بالحل الثاني أقل، ولم يكن الأمر يستدعي اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون أن يكون للاتحاد السوفييتي السبق في ذلك.
5
إذن، كان برنامج الفضاء في أمريكا، منذ البداية، يتضمن ثلاثة أنواع مختلفة من الأنشطة، ألا وهي جهود تطوير «آي جي واي»، وقمر «دبليو إس-117إل»، والرحلات الفضائية المأهولة. بدأت أنشطة رحلات الفضاء المأهولة مع السيناريوهات التي طرحتها مجلة «كوليرز»، وعندما تبلورت البرامج الحقيقية، حافظت البرامج على تركيز «كوليرز» القوي على إطلاق برامج تتسم بتوقعات مبالغ فيها والترويج الهائل لها. ونال مشروع «آي جي واي» حظه الوافر من الدعاية، التي بدأت بالإعلان عنه في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض بدعوة من السكرتير الصحفي للرئيس؛ جيمس هاجرتي. وبالطبع، لم يزد المؤتمر عن كونه مجرد تعمية عن المشروع الفضائي الحقيقي، بيد أن هاجرتي لم يكن يتحدث عن المشروع الحقيقي، بل لم يكن حتى يعرف به، في حقيقة الأمر.
في سبتمبر 1955 وجه نائب وزير الدفاع روبن روبرتسن تعليماته الرسمية إلى البحرية بالمضي قدما في مشروع قمرها الصناعي، مطلقا عليه مشروع «فانجارد». وكان هذا الاسم الذي يعني «طليعة » قدريا؛ حيث ظل الحزب الشيوعي يؤكد لعقود أنه يقف في طليعة الجهات العاملة في العالم. وفي موسكو، كان سيرجي كوروليف يمضي حثيثا في خطط التطوير.
على الرغم من أن كوروليف كانت تداعبه آمال الفضاء منذ العام الأول له في موسكو، لم تأته الفرصة الأولى للعمل الجاد في هذا الشأن إلا في عام 1948، وجاءت الفرصة من دراسات أجراها صديق قديم، يدعى ميخائيل تيخونرافوف، الذي كان كوروليف يعرفه منذ أيام الدراسة تلك، وكانا قد عملا معا في مجموعة موسكو لدراسة حركة رد الفعل (موسجيرد)، عندما كانت لا تزال تتخذ قبو الخمور مقرا لها، ثم انضما إلى معهد البحوث العلمية للدفع برد الفعل، على الرغم من أن تيخونرافوف لم يقع رهن الاعتقال خلال عمليات التطهير. يشير ياروسلاف جولوفانوف - كاتب سيرة حياة كوروليف - إلى «الحماس الوجداني وشطحات الخيال» لدى تيخونرافوف؛ إذ «كان يرسم لوحات باستخدام الزيت، ويجمع الخنافس الآكلة للأخشاب، وكان يدرس ديناميكا الطيران لدى الحشرات. كان ببساطة يعشق التعلم».
بعد الحرب، انضم تيخونرافوف إلى معهد صواريخ جديد كان سيحدد متطلبات سلاح صواريخ جاهز للعمل. وفي عام 1947، قرر تيخونرافوف بحث إمكانية تصميم قمر صناعي. صرح له رئيسه بتكوين مجموعة صغيرة من الزملاء المتحمسين، الذين أجروا العمليات الحسابية الخاصة ب «حزمة صواريخ»، وهي مجموعة من الصواريخ المتماثلة ترتد في مسار عمودي خلال صعودها عندما تستنفد ما فيها من وقود دفعي. وصارت المجموعة مقتنعة - من خلال التحليلات التي أجرتها - بأن تكنولوجيا الصواريخ في ذلك الوقت كانت تكفي لبناء حزمة صواريخ يمكنها إطلاق مركبة فضائية في مدار فضائي.
في يونيو 1948، تلقى تيخونرافوف دعوة لتقديم ورقة بحثية في أحد اجتماعات أكاديمية علوم المدفعية، وكان يعرف بطبيعة الحال ما كان يراد منه أن يقدمه، بيد أن الفكرة بدت غريبة للغاية، حتى إنه قرر أن يتحدث إلى رئيس الأكاديمية، الجنرال أناتولي بلاجونرافوف. قرأ الجنرال ورقته البحثية وقال: «لا يمكن أن نقدم هذه الورقة البحثية ضمن فعاليات الاجتماع؛ فلن يستوعبها أحد. وسيتهمونني بأنني أهتم بأمور لا حاجة لنا بالاهتمام بها.»
في ذلك المساء، عندما قرأ بلاجونرافوف الورقة مرة أخرى، بدأ يفكر أنه ربما لا يكون من السهل رفض هذه الورقة على أية حال. بالإضافة إلى ذلك، حث زملاء تيخونرافوف إياه على عدم التسليم بالرفض، ونصحوه بتقديم حجج أقوى وإعادة المحاولة مجددا. وبالفعل، عاد تيخونرافوف إلى الجنرال مرة أخرى، فابتسم الجنرال واستمع إليه بعناية؛ وفي النهاية، قرر الجنرال الموافقة قائلا: «حسنا، سنقدم الورقة. كن مستعدا، سنتعرض للإحراج معا.» كان يعلم ما سيواجهانه؛ إذ بعد أن قدم تيخونرافوف الورقة، نظر ضابط عسكري آخر صوب بلاجونرافوف وسأل قائلا: «ألا يوجد لدى المعهد ما يفعله حتى يناقش أمورا خيالية كهذه؟»
لكن كان كوروليف موجودا أيضا، واقترب من صديقه القديم وقال: «لدينا أمور مهمة علينا مناقشتها.» شارك بلاجونرافوف نفسه في المناقشات التي أعقبت ذلك، ثم رتب عمليات إطلاق عدة صواريخ طراز «في-2» من كابوستن يار كصواريخ تجريبية. وفي يونيو 1951، اتسع نطاق المشروع ليشمل وضع كلاب على متن الرحلات؛ وحلق كلبان، أطلق عليهما اسم «دزيك» و«تزجان»، إلى ارتفاع أكثر من مائة كيلومتر، ومرا بحالة انعدام وزن لمدة أربع دقائق، ثم سرعان ما لحق بهما سبعة كلاب أخرى في رحلات تالية.
كان كوروليف منهمكا بشدة خلال ذلك الوقت في إنجاز تصميمات الصاروخ «آر-3»، وكان يدرك تماما أن «آر-3» قادر تماما على حمل قمر صناعي، من خلال إضافة صاروخين لتولي مرحلتين إضافيتين، وكان هو وتخونرافوف قد خطا وثيقة، بعنوان «بحث حول قمر صناعي يدور حول الأرض»، وبدأت هذه الوثيقة تناقش أمورا فنية على نحو جاد. ثم صدر، في مايو 1954، القرار النهائي بالبدء في تطوير الصاروخ «آر-7» الباليستي العابر للقارات؛ وبعدها بستة أيام، كتب كوروليف خطابا إلى مجلس الوزراء قائلا: إن المشروع الحالي لتطوير صاروخ جديد تبلغ سرعته القصوى 7000 متر في الثانية، يتيح لنا على الأرجح التحدث عن إمكانية تطوير قمر صناعي أرضي في المستقبل القريب. وبتقليص وزن الحمولة نوعا ما، سيمكننا تحقيق سرعة 8000 متر في الثانية، وهي السرعة التي يحتاج إليها القمر الصناعي.
نامعلوم صفحہ