عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
اصناف
كان ترومان يسعى إلى حفظ التوازن بين القوات من خلال تصنيع القنبلة الذرية، والاحتفاظ بها كعامل توازن. وخلال عام 1949، فجر كرتشاتوف قنبلته الخاصة وقوض تلك السياسة أيضا. وفي الوقت نفسه، سقطت الصين في يد الشيوعيين الموجودين فيها، وهي الواقعة التي أثارت شبح استحواذ قوة عالمية على أسلحة نووية، تتلقى تسليحها من الصناعة السوفييتية التي كانت قد هزمت هتلر، وتستعين بقوات الاحتياط غير المحدودة للقوى البشرية الصينية.
كان رد فعل ترومان المبدئي هو ترسيخ ميزته النووية؛ فوافق على خطط التوسع في إمدادات اليورانيوم والبلوتونيوم اللذين يدخلان في صناعة القنابل النووية، وزاد معدل إنتاج القنابل الذرية، وأطلق برنامجا كبيرا لبناء القنبلة الهيدروجينية. وفي أبريل 1950، صدق على ورقة سياسة عامة وضعها مجلس الأمن القومي تعرف باسم «إن إس سي-68»، ونصت الورقة على أن الولايات المتحدة ستكرس ما يصل إلى 20 في المائة من ناتجها القومي الإجمالي لصالح الأغراض العسكرية، وستقاوم أي تهديد شيوعي في أي مكان في العالم.
بعد ذلك بشهرين، اندلعت الحرب الكورية؛ مما زاد من ضرورة إنتاج القنابل النووية إلى أقصى درجة، ووصل مخزون القنابل النووية في الولايات المتحدة - الذي بلغ 56 قنبلة ذرية في عام 1948 - إلى 300 قنبلة نووية في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، ثم وصل إلى 832 قنبلة نووية بعد ذلك بعامين. وزاد كثيرا نشاط القيادة الجوية الاستراتيجية التي كانت تنتج هذه القنابل. ونظرا لأن الدفاعات الجوية السوفييتية كانت ضعيفة، كانت القاذفة «بي-36» تعتبر قاذفة لا تقهر، على الرغم من أنها كانت تعمل عن طريق المكابس وكانت بطيئة الحركة نسبيا. بالإضافة إلى ذلك، اشترت القوات الجوية أكثر من ألفي قاذفة نفاثة طراز «بي-47»؛ وفي ظل إمكانية تزويد القاذفات «بي-47» بالوقود أثناء تحليقها، أمكن زيادة مداها كيفما اتفق. وفي عام 1952، انطلقت القاذفة «بي-52» في أول رحلة لها، وسادت مجال القذف الاستراتيجي لمدة عقود، حتى وضعت الحرب الباردة أوزارها أخيرا.
في ظل هذا التركيز الهائل على القوة الجوية، لم يطرأ سوى تغيير طفيف على خطوة أمريكا الأولى نحو الصواريخ البعيدة المدى؛ وحدث ذلك في مدينة هانتسفيل في ألاباما، وهي مدينة زراعية صغيرة تشتهر بنبات البقلة، والقطن، والناموس. وبالقرب من المدينة، كان الجيش الأمريكي قد بنى ترسانة حربية لتصنيع الغازات السامة والأسلحة الكيماوية. وبعد الحرب، شاركت إدارة التسليح في الجيش في عمليات الإنتاج والتطوير في هذه الترسانة، وكانت إدارة التسليح في حاجة إلى مركز صواريخ، وبدت منشآت هانتسفيل - المعروفة باسم ترسانة «ردستون» - موقعا جذابا. وعلى أي حال، إذا كان سكان المدينة الطيبون قد استطاعوا التكيف مع إنتاج غاز الفوسجين وغاز الخردل، فربما لن يعترضوا إذن على هذه الصواريخ، خاصة إذا كان البديل هو جمع القطن مقابل دولار أمريكي واحد لكل مائة رطل. وكان كثير من المواطنين يعيشون في أحياء فقيرة - حي بوجرتاون للبيض، وحي هانيهول للسود - ولم تكن سوق العمل المحلية كبيرة بما يكفي.
فتح مركز صواريخ إدارة التسليح الجديد أبوابه في يونيو 1949، وكانت المهام الأولى للمركز تتمثل في تطوير صواريخ حربية: صاروخ «كوربورال» من إنتاج مختبر الدفع النفاث، وهو صاروخ وقود صلب يسمى «أونست جون»، وسلسلة صواريخ «نايكي» المضادة للطائرات التي كان يجري إنتاجها بموجب عقد مع شركة «بيل لابس». وسرعان ما صدق سكرتير الجيش على انتقال فيرنر فون براون وزملائه المخضرمين - الذين كانوا يمرون بحالة من فتور الهمة في فورت بليس منذ نهاية الحرب - في بينامونده إلى «ردستون». ووصلوا إلى «ردستون» في أبريل 1950، ثم أثير سؤال حول أوجه الاستفادة بهم المحتملة، وكانت الإجابة هي إمكانية الاستعانة بهم في البحوث المستمرة على النماذج الصاروخية الممكنة التي تنبني على الصاروخ «في-2»، والتي كانت تجريها شركة جنرال إلكتريك منذ عام 1946، دون أن تحقق تقدما ملموسا. وبفضل فون براون، اكتسب هذا النموذج الصاروخي بالفعل اهتماما كبيرا، وهو الاهتمام الذي ترجم إلى صاروخ باسم «ردستون».
كان من المتوقع أن يحمل الصاروخ «ردستون» رأسا حربية نووية، بيد أن مداه الذي كان يبلغ مائتي ميل جعله لا يزيد عن مجرد نموذج مطور للصاروخ «في-2». وكان محرك الصاروخ «ردستون» عبارة عن محرك قديم مستعمل في القوات الجوية، وهو محرك بقوة 75 ألف رطل كان ويليام بولاي قد صممه في شركة «نورث أمريكان أفياشن» لاستخدامه في صاروخه «نافاهو»، ثم توقف عن تطويره عندما تزايدت متطلبات دفع الصاروخ. وعندما بحثت إدارة التسليح في الجيش عن شركة لبناء الصاروخ «ردستون»، اكتشف المسئولون في الإدارة أن شركات صناعة الطائرات لم تكن مهتمة؛ فقد كان المديرون التنفيذيون في هذه الشركات يعتقدون، عن حق، أن الجيش لن يواصل طريقه في تطوير صواريخ الوقود السائل الكبيرة حتى النهاية، ولن يقدم عقودا جديدة. وحصلت شركة «كرايسلر» على العقد، وهي إحدى شركات السيارات الثلاث الكبرى التي تولت تطوير ردستون باعتباره مهمة إنتاج بسيطة.
كان من المنتظر أن يصبح الصاروخ «ردستون» جاهزا عندما تحتاج إليه البلاد، ليس للأغراض الحربية بل لإطلاق أول قمر صناعي أمريكي في عام 1958، ولإرسال أول رائد فضاء أمريكي، وهو آلان شبارد، إلى الفضاء في عام 1961. وبالإضافة إلى ذلك، ساعد تطوير صاروخ «ردستون» في إبقاء فون براون وزملائه منشغلين سنوات عديدة، بينما كانوا ينتظرون فرصة قيادة الجهود داخل البلاد للصعود إلى الفضاء. ومع ذلك، كانت أهمية الصاروخ تتضاءل عند مقارنتها بقاذفات القوات الجوية.
الصواريخ الأمريكية في فترة ما بعد الحرب: الصاروخ «في-2» من تصميم شركة «دبليو إيه سي كوربورال»، الصاروخ «إيروبي»، الصاروخ «فايكنج»، الصاروخ «كوربورال»، الصاروخ «ردستون» (دان جوتيه).
كانت هذه القاذفات في حقيقة الأمر هي موضوع التفاوت الرئيسي بين تباطؤ القوات الجوية في دخول مجال الصواريخ البعيدة المدى وحماس السوفييت إلى بنائها في أقرب وقت ممكن. بالنسبة إلى ستالين ومساعديه المقربين، كانت أهم مشكلة استراتيجية تكمن في العثور على طريقة لتوجيه ضربة إلى الولايات المتحدة، وكانوا يخصصون اعتمادات مالية هائلة لصالح أي مشروعات تخدم تلك الأغراض، مثل القاذفات النفاثة، وصواريخ «كروز» التي تعتمد على المحركات النفاثة ذات الدفع الهوائي، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي هي من تصميم كوروليف. ولم يكن الأمر على هذا القدر من الأهمية بالنسبة إلى القوات الجوية؛ إذ كانت البلاد تمتلك ما تحتاج إليه في القيادة الجوية الاستراتيجية. وكانت هذه المواقف المتعارضة تشبه ما كانت عليه الأوضاع عام 1943، عندما أجبرت قاذفات قوات الحلفاء ذات التكنولوجيا البسيطة هتلر على المجازفة باستخدام الطائرات الاعتراضية النفاثة والصواريخ الألمانية.
غازلت القوات الجوية لفترة قصيرة شركة «كونفير» لتطوير صواريخ «إم إكس-774»، لكنها مع ذلك لم تواصل سعيها في المشروع. وظلت مؤسسة «راند» - وهي مركز بحثي يقع مقره في لوس أنجلوس - تضع هذا المجال نصب عينيها. وفي ديسمبر 1950، أشارت مؤسسة «راند» في أحد تقاريرها إلى أن تصميم صواريخ بعيدة المدى صار أمرا غير بعيد المنال؛ وبعدها بشهر، منحت القوات الجوية شركة «كونفير» عقدا لإجراء دراسة جديدة، داعية شارلي بوسار وزملاءه إلى إعادة تقييم نموذج الصاروخ الباليستي البعيد المدى الذي كان قد وضع تصميمه في وقت سابق. وفي أغسطس 1951، أطلق بوسار على الصاروخ اسم «أطلس»، على غرار اسم الشركة الأم لشركة «كونفير»؛ شركة «أطلس كوربوريشن».
نامعلوم صفحہ