عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

محمد سعد طنطاوي d. 1450 AH
165

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

اصناف

مع تبلور هذه الجهود التي أعقبت «أبولو»، تقدم مسئولون آخرون بمقترحات أخرى. كان من بين هذه المقترحات حامل منظار «أبولو» الذي كان من المقرر أن يحمل مرصدا شمسيا في مدار محدد، فضلا عن معدات لدراسة الشمس عند أطوال موجية للأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية، وهي الأشعة التي يحجبها الغلاف الجوي. ثم تطلب حامل منظار «أبولو» بعد ذلك صاروخين طراز «ساتورن 1-بي»، أحدهما لحمله عاليا للالتحام بالمحطة المدارية، والآخر لحمل طاقم المركبة.

كانت خطة هذه البعثة تدور حول فكرة «ورشة العمل المبللة»، وهي الصاروخ «ساتورن 4-بي» الذي كان خزانه الرئيسي يحوي الهيدروجين السائل، والذي استخدم فيما بعد كمقر لإقامة رواد الفضاء. كان من المقرر أن يوفر حيزه الداخلي الذي تبلغ سعته 9550 قدما مكعبة مساحة كبيرة، بينما كانت الألواح الشمسية - الموضوعة على الجسم الخارجي من هذه المرحلة وتعمل في المدار - ستوفر 5 كيلو وات من الطاقة. كأسلوب بديل لهذه الخطة، كانت «ورشة العمل الجافة» تتطلب محطة فضائية كاملة يجري تجميعها في الأرض، مع الالتحام بحامل منظار «أبولو» منذ البداية . كان هذا النموذج يتجنب مشكلات بناء محطة يتعين أن يحوي حيزها الداخلي وقود صواريخ. كان من المقرر أن يحمل هذا النموذج معدات أكثر تعقيدا، فضلا عن أكسجين إضافي ومؤن طواقم العمل، وهو ما كان يسمح لهم بالبقاء فترة أطول في الفضاء.

بلغ وزن المحطة الفضائية في شكلها النهائي 165 ألف رطل، كان الأمر يتطلب الصاروخ «ساتورن 5» لإطلاقها. بدا هذا الشرط بعيد المنال للحظة، واضطر جيمس ويب من وكالة ناسا أن يبذل قصارى جهده لإقناع الكونجرس ومكتب الإدارة والموازنة بأن «أبولو» تحتاج إلى خمس عشرة مركبة على الأقل من مركبات الإطلاق هذه، ولم يكن يسمح بالإشارة إلى إمكانية استخدام أي منها في برنامج «تطبيقات أبولو». لكن خلال النصف الأول من عام 1969، أصبح تحقيق النجاح الكامل وشيكا مما زاد من إمكانية توفير صواريخ «ساتورن 5»، وبنهاية شهر يونيو، نجح مولر في تحويل تركيز البرنامج من مفهوم ورشة العمل المبللة إلى مفهوم ورشة العمل الجافة. في 22 يوليو، بينما كانت «أبولو 11» لا تزال في طريق عودتها، صار القرار نهائيا. كان من المقرر أن تستخدم محطة «سكايلاب» الفضائية الصاروخ «ساتورن 5»، بينما كان مقررا أن تحمل ثلاثة صواريخ طراز «1-بي»، يجري إطلاقها تباعا، مركبة «أبولو» الفضائية التي تحمل على متنها طاقما من ثلاثة أفراد يعيشون داخلها.

في تلك الأثناء، مع تبلور خطط «سكايلاب»، لم يكن الوقت مبكرا جدا حتى يتصور مخططو ناسا المحطة الفضائية «التالية». كان النموذج الذي برز عبارة عن مركبة مأهولة دائما بطاقم من اثني عشر شخصا. على الرغم من ذلك، أوضحت دراسات ناسا أنه في مشروع كهذا لم يكن «ساتورن 1-بي» ليتمكن من أداء المهمة. بلغت التكلفة المقدرة لكل رحلة 120 مليون دولار أمريكي، وعلى الرغم من أن هذا السعر مقبولا بالنسبة إلى «سكايلاب»، التي لم تكن في حاجة إلا لبضع عمليات من عمليات الإطلاق هذه، كانت المحطة الفضائية التالية تتطلب الكثير من الرحلات، حتى إن الجانب الأعظم من الميزانية كان سيخرج لما لا يزيد عن الإجراءات اللوجيستية المتعلقة بإعادة تجهيز هذا المختبر المداري.

استجابة لذلك ، سعت ناسا إلى أساليب جديدة لإطلاق رحلات فضائية منخفضة التكلفة. كان للقوات الجوية نشاط واضح في هذا المجال بالفعل، وكانت نقطة انطلاقها تدور حول جهود فترة الستينيات من القرن العشرين، التي أسفرت عن تطوير صواريخ ضخمة تعمل بالوقود الصلب لاستخدامها كصواريخ تعزيز. على عكس صواريخ الوقود السائل التي كانت حساسة ودقيقة، كانت صواريخ الوقود الصلب الضخمة تشتمل على أغطية صواريخ خارجية كان يمكن لترسانة سفن - على وجه التحديد، شركة «صن شيببلدينج آند دراي دوك» - أن تصنعها بنجاح.

في سبتمبر 1964، أطلقت شركة «إيروجت» محركا بقطر 120 بوصة قرب ميامي، بقوة دفع 600 ألف رطل. كان لدى شركة «لوكهيد» في تلك الأثناء محرك قطره 156 بوصة، بقوة دفع 1,2 مليون رطل خلال دقيقتين ونصف. تجاوز صاروخ مشابه من شركة «ثيوكول» ثلاثة ملايين رطل في أوائل عام 1965؛ لكن، كان المشروع الذي انصبت عليه أعين الناس هو مشروع ناسا. كان قطر محرك ناسا 260 بوصة، بنته شركة «إيروجت».

كان تشغيل هذا المحرك العملاق صعبا للغاية؛ كان الحل يتطلب صاروخ وقود صلب يوفر قوة دفع ربع مليون رطل، مصدرا ألسنة لهب بارتفاع ثمانين قدما من شأنها أن تشعل سطح الوقود الصلب في الصاروخ الكبير في الحال. تطلب صاروخ الإشعال هذا جهاز إشعال خاصا به، وهو محرك وقود صلب زنة مائة رطل وبقوة دفع 4500 رطل. احتفظ بهذا المحرك الذي كان محيطه 260 بوصة في فوهة اختبار حيث كانت مقدمته متجهة لأعلى. جرت عملية إطلاق ليلية في فبراير 1966، قرب ميامي مجددا، فارتفعت ألسنة اللهب والأدخنة حتى 7500 قدم في الهواء؛ حيث رآها الناس على مسافة مائة ميل تقريبا. سجلت عملية إطلاق أخرى، في يونيو 1967، رقما جديدا حيث حققت قوة دفع بلغت 5,7 ملايين رطل.

في الوقت نفسه، كانت القوات الجوية تبني مركبة إطلاق جديدة عبارة عن مركبة نقل ثقيل بوضع صاروخي وقود صلب قطرهما 120 بوصة على جانبي الصاروخ «تايتان 2». كان هذا الصاروخ ذو المرحلتين يتميز في حقيقة الأمر بإمكانية استخدام أنواع الوقود السائل القابل للتخزين، وهو ما كان يقلل من تعقيده. بلغت قوة الدفع في كلا صاروخي الوقود الصلب 2,4 مليون رطل عند انطلاقهما من المنصة. تضمنت حزمة الصواريخ الكاملة وضع صاروخ مرحلة ثالثة أعلى الصاروخ «تايتان 2»، مع توافر إمكانية إعادة التشغيل في الفضاء ونقل حمولته من مدار إلى آخر. كانت مجموعة التجميع هذه، المكونة من ثلاثة صواريخ مرحلية بالإضافة إلى صاروخي وقود صلب، هي الصاروخ «تايتان 3». انطلق الصاروخ للمرة الأولى في يونيو 1965، حاملا 21 ألف رطل إلى مدار فضائي، وعلى الرغم من أن هذه الحمولة لم تكن تتضمن أكثر من قرميد من الرصاص، سرعان ما ظهرت المركبة الفضائية الحقيقية في أعقاب ذلك.

كانت شركة «مارتن» هي من تولت تصنيع هذا الصاروخ. بعدها بسنوات قليلة، عندما دخل «تايتان 3» مجال الخدمة وترك سجلا من التجارب، أعلنت شركة «مارتن» أن صاروخ التعزيز هذا يستطيع إطلاق حمولات بتكلفة 435 دولارا أمريكيا لكل رطل، ضاربا بذلك الرقم القياسي لتكلفة الصاروخ «ساتورن 5» البالغة 650 دولارا أمريكيا لكل رطل، والتي حققها الصاروخ «ساتورن» من خلال توزيع تكلفة إطلاقه على ربع مليون رطل من الأحمال. بالإضافة إلى ذلك، كان الصاروخ «تايتان 3» ينطوي على إمكانية كبيرة لمزيد من التطوير. من خلال الاستعاضة عن صواريخ التعزيز المثبتة به البالغ قطرها 120 بوصة بالوحدات البالغ قطرها 156 بوصة، أمكن إطلاق 100 ألف رطل إلى مدار فضائي بزيادة طفيفة في تكلفة الإطلاق، وهو ما كان من شأنه أن يقلل التكلفة لكل رطل إلى ما يقرب من 100 دولار أمريكي.

كانت ناسا أيضا ترغب في أن تصير التكلفة 100 دولار أمريكي لكل رطل، فاستعانت بالشركات المتعاقدة معها من أجل تقديم أفكار من خلال تمويل سلسلة من الدراسات في أوائل عام 1969. اقترح أحد الأساليب المفيدة ماكس هانتر من شركة «لوكهيد»، الذي كان كبير مهندسي التصميم في برنامج الصاروخ «ثور» قبل أكثر من عقد؛ إذ اقترح مركبة إطلاق ومعاودة ولوج متكاملة، من شأنها أن تقلل التكاليف من خلال إمكانية إعادة الاستخدام. لم يستطع الصاروخ «ساتورن 1-بي» أو «تايتان 3» الانطلاق سوى مرة واحدة قبل أن يسقطا في المحيط، بينما كانت مركبة الإطلاق ومعاودة الولوج المتكاملة تستطيع الانطلاق مرارا وتكرارا ، مثل أي طائرة. كان من المقرر أن تضع هذه المركبة مكونات صاروخ التعزيز الباهظة الثمن في مركبة رئيسية، وكانت هذه المكونات تتمثل في محركات الصاروخ والتجهيزات الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر على متن المركبة ونظم الحفاظ على حياة طواقم العمل، وما شابه ذلك. أما فيما يتعلق بوقود المحركات الرئيسية، فكان من المقرر تخزينه في مجموعة كبيرة من الخزانات القابلة للاستهلاك التي كان من المفترض تثبيتها بالغطاء الخارجي للمركبة الرئيسية. كان من المقرر إفلات الخزانات مع اقتراب مركبة الإطلاق ومعاودة الولوج المتكاملة من المدار؛ حيث ستحترق عن آخرها في الجو. لكن، لم تكن هذه الخزانات باهظة الثمن، وكان من الممكن أن تنخفض المركبة الرئيسية في مركبة الإطلاق ومعاودة الولوج المتكاملة، المتوسطة الحجم، عبر الغلاف الجوي لتهبط على مدرج هبوط.

نامعلوم صفحہ