عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

محمد سعد طنطاوي d. 1450 AH
193

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

اصناف

يتذكر سام هوفمان، رئيس شركة «روكيت داين» خلال مشروع «أبولو»، ذلك قائلا: «تبدأ خطة هذا المشروع بإعداد قائمة بالأجزاء والمكونات الرئيسية المطلوبة. يجب أن يتضمن ذلك مجموعة غرف الدفع. وهذا بدوره سيتطلب مجموعة مضخات توربينية، وحاقنا، وحلقا وفوهة. إنني أدون هذه الكلمات، وأترك مساحة خالية كبيرة تحت كل منها، ومن خلال معرفتي بالصواريخ أستطيع إعداد قائمة بمجموعات فرعية أخرى يتألف منها كل مكون رئيسي؛ ثم يمكنني إجراء مزيد من التقسيم، وصولا إلى مستوى الأجزاء الفردية.

لكل جزء ولكل مجموعة فرعية تصميم خاص، رسم هندسي خاص. في نهاية المطاف، سيتوافر لدي في خطتي خمسمائة أو ألف رسم، وبمعرفة عدد المهندسين المتوافرين لدي، وسرعة تنفيذهم للمهام الموكلة إليهم، أستطيع أن أقدر الوقت المستغرق في إعداد التصميم. إذا كنت في حاجة إلى فولاذ سبيكي، يمكنني أن أسارع في طلبه كعنصر إنتاج طويل الأمد حتى لا يشكل عائقا فيما بعد. إذا أردت الانتهاء من التصميم على نحو أسرع، يمكنني أن أستعين بمزيد من الأفراد؛ هكذا تمضي خطتي.»

1

طرح المقترح الكامل للمحرك الرئيسي للمكوك الفضائي، الذي ظفر بالعقد، في مجموعة من الوثائق بلغ طولها عدة أقدام. بالإضافة إلى ذلك، كان كاستنهولتس قد استخدم 3 ملايين دولار أمريكي من أموال الشركة لبناء نموذج تجريبي لغرفة الدفع، يخضع لنظام تبريد استرجاعي ومزود بحاقن يشبه الحاقن الذي سيستخدم في عملية الإطلاق في نهاية المطاف. في فبراير 1971، جرى تشغيل هذا المحرك على منصة اختبار لمدة نصف ثانية، وهو ما كان كافيا لقياس أدائه، ولكن ليس بالقدر الذي يؤدي إلى حدوث ثقب في الجانب بفعل الاحتراق.

كان من المفترض أن يصدر المحرك الرئيسي للمكوك الفضائي قوة دفع مقدارها 470 ألف رطل، من خلال حرق الهيدروجين والأكسجين. كان محرك «جيه-2»، الذي كان يستخدم الوقود نفسه، قد أنتج قوة دفع مقدارها 230 ألف رطل. بالإضافة إلى ذلك، كان من المفترض أن يعمل المحرك الرئيسي للمكوك الفضائي عند ضغط 3260 رطلا لكل بوصة مربعة، أكثر من مائتي مرة قدر الضغط الجوي، في مقابل 780 رطلا لسابقه. هذا الضغط الهائل من شأنه أن يعزز أداء المحرك، بينما يسمح له بإنتاج قوة الدفع الخاصة به في نطاق عبوة مضغوطة. لكن تشغيله كان في منتهى الصعوبة. وضع أول محرك كامل على منصة اختبار في مايو 1974، حيث جرى تشغيله مجددا لمدة نصف ثانية، وخلال السنوات الخمس التالية، توالت مشكلات كبرى على برنامج المحرك الرئيسي للمكوك الفضائي، واحدة تلو الأخرى.

بدأت المشكلات مع المضخات التوربينية. كانت مضخة الوقود التوربينية متواضعة الحجم؛ حيث كان طولها أربع أقدام وقطرها ثماني عشرة بوصة تقريبا؛ كانت في حجم محرك خارجي كبير، لكن لكي يضخ الهيدروجين السائل عند معدل التدفق والضغط اللازمين، كان لا بد من أن توفر قدرة 76 ألف حصان. كانت هذه القدرة تفوق القدرة التي استخدمت في قيادة سفن بحرية عملاقة مثل «موريتانيا» في أوائل القرن، في عصر كانت غرف المحركات والغلايات تغطي معظم المسافة من مقدمة السفينة إلى مؤخرتها.

كانت الصعوبة الأولى تتمثل في أن عمود إدارة التوربين لم يكن مثبتا بإحكام في محامله؛ إذ كان يهتز في حركة دائرية. عند سرعة 37 ألف دورة في الدقيقة، أدى الاهتزاز إلى إتلاف المحامل سريعا. كان الحل هو تقوية المحامل وتعزيزها، بيد أن الأمر استغرق ثمانية أشهر لمعرفة الطريقة المثلى لإنجاز ذلك.

ثم ظهرت مسألة تبريد هذه المحامل وتشحيمها. لم يكن من الممكن استخدام أي نوع من الزيوت؛ إذ كان من الضروري استخدام الهيدروجين السائل. بما أن ذلك كان يشبه تشحيم محرك نفاث بالماء، فقد تطلب الأمر بعض الجهد. اتضح أن إحدى مجموعات المحامل لم تكن تحصل على كمية كافية من الهيدروجين، فقد تسخن أكثر من اللازم؛ ومن ثم تتوقف عن العمل. اقتضى الحل إعادة تصميم القنوات المسئولة عن إمداد هذه المحامل بالهيدروجين، واستغرق ذلك ستة أشهر أخرى.

ظهرت مشكلة ثالثة، وهي أرياش التوربين. كان أحد أجزاء التوربين يحتوي على ثلاث وستين ريشة، كل منها في حجم طابع بريد. كان كل منها يولد قدرة مقدارها ستمائة حصان، وهو ما يماثل قدرة سيارة في سباق إنديانابوليس. كانت الأرياش واقعة تحت إجهاد شديد، وكان من المحتمل أن تتعرض للكسر. كانت المشكلة تعود إلى الاهتزاز، وهو من أكثر المشكلات المعروفة لدى المهندسين، وجرى إصلاحها في نهاية المطاف، واستغرق هذا الأمر ستة أشهر أخرى.

بينما كان العمل يتقدم (ببطء) في مضخة الوقود التوربينية، كانت مضخة الأكسجين التوربينية أيضا قيد التطوير. صادفت المضخة مشكلات كبرى أيضا، كانت صعوبة إيجاد حلول لها وإصلاحها أصعب. عندما تعرضت مضخة توربينية لمشكلة ما، فإنها تعطلت وتوقفت عن العمل. تسبب تعطل مضخة الوقود التوربينية ببساطة في فقدان المحرك قدرته. استطاع المهندسون فك المضخة والبحث عن سبب العطل، إلا أن مشكلة مضخة الأكسجين التوربينية تسببت في إلحاق ضرر بالغ بالمحرك.

نامعلوم صفحہ