عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
اصناف
ظل شريفر هادئا، وأجاب: «لا يمكنني قبول هذا الأمر؛ لأن لدي أمرا سابقا وأهم. وعندما كلفت بهذه المهمة، وجهت إلي الأوامر بإدارة هذا البرنامج بحيث يتوافر في أقرب وقت ممكن صاروخ باليستي عابر للقارات.» ثم سأل إن كان تالبوت يمانع في إصدار أمر جديد، يكون كتابيا، لخفض أولوية التوجيه السابق.
يواصل رامو متذكرا: «اختفت الحمرة من وجه تالبوت، ثم شحب وجهه. لم يتفوه بأي تعليق وبدأ يحدق في المائدة، وهو ينقر عليها بعنف بواسطة قلم رصاص، ويحاول أن يستجمع شتات نفسه. وفي لحظات قليلة، عاد وجهه إلى طبيعته؛ وبكلمات مقتضبة للغاية قال إن قرار إرساء العقد سيظل كما هو. وبذلك، يكون شريفر قد نجح في اختبار مهم؛ لو استسلم ، لكان سيحتفظ بوظيفته لكنه كان سيفقد السيطرة على المشروع؛ وصار الآن مسيطرا على المشروع سيطرة كاملة.»
8
وهكذا، فقد احتفظ بوظيفته ورتبته أيضا.
كان شريفر يحتاج إلى هذا العناد لمواجهة التحديات الفنية، التي لم تكن مسبوقة في شدتها. وكانت عملية التوجيه غاية في الصعوبة؛ ففي أكتوبر 1954 توقعت هيئة الطاقة الذرية أن القنابل التي تزن ما بين 1500 و1700 رطل قد تخلف آثارا انفجارية تصل إلى ميجا طن كامل؛ ونجح «أطلس» بذلك في تقليص شرط مسافة إخطاء الهدف لتصل إلى خمسة أميال بحرية. ولكن إذا كان الصاروخ «أطلس» سيستخدم تكنولوجيا «في-2» في عملية التوجيه، فسيخطئ «أطلس» في إصابة موسكو بمقدار 150 ميلا، وهو ما كان أسوأ خمسمائة مرة من خطأ إصابة قاذفة مقداره 1500 قدم.
كان من الممكن أن يقل هذا الفرق الهائل في مستوى الدقة المطلوبة قليلا، إذا كان تقرير لجنة «تي بوت» قد خفف من صرامة شرط مسافة إخطاء الهدف ليصبح 3000 أو 4000 قدم بدلا من 1500 قدم؛ إذ يتساوى كلا الهدفين، مسافة 1500 قدم ومسافة 4000 قدم، في كونهما غير قابلين للتحقيق، وهو ما كان سيؤجل تنفيذ مشروع الصاروخ «أطلس» لسنوات طويلة قادمة. وبدا أن هدف خمسة أميال قدم أكثر قابلية للتحقيق، وهو ما منح المصممين هدفا جديرا بالسعي إلى تحقيقه. ومع ذلك، في عام 1954 كان هذا الهدف يشكل موضوعا للبحث أكثر من كونه هدفا يستطيع أي شخص تحقيقه.
لماذا لم تكن عملية التوجيه دقيقة؟ اعتمدت عملية التوجيه على بوصلات التوجيه الجيروسكوبية، التي كانت تتضمن عجلة تدور بسرعة وزنها عدة أرطال، وكان يتعين أن تكون حركة الأجزاء المكونة للعجلة على نفس المستوى من السرعة، وكانت هذه الأجزاء تنقل قوى الحركة إلى العجلة؛ مما يجعلها تنحرف عن اتجاهها الصحيح. وللتخلص من هذه القوى، كان لا بد من البحث عن طريقة لتركيب عجلة بوصلة جيروسكوبية باستخدام تروس بينية دقيقة، كالتروس الموجودة في ساعة المعصم؛ وقد تولى تشارلز ستارك درابر، أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هذا الأمر.
أحاط درابر بوصلة التوجيه الجيروسكوبية الثقيلة بعبوة، وجعل هذه العبوة المحكمة الغلق تطفو داخل سائل سميك القوام، وكانت البوصلة موضوعة داخل العبوة على حامل متحرك حال دون انحرافها عن مسارها. كان من الممكن أن يحول هذا الأمر البوصلة إلى أداة معدومة الفائدة، غير أن السائل جعل العبوة تطفو، ومن ثم تدعم وزن البوصلة؛ ومن ثم استطاعت البوصلة الدوران على محامل رفيعة، لا تحملها، وكانت غاية في الحساسية.
كان درابر قد استخدم هذه البوصلات الجيروسكوبية الطافية أثناء الحرب، في نظام ثابت للتحكم في الإطلاق. ولتحقيق متطلبات الدقة اللازمة في الصاروخ «أطلس»، كان عليه أن يتخلص من جميع مصادر الخطأ بعناية؛ وكان يتعين تسخين السائل، بحيث يتمدد قليلا ويصبح أقل قابلية للطفو، لتقليص وزن العبوة المحمل على التروس إلى صفر. وبالإضافة إلى ذلك، تطلبت البوصلات المناسبة إيلاء قدر أكبر من الاهتمام لعملية التخلص من الغبار.
نشرت مجلة «تايم»، مشيرة إلى مصنع صواريخ «فالكون»، قائلة: «لا يسمح بوجود أي ذرة غبار؛ فالهواء يتجدد عن طريق مراوح وفلاتر كل تسع دقائق، ويراعى الحفاظ على ضغط هواء إيجابي داخل المبنى بحيث يصدر أي تسرب هوائي إلى الخارج، لا إلى الداخل. ولا يسمح للمهندسين في غرفة التصميمات بتمزيق ورق أو استخدام ممحاة (فكلاهما يصدر غبارا)، ويتعين على جميع الموظفين ارتداء معاطف من النايلون».
نامعلوم صفحہ