بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن سَيّده ﵀ فِي بَاب الْعدَد: قَالَ صَاحب الْعين: الْعد: إحصاء الشَّيْء، عددته أعده عدا وتعدادا، وعددته. وَالْعدَد: مِقْدَار مَا يعد، وَالْجمع أعداد وَكَذَلِكَ الْعدة. وَقيل: الْعدة مصدر كالعد. وَالْعدة: الْجَمَاعَة قلت أَو كثرت.
والعديد: الْكَثْرَة. وَهَذِه الدَّرَاهِم عديد هَذِه: إِذا كَانَت فِي الْعدة مثلهَا. وهم عديد الْحَصَى وَالثَّرَى. أَي بِعَدَد هذَيْن الكثيرين. وهم يتعادون ويتعددون على كَذَا: أَي يزِيدُونَ عَلَيْهِ. أَبُو عبيد: عددتك وعددت لَك. غَيره: عادهم الشَّيْء: إِذا تساهموه بَينهم. وهم يتعادون: إِذا اشْتَركُوا فِيمَا يُعَاد بَعضهم بَعْضًا من مَكَارِم، أَو غير ذَلِك من الْأَشْيَاء كلهَا وَقَالَ أَبُو عبيد فِي قَول لبيد:
(تطير عدائد الأشراك ...)
العدائد: من يعاده فِي الْمِيرَاث.
غَيره: عدادك فِي بني فلَان: أَي تعد مَعَهم فِي ديوانهم.
وَمَا أَلْقَاهُ إِلَّا عدَّة الثريا الْقَمَر، وَإِلَّا عداد الثريا الْقَمَر، وعداد الثريا من الْقَمَر: أَي إِلَّا مرّة فِي السّنة وَقيل: هِيَ لَيْلَة من الشَّهْر تلتقي فِيهَا الثريا وَالْقَمَر. وَبِه مرض عداد مِنْهُ،
1 / 19
وَقد قَدمته.
وَقَالَ صَاحب الْعين الْحساب: عدك الْأَشْيَاء، حسبت الشَّيْء أَحْسبهُ حسابا وحسابة وحسبة وحسبانا.
وحسبانك على الله: أَي حِسَابك. وَقَوله ﷿: ﴿يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب﴾ . اخْتلفت فِي تَفْسِيره، فَقَالَ بَعضهم: بِغَيْر تَقْدِير على أحد بِالنُّقْصَانِ. وَقَالَ بَعضهم: بِغَيْر محاسبة، مَا يخَاف أحدا أَن يحاسبه عَلَيْهِ.
وَرجل حاسب من قوم حسب وحساب.
غَيره: الْوَاحِد: أول الْعدَد، وَكَذَلِكَ الوحد والأحد.
قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن قَوْلهم: وَاحِد جرى فِي كَلَامهم على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا أَن يكون اسْما. وَالْآخر أَن يكون وَصفا. فالاسم الَّذِي لَيْسَ بِصفة قَوْلهم: وَاحِد الْمُسْتَعْمل فِي الْعدَد، نَحْو وَاحِد، اثْنَان، ثَلَاثَة، فَهَذَا اسْم لَيْسَ بِوَصْف.
كَمَا أَن سَائِر أَسمَاء الْعدَد كَذَلِك. فَلَا يجْرِي شَيْء مِنْهَا على مَوْصُوف، على حد جري الصّفة عَلَيْهِ. وَأما كَونه صفة، نَحْو قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُوحى إِلَيّ أَنما إِلَهكُم إِلَه وَاحِد﴾، وَلما جرى على الْمُؤَنَّث لحقته عَلامَة التَّأْنِيث، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة﴾، كقائم وقائمة.
وَمن ذَلِك قَوْله:
1 / 20
(فقد رجعُوا كحي واحدينا ...)
فَأَما تكسيرهم لَهُ على فعلان فِي قَوْله:
(أما النَّهَار فأحدان الرِّجَال لَهُ ... صيد ومجترئ بِاللَّيْلِ هماس)
فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ صفة، قد يسْتَعْمل اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء، فكسروه على فعلان، كَمَا قَالُوا: [رَاع ورعيان، فجعلوه كحاجر وحجران، كَمَا جعلُوا] الأباطح بِمَنْزِلَة [الأفاكل] والأرامل.
وَقد استعملوا أحدا بِمَعْنى وَاحِد الَّذِي هُوَ اسْم، وَذَلِكَ قَوْلهم: أحد وَعِشْرُونَ.
وَفِي التَّنْزِيل: ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ .
وَقد أنثوه على غير بنائِهِ، فَقَالُوا: إِحْدَى وَعِشْرُونَ، وَإِحْدَى عشرَة، فاستعملوه مضموما إِلَى غَيره.
قَالَ أَبُو عمر: وَلَا يَقُولُونَ: رَأَيْت إِحْدَى، وَلَا جَاءَنِي إِحْدَى حَتَّى يضم إِلَى غَيره.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: وَاحِد، وَأحد، ووحد بِمَعْنى. وَالْحَادِي فِي الْحَادِي عشر كَأَنَّهُ
1 / 21
مقلوب الْفَاء إِلَى مَوضِع اللَّام. وَإِذا أجري هَذَا الِاسْم على الْقَدِيم سُبْحَانَهُ جَازَ أَن يكون الَّذِي [هُوَ وصف كالعالم والقادر، وَجَاز أَن يكون الَّذِي] هُوَ اسْم كَقَوْلِنَا: شَيْء. وَيُقَوِّي الأول قَوْله تَعَالَى: ﴿وإلهكم إِلَه وَاحِد﴾ . وَقَوله:
(يحمي الصريمة أحدان الرِّجَال لَهُ ... صيد ومستمع بِاللَّيْلِ هماس)
قَالَ ابْن جني: همزَة أحدان بدل من وَاو لِأَنَّهُ جمع وَاحِد الَّذِي بِمَنْزِلَة من لَا نَظِير لَهُ، وَلَيْسَ أحدان جمع وَاحِد الَّذِي يُرَاد بِهِ الْعدَد لِأَن ذَلِك لَا يثنى وَلَا يجمع، أَلا ترى أَنهم قد استغنوا عَن تثنيته، وَعَن جماعته بِثَلَاثَة وَقد قَالَ الشَّاعِر:
(وَقد رجعُوا كحي واحدينا)
)
أَي منفردين. وَفَاء أحدان وَاو. فَأَما قَوْلنَا: مَا فِي الدَّار أحد فهمزته عندنَا أصل وَلَيْسَت بِبَدَل، أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ الْعُمُوم وَالْكَثْرَة، وَلَيْسَ فِي معنى الِانْفِرَاد بِشَيْء، بل هُوَ بضده. صَاحب الْعين: الْوحدَة: الِانْفِرَاد. وَرجل وحيد. ابْن السّكيت: وحد: فَرد، ووحد فَرد. أَبُو زيد: وَقد أوحدته. سِيبَوَيْهٍ: جاؤوا أحاد أحاد وموحد موحد معدول عَن قَوْلهم: وَاحِدًا وَاحِدًا، وَسَيَأْتِي ذكر هَذَا الضَّرْب من المعدول فِي هَذَا الْفَصْل الَّذِي نَحن بسبيله وَقَالَ: مَرَرْت بِهِ وَحده مصدر لَا يثنى وَلَا يجمع، وَلَا يُغير عَن الْمصدر، إِلَّا أَنهم قد قَالُوا: نَسِيج وَحده، وجحيش وَحده. وَزَاد صَاحب الْعين: قريع وَحده للمصيب الرَّأْي.
أَبُو زيد: حِدة الشَّيْء، توحده يُقَال: هَذَا الْأَمر على حِدته، وعَلى وَحده. وَقُلْنَا هَذَا
1 / 22
الْأَمر وحدينا. وقالتاه وحديهما. صَاحب الْعين: الوحدانية لله ﷿. والتوحيد: الْإِقْرَار بهَا. والميحاد: جُزْء كالمعشار.
ابْن السّكيت: لَا وَاحِد لَهُ: أَي لَا نَظِير، وَقد تقدم عَامَّة كل ذَلِك.
وحد الشَّيْء صَار على حِدته. وَالرجل الوحيد: لَا أحد لَهُ يؤنسه وحد وحادة ووحدة ووحدا، ووحد وتوحد.
قَالَ أَبُو عَليّ: وَقَوْلهمْ: اثْنَان، مَحْذُوف مَوضِع اللَّام، كَمَا أَن قَوْلهم: ابْنَانِ كَذَلِك. وللمؤنث اثْنَتَانِ، كَمَا تَقول: ابنتان، وَإِن شِئْت: [قلت: ثِنْتَانِ، كَمَا تَقول]: بنتان.
غير وَاحِد: ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَسِتَّة وَسَبْعَة فَأَما الْأُسْبُوع والسبوع فسبعة أَيَّام لَا تقع على غير هَذَا النَّوْع، وَثَمَانِية وَتِسْعَة وَعشرَة. وسنبين تصاريف هَذِه الْأَسْمَاء بِالْفِعْلِ، وَأَسْمَاء الفاعلين.
وَمَا بعد الِاثْنَيْنِ من أَسمَاء الْعدَد من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة تلْحقهُ هَاء التَّأْنِيث إِذا كَانَ للمذكر لِأَن أصل الْعدَد وأوله بِالْهَاءِ، والمذكر أول فَحَمَلُوهُ على مَا يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ فِي كَلَامهم من المشاكلة. وتنزع مِنْهَا الْهَاء إِذا كَانَ للمؤنث فَيجْرِي الِاسْم مجْرى عنَاق وعقاب، وَنَحْوهمَا من الْمُؤَنَّث الَّذِي لَا عَلامَة فِيهِ للتأنيث، فَتَقول: ثَلَاثَة رجال، وَخَمْسَة حمير. وَخمْس نسَاء، وَسبع آتن، وثماني أعقب، تثبت الْيَاء فِي ثَمَانِي فِي اللَّفْظ وَالْكتاب لِأَن التَّنْوِين لَا يلْحق مَعَ الْإِضَافَة، وَتسقط الْيَاء لاجتماعها مَعَه، كَمَا تسْقط من: هَذَا قَاض فَاعْلَم. فَهَذَا عقد أبي عَليّ فِي كِتَابه الموسوم بالإيضاح.
قَالَ أَبُو سعيد: اعْلَم أَن أدنى الْعدَد الَّذِي يُضَاف إِلَى أدنى الجموع مَا كَانَ من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، نَحْو ثَلَاثَة، وَأَرْبَعَة، وَخَمْسَة، وَعشرَة. وَأدنى الْجمع على أَرْبَعَة أَمْثِلَة وَهِي: أفعل، وأفعال، وأفعلة، وفعلة.
فأفعل نَحْو ثَلَاثَة أكلب، وَأَرْبَعَة أفلس. وأفعال نَحْو خَمْسَة
1 / 23
أجمال وَسَبْعَة أجذاع. وأفعلة نَحْو ثَلَاثَة أحمرة، وَتِسْعَة أغربة. وفعلة نَحْو عشرَة غلمة، وَخمْس نسْوَة، فأدنى الْعدَد يُضَاف إِلَى أدنى الجموع. وَإِنَّمَا أضيف إِلَيْهِ من قبل أَن أدنى الْعدَد بعض الْجمع لِأَن الْجمع أَكثر مِنْهُ، وأضيف إِلَيْهِ كَمَا يُضَاف الْبَعْض إِلَى الْكل، كَقَوْلِك: خَاتم حَدِيد. وثوب خَز لِأَن الْحَدِيد، والخز جِنْسَانِ، وَالثَّوْب والخاتم بعضهما. فَإِن قَالَ قَائِل: فَكيف صَارَت إِضَافَة أدنى الْعدَد إِلَى أدنى الْجمع أولى من إِضَافَته إِلَى الْجمع الْكثير
قيل لَهُ: من قبل أَن الْعدَد عددان، عدد قَلِيل، وَعدد كثير. فالقليل مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَبْنِيَة الَّتِي قدمنَا. وَجمع كثير وَهُوَ سَائِر أبنية الْجمع، فَاخْتَارُوا إِضَافَة أدنى الْعدَد إِلَى أدنى الْجمع للمشاكلة والمطابقة.
وَقد يُضَاف إِلَى الْجمع الْكثير، كَقَوْلِهِم: ثَلَاثَة كلاب، وَثَلَاثَة قُرُوء لِأَن الْقَلِيل وَالْكثير قد يُضَاف إِلَى جنسه، فعلى هَذَا إضافتهم الْعدَد الْقَلِيل إِلَى الْجمع الْكثير وَلذَلِك قَالَ الْخَلِيل: إِنَّهُم قَالُوا: ثَلَاثَة كلاب، فكأنهم قَالُوا: ثَلَاثَة من الْكلاب، فحذفوا وأضافوا اسْتِخْفَافًا.
وينزعون الْهَاء من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُؤَنَّث ويثبتونها فِي الْمُذكر كَقَوْلِهِم: ثَلَاث نسْوَة، وَعشر نسْوَة، وَثَلَاثَة رجال وَعشرَة رجال.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم أثبتوا الْهَاء فِي الْمُذكر ونزعوها من الْمُؤَنَّث فَفِي ذَلِك جوابان: أَحدهمَا أَن الثَّلَاث من الْمُؤَنَّث إِلَى الْعشْر مؤنثات الصِّيغَة فالثلاث مثل عنَاق. والأربع مثل عقرب، وَكَذَلِكَ إِلَى الْعشْر، قد صيغت ألفاظها للتأنيث، مثل عنَاق، وأتان، وعقرب، وَقدر، وفهر، وَيَد، وَرجل، وَأَشْبَاه لذَلِك كَثِيرَة، فصيغت هَذِه الْأَلْفَاظ للتأنيث، فَصَارَت بِمَنْزِلَة مَا فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث. وَغير جَائِز أَن تدخل هَاء التَّأْنِيث على مؤنث تأنيثها بعلامة أَو غَيرهَا. وَهَذَا القَوْل يُوجب أَنه مَتى سمي رجل بِثَلَاث، لم يضف إِلَى الْمعرفَة لِأَنَّهُ قد صَار محلهَا مَحل عنَاق، إِذا سمي بهَا رجل.
فَأَما الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُذكر فَإِنَّمَا أدخلت الْهَاء فِيهَا لِأَنَّهَا وَاقعَة على جمَاعَة.
1 / 24
وَالْجَمَاعَة مُؤَنّثَة. وَالثَّلَاث من قَوْلنَا: ثَلَاثَة مُذَكّر، فأدخلت الْهَاء عَلَيْهِ لتأنيث الْجَمَاعَة وَلَو سمي رجل بِثَلَاث من قَوْلك ثَلَاثَة، لانصرف فِي الْمعرفَة والنكرة لِأَنَّهُ يصير محلهَا مَحل سَحَابَة وسحاب، وَإِذا سمي بسحاب رجل انْصَرف فِي الْمعرفَة والنكرة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: إِنَّه فصل بَين الْمُؤَنَّث والمذكر بِالْهَاءِ ونزعها لتدل على تَأْنِيث الْوَاحِد وتذكيره. فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَلا أدخلُوا الْهَاء فِي الْمُؤَنَّث ونزعوها من الْمُذكر فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْمُذكر أخف فِي واحده من الْمُؤَنَّث فثقل جمعه بِالْهَاءِ، وخفف جمع الْمُؤَنَّث ليعتدلا فِي الثّقل.
وَاعْلَم أَن الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة من حكمهَا أَن تُضَاف، إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فينون وَينصب مَا بعده فَيَقُول: ثَلَاثَة أثوابا، وَنَحْو ذَلِك، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ. وتعرف الثَّلَاثَة بِإِدْخَال الْألف وَاللَّام على مَا بعْدهَا فَتَقول: ثَلَاثَة الأثواب، وَخَمْسَة الأشبار. قَالَ الشَّاعِر - وَهُوَ ذُو الرمة -:
(وَهل يرجع التَّسْلِيم أَو يكْشف الْعَمى ... ثَلَاث الأثافي والديار البلاقع)
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم قَالُوا: ثَلَاثَة أَثوَاب، وَعشر نسْوَة، وَلم يَقُولُوا: وَاحِد أَثوَاب، واثنتا نسْوَة
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْوَاحِد والاثنين يكون لَهما لفظ يدل على الْمِقْدَار وَالنَّوْع، فيستغني بذلك اللَّفْظ عَن ذكر الْمِقْدَار الَّذِي يُضَاف إِلَى النَّوْع، كَقَوْلِك: ثوب وَامْرَأَتَانِ،
1 / 25
فَدلَّ ثوب على الْوَاحِد من هَذَا الْجِنْس، ودلت امْرَأَتَانِ على ثِنْتَيْنِ من هَذَا الْجِنْس، فاستغني بذلك عَن قَوْلك: وَاحِد أَثوَاب، وثنتا نسْوَة. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر. قَالَ الراجز:
(كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عَجُوز فِيهِ ثنتا حنظل)
أَرَادَ ثِنْتَانِ، فأضاف ثنتا إِلَى نوع الحنظل.
وَأما ثَلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فَلَيْسَ فِيهِ لفظ يدل على النَّوْع والمقدار جَمِيعًا فأضيف الْمِقْدَار الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَة إِلَى النَّوْع، وَهُوَ مَا بعْدهَا.
وَاعْلَم أَنَّك إِذا جَاوَزت الْعشْرَة بنيت النيف وَالْعشرَة إِلَى تِسْعَة عشر فجعلتها اسْما وَاحِدًا، كَقَوْلِك: أحد عشر، وَتِسْعَة عشر: وَفتحت الِاسْم الأول.
وَالَّذِي أوجب بناءهما أَن مَعْنَاهُ: أحد وَعشرَة، وَتِسْعَة وَعشرَة، فنزعت الْوَاو وَهِي مقدرَة، وَالْعدَد مُتَضَمّن لمعناها فبنيا لتضمنهما معنى الْوَاو، وَجعلا كاسم وَاحِد، فاختير الْفَتْح لَهما، لِأَن الثَّانِي حِين ضم إِلَى الأول صَار بِمَنْزِلَة تَاء التَّأْنِيث يفتح مَا قبلهَا. وَفتح الثَّانِي لِأَن الْفَتْح أخف الحركات وَلِأَن يكون مثل الأول لِأَنَّهُمَا اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا، فَلم يكن لأَحَدهمَا على الآخر مزية، فجريا مجْرى وَاحِدًا فِي الْفَتْح. وَقد قُلْنَا: إِن الَّذِي أوجب فتح الأول هُوَ ضم الثَّانِي إِلَيْهِ وإجراء الثَّانِي مجْرَاه لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِشَيْء من الحركات من الآخر وانتصب مَا بعدهمَا من قبل أَن فيهمَا تَقْدِير التَّنْوِين، وَلَا يَصح إِلَّا كَذَلِك، إِذْ تَقْدِيره خَمْسَة وَعشرَة، فالخمسة لَيْسَ بعْدهَا شَيْء أضيفت إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَن تكون منونة، وَالْعشرَة محلهَا مَحل الْخَمْسَة فَكَانَت منونة مثلهَا. وَأَيْضًا فَإنَّا لم نر شَيْئَيْنِ جعلا اسْما، وهما
1 / 26
مضافان، أَو أَحدهمَا مُضَاف، فَوَجَبَ نصب مَا بعدهمَا للتنوين الْمُقدر فيهمَا وَجعل مَا بعدهمَا وَاحِدًا منكورا.
أما جعلنَا لَهُ وَاحِدًا فلأنهما قد دلا على مِقْدَار الْعدَد، وَبَقِي الدّلَالَة على النَّوْع، فَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُ كَافِيا، إِذْ كَانَ مَا قبله دلّ على الْمِقْدَار وَالْعدَد.
وَأما جعلنَا إِيَّاه منكورا فَلِأَن النكرَة شائعة فِي جِنْسهَا، وَلَيْسَت بِبَعْض الْجِنْس أولى مِنْهُ بِبَعْض، فَكَانَت أشكل بِالْمَعْنَى الَّذِي أريدت لَهُ من الدّلَالَة على الْجِنْس، وَأدْخل فِيهِ من غَيرهَا، فَبين بهَا النَّوْع الَّذِي احْتِيجَ إِلَى تبيينه، وَذَلِكَ قَوْلك: أحد عشر رجلا، وَخمْس عشرَة امْرَأَة. فَأَما الْمُذكر فَإنَّك تَقول أحد عشر رجلا، وَاثنا عشر رجلا وَثَلَاثَة عشر رجلا، إِلَى تِسْعَة عشر رجلا.
فَأَما أحد، فالهمزة فِيهِ منقلبة من وَاو، وَقد أبنت ذَلِك وأوضحته بشرح الْفَارِسِي، وَكَذَلِكَ إِحْدَى عشرَة، وَقد أبنتها هُنَالك.
أما اثْنَا شعر [فَإِن قَالَ قَائِل هلا بنيتم اثْنَي عشر على حد وَاحِد، فَلَا تَتَغَيَّر فِي نصب وَلَا رفع وَلَا جر، كَمَا فَعلْتُمْ ذَلِك فِي أخواته قيل لَهُ: من قبل أَن الِاثْنَيْنِ قد كَانَ إعرابهما بِالْألف وَالْيَاء، وَكَانَت النُّون على حَالَة وَاحِدَة فيهمَا جمعيا، كَقَوْلِك: هَذَانِ الِاثْنَان، وَرَأَيْت الِاثْنَيْنِ، ومررت بالاثنين. فَإِذا أضفت سَقَطت النُّون، وَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه، وَدخل حرف التَّثْنِيَة من التَّغْيِير فِي حَال الرّفْع وَالنّصب والجر مَعَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَا كَانَ يدْخلهُ مَعَ النُّون، فَلَمَّا كَانَ عشر فِي قَوْلك: اثْنَا عشر حل مَحل النُّون، صَار بِمَنْزِلَة الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَلم يمْنَع تَغْيِير الْألف إِلَى الْيَاء فِي النصب والجر.] .
وَأما ثنتا عشرَة فَفِيهَا لُغَتَانِ: ثنتا عشرَة، واثنتا عشرَة. فَالَّذِي قَالَ: اثْنَتَا عشرَة بناه على الْمُذكر، فَقَالَ للمذكر: اثْنَان، وللمؤنث: اثْنَتَانِ، كَمَا تَقول: ابْنَانِ، وابنتان.
وَالَّذِي يَقُول: ثنتا عشرَة بنى ثنتا على مِثَال جذع، كَمَا قَالَ بنت، فأحلقها بجذع.
1 / 27
وَتقول: ثِنْتَانِ، كَمَا تَقول: بنتان، وَلم تدل هَذِه التَّاء على تَقْدِير أَن يكون مَا قبلهمَا مذكرا لِأَنَّهَا لَو دخلت على سَبِيل ذَلِك لأوجبت فتح مَا قبلهَا. وَالْكَلَام فِي تغير الْألف فِي ثِنْتَانِ، وَاثْنَتَانِ، إِذا قلت: ثنتا عشرَة، وثنتي عشرَة.
وَأما ثَمَانِي عشرَة فَإِن أَكثر الْعَرَب يَقُولُونَ: ثَمَانِي عشرَة، كَمَا يَقُولُونَ: ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة. وَمِنْهُم من يسكن الْيَاء، فَيَقُول: ثَمَانِي عشرَة. قَالَ الشَّاعِر:
(صَادف من بلائه وشقوته ... بنت ثَمَانِي عشرَة من حجَّته)
وَإِنَّمَا أسكن الْيَاء، كَمَا أسكن فِي معد يكرب، وقالي قلا، وأيادي سبا لِأَن الْيَاء أثقل من غَيرهَا، وَغَيرهَا من الصَّحِيح إِنَّمَا يفتح إِذا جعل مَعَ غَيره اسْما وَاحِدًا، فسكنت الْيَاء، إِذْ لم يبْق بعد الْفَتْح إِلَّا التسكين [وَقد قيل: ثَمَان عشرَة] .
وَفِي عشرَة لُغَتَانِ، إِذا قلت: ثَلَاث عشرَة.
فَأَما بَنو تَمِيم فيفتحون الْعين، ويكسرون الشين، ويجعلونها بِمَنْزِلَة ن كلمة. وَأهل الْحجاز يفتحون الْعين ويسكنون الشين، فيجعلونها مثل ضَرْبَة وَهَذَا عكس مَا عَلَيْهِ لُغَة أهل الْحجاز وَبني تَمِيم لِأَن أهل الْحجاز فِي غير هَذَا يشبعون عَامَّة الْكَلَام، وَبَنُو تَمِيم يخففون.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم قَالُوا: عشرَة فكسروا الشين.
قيل لَهُ: من قبل أَن عشر، فِي قَوْلك: عشر نسْوَة مُؤَنّثَة الصِّيغَة، فَلم يَصح دُخُول الْهَاء عَلَيْهَا، فَاخْتَارُوا لَفْظَة أُخْرَى يَصح دُخُول الْهَاء عَلَيْهَا.
وخفف أهل الْحجاز ذَلِك: كَمَا يُقَال: فَخذ وفخذ، وَعلم وَعلم، وَنَحْو ذَلِك.
وعَلى هَذَا الحكم يجْرِي من الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة فَإِذا ضاعفت أدنى الْعدَد كَانَ لَهُ اسْم من لَفظه. وَلَا يثنى العقد، وَيجْرِي ذَلِك الِاسْم مجْرى الْوَاحِد الَّذِي لحقته الزِّيَادَة للْجمع،
1 / 28
وَيكون حرف الْإِعْرَاب الْوَاو وَالْيَاء، وبعدهما النُّون. وَيكون لفظ الْمُذكر والمؤنث فِي ذَلِك سَوَاء، ويفسر بِوَاحِد منكور، وَذَلِكَ قَوْلهم: عشرُون درهما.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا هَذِه الكسرة الَّتِي لحقت أول الْعشْرين وهلا جرت على عشرَة فَيُقَال: عشْرين، أَو على عشر، فَيُقَال: عشْرين.
وَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن عشْرين لما كَانَت وَاقعَة عل الذّكر وَالْأُنْثَى كسر أَولهَا للدلالة على التَّأْنِيث وَجمع بِالْوَاو وَالنُّون للدلالة على التَّذْكِير، فَيكون آخِذا من كل وَاحِد مِنْهُمَا بشبهين.
فَإِن قَالَ قَائِل: فقد كَانَ يَنْبَغِي على هَذَا الْقيَاس أَن يجْعَلُوا هَاتين العلامتين فِي الثَّلَاثِينَ إِلَى التسعين.
قيل: قد يجوز أَن تكون الثَّلَاث من الثَّلَاثِينَ هِيَ الثَّلَاث الَّتِي للمؤنث.
وَيكون الْوَاو وَالنُّون لوُقُوعه على التَّذْكِير، فَيكون قد جمع للثلاثين لفظ التَّذْكِير والتأنيث، فَيكون على قِيَاس الْعلَّة الأولى مطردا، وَيجوز أَن يكون اكتفوا بِالدّلَالَةِ فِي الْعشْرين على الدّلَالَة فِي غَيره من الثَّلَاثِينَ إِلَى التسعين، فَجرى على مثل مَا جرى عَلَيْهِ الْعشْرُونَ.
فَإِذا وَقع الْعشْرُونَ على الْمُذكر والمؤنث كَانَ الثَّلَاثُونَ مثله، وَاكْتفى بعلامة التَّأْنِيث فِي الْعشْرين عَن عَلامَة فِي الثَّلَاثِينَ. وَدَلِيل آخر فِي كسر الْعين من عشْرين وَهُوَ أَنا رأيناهم قَالُوا فِي ثَلَاث عشرات: ثَلَاثُونَ وَفِي أَربع عشرات: أَرْبَعُونَ، فكأنهم ثَلَاثِينَ عشر مرار ثَلَاثَة، وَأَرْبَعين عشر مرار أَرْبَعَة، إِلَى تسعين. فاشتقوا من لفظ الْآحَاد مَا يكون لعشر مَرَّات ذَلِك الْعدَد فَكَانَ قِيَاس الْعشْرين من الثَّلَاثِينَ أَن يُقَال: اثْنَيْنِ واثنون لعشر مرار اثْنَيْنِ. إِلَّا أَنهم تجنبوا ذَلِك لِأَن اثْنَيْنِ لَا يكون إِلَّا مثنى، فَلَو قُلْنَا: اثْنَيْنِ كُنَّا قد نَزَعْنَا اثْنَا من الِاثْنَيْنِ، وأدخلنا عَلَيْهِ الْوَاو وَالنُّون، واثن لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ حُرُوف التَّثْنِيَة فَبَطل اسْتِعْمَاله فِي مَوضِع الْعشْرين، فَلَمَّا اضطروا لهَذِهِ الْعلَّة إِلَى اسْتِعْمَال الْعشْرين كسروا أَوله لِأَن اثْنَيْنِ مكسور الأول فكسروا أول الْعشْرين كَذَلِك، وأدخلوا الْوَاو وَالنُّون لِأَنَّهُ يَقع على الْمُذكر.
وَإِذا اخْتَلَط الْمُذكر والمؤنث فِي لفظ غلب التَّذْكِير، وَانْفَرَدَ اللَّفْظ بِهِ.
وَدَلِيل آخر، وَهُوَ أَنهم يَقُولُونَ فِي الْمُؤَنَّث: إِحْدَى عشرَة، وتسع عشرَة، فَلَمَّا جاوزها إِلَى الْعشْرين، نقلوا كسرة الشين الَّتِي كَانَت للمؤنث إِلَى الْعين كَمَا يَقُولُونَ فِي كذب:
1 / 29
كذب، وَفِي كبد، كبد وجمعوه بِالْوَاو وَالنُّون، كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الْأَشْيَاء المؤنثة الْمَحْذُوف مِنْهَا الهاآت عوضا من الْمَحْذُوف، كَقَوْلِهِم فِي سنة: سِنِين وسنون، وَفِي أَرض: أرضون وأرضون. وَفِي ثبة: ثبون وثبون، وَهَذَا كثير جدا.
وَالْجمع بِالْوَاو وَالنُّون لَهُ مزية على غَيره من الجموع، فَجعل عوضا من الْمَحْذُوف.
وَاعْلَم أَن عشْرين وَنَحْوهَا رُبمَا جعل إعرابها فِي النُّون، وَأكْثر مَا يجيىء ذَلِك فِي الشّعْر، فَإِذا جعل كَذَلِك ألزمت الْيَاء لِأَنَّهَا أخف من الْوَاو، كَمَا فعلوا ذَلِك فِي سِنِين إِذا جعلُوا إعرابها فِي النُّون قَالُوا أَتَت عَلَيْهِ سِنِين.
قَالَ الشَّاعِر:
(وَإِن لنا أَبَا حسن عليا ... أَب بر وَنحن لَهُ بَنِينَ)
وَأنْشد لغيره:
(أرى مر السنين أخذن مني ... كَمَا أَخذ السرَار من الْهلَال)
وَقَالَ سحيم:
(وماذا تَدْرِي الشُّعَرَاء مني ... وَقد جَاوَزت رَأس الْأَرْبَعين)
(أَخُو خمسين مُجْتَمع أشدي ... ونجذني مداورة الشؤون)
1 / 30
هَذَا عَامَّة قَول الْبَصرِيين إِنَّه مَتى لزم النُّون الْإِعْرَاب لزم الْيَاء، وَصَارَ بِمَنْزِلَة قنسرين وغسلين، وَأكْثر مَا يجيىء هَذَا فِي الشّعْر.
وَقد زعم بَعضهم أَنه قد يجوز أَن يلْزم الْوَاو، وَإِن كَانَ الْإِعْرَاب فِي النُّون.
وَزعم أَن زيتونا يجوز أَن يكون فيعولا، وَيجوز أَن يكون فعلونا، وَهُوَ إِلَى فعلون أقرب لِأَنَّهُ من الزَّيْت، وَقد لزم الْوَاو.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَو سمي رجل بمسلمين كَانَ فِيهِ وَجْهَان: إِن جعلت الْإِعْرَاب فِي الْوَاو فتحت النُّون على كل حَال، وَجعلت فِي حَال الرّفْع واوا، وَفِي حَال النصب والجر يَاء، كَقَوْلِك: جَاءَنِي مُسلمُونَ، وَرَأَيْت مُسلمين، ومررت بمسلمين. فَهَذَا مَا ذكره وَلم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا.
وَقد رَأينَا فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا بالرواية الصَّحِيحَة وَجها آخر، وَهُوَ أَنهم إِذا سموا بِجمع فِيهِ وَاو وَنون، فقد يلزمون الْوَاو على كل حَال، ويفتحون النُّون وَلَا يحذفونها فِي الْإِضَافَة، فكأنهم حكوا لفظ الْجمع الْمَرْفُوع فِي حَال التَّسْمِيَة، وألزموه طَريقَة وَاحِدَة. قَالَ الشَّاعِر:
(وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الَّذِي جمعا)
1 / 31
فَفتح نون الماطرون وأثبث الْوَاو، وَهُوَ فِي مَوضِع جر.
وَالْعرب تَقول: الياسمون فِي حَال الرّفْع وَالنّصب والجر، وَيَقُولُونَ: ياسمون الْبر فيثبتون النُّون مَعَ الْإِضَافَة ويفتحونها. وَمِنْهُم من يرويهِ: بالماطرون، ويعرب الياسمون، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون، وَهُوَ الأجود.
فَإِذا زِدْت على الْعشْرين نيفا أعربته، وعطفت الْعشْرين عَلَيْهِ، كَقَوْلِك: أخذت خَمْسَة وَعشْرين، وَهَذِه ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يبْنى اسْم مَعَ اسْم، وَأَحَدهمَا مُعرب وَلم يَقع الآخر فِي شَيْء مِنْهُ كوقوع عشر فِي مَوضِع النُّون من اثْنَي عشر وتنصب مَا بعد الْعشْرين إِلَى تسعين وتوحد وتنكر. وَالَّذِي أوجب نَصبه أَن عشْرين جمع فِيهِ نون بِمَنْزِلَة ضاربين، وَيجوز إِسْقَاط نونه إِذا أضيف إِلَى مَالك، كَقَوْلِك هَذِه عشرو زيد.
وَعِشْرُونَ تطلب مَا بعْدهَا وتقتضيه، كَمَا أَن ضاربين يطْلب مَا بعده وتقتضيه فتنصب مَا بعد الْعشْرين، كَمَا نصبت مَا بعد الضاربين من الْمَفْعُول الَّذِي ذَكرْنَاهُ. إِلَّا أَن عشْرين لَا يعْمل إِلَّا فِي منكور، وَلَا يعْمل فِيمَا قبله لِأَنَّهُ لم يقو قُوَّة ضارين فِي كل شَيْء لِأَنَّهُ اسْم غير مُشْتَقّ من فعل، فَلم يتَقَدَّم عَلَيْهِ مَا عمل فِيهِ لِأَنَّهُ غير متصرف فِي نَفسه، وَلم يعْمل إِلَّا فِي نكرَة من قبل أَن الْمَعْنى فِي عشْرين درهما عشرُون من الدَّرَاهِم، فاستخفوا وَأَرَادُوا الِاخْتِصَار فحذفوا من، وجاؤوا بِوَاحِد منكور شَائِع فِي الْجِنْس فدلوا بِهِ على النَّوْع، وَلَا يجوز أَن يكون التَّفْسِير إِلَّا بِوَاحِد إِذْ كَانَ الْوَاحِد دَالا على نَوعه مُسْتَغْنى بِهِ، فَإِذا أردْت أَن تجمع جماعات مُخْتَلفَة جَازَ أَن تفسر الْعشْرين، وَنَحْوهَا بِجَمَاعَة فَتكون عشرُون كل وَاحِد مِنْهُمَا جمَاعَة.
وَمثل ذَلِك قَوْلك: قد التقى الخيلان، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا جمَاعَة خيل، فعلى هَذَا تَقول: التقى عشرُون خيلا على أَن كل وَاحِد من الْعشْرين خيل. قَالَ الشَّاعِر:
(تبقلت من أول التبقل ... بَين رماحي مَالك ونهشل)
1 / 32
لِأَن مَالِكًا ونهشلا قبيلتان. وكل وَاحِدَة مِنْهُمَا لَهَا رماح، فَلَو جمعت على هَذَا لَقلت: عشرُون رماحا قد الْتَقت، تُرِيدُ عشْرين قَبيلَة لكل مِنْهَا رماح. وَلَو قلت: عشرُون رمحا كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا رمح. قَالَ الشَّاعِر:
(سعى عقَالًا فَلم يتْرك لنا سبدا ... فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ)
(لأصبح الْقَوْم قد بادوا وَلم يَجدوا ... عِنْد التَّفَرُّق فِي الهيجا جمالين)
أَرَادَ جمالا لهَذِهِ الْفرْقَة، وجمالا لهَذِهِ الْفرْقَة، فَإِذا بلغت الْمِائَة جِئْت بِلَفْظ يكون للذّكر وَالْأُنْثَى، وَهُوَ مائَة، كَمَا كَانَ عشرُون وَمَا بعْدهَا من الْعُقُود، وبينت الْمِائَة بإضافتها إِلَى وَاحِد منكور. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا الْعلَّة الَّتِي أضيفت إِلَى وَاحِد منكور.
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّهَا شابهت الْعشْرَة الَّتِي حكمهَا أَن تُضَاف إِلَى جمَاعَة، وَالْعِشْرين الَّتِي حكمهَا أَن تميز بِوَاحِد منكور، فَأخذ من كل وَاحِد مِنْهُمَا شبه فأضيف بشبه الْعشْرَة، وَجعل مَا يُضَاف إِلَيْهِ وَاحِدًا بشبهه الْعشْرين لِأَنَّهَا يُضَاف إِلَيْهَا نوع يبينها، كَمَا يبين النَّوْع الْمُمَيز الْعشْرين. فَإِن قَالَ قَائِل: وَمَا شبهها من الْعشْرَة وَالْعِشْرين. قيل لَهُ: أما شبهها من الْعشْرَة فَلِأَنَّهَا عقد، كَمَا أَن الْعشْرَة عقد، وَأما شبهها من الْعشْرين فَلِأَنَّهَا تلِي التسعين.
1 / 33
وَحكم عشرَة الشَّيْء كَحكم تسعته أَلا ترى أَنَّك تَقول: تِسْعَة أَثوَاب وَعشرَة أَثوَاب، فَتكون الْعشْرَة كالتسعة وَالْمِائَة من التسعين كالعشرة من التِّسْعَة، وَذَلِكَ قَوْلك: مِائَتَا دِرْهَم، وَمِائَتَا ثوب، وَنَحْو ذَلِك. وَيجوز فِي الشّعْر إِدْخَال النُّون على الْمِائَتَيْنِ وَنصب مَا بعْدهَا. قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء)
وَقَالَ آخر أَيْضا:
(أَنعَت عيرًا من حمير خنزره ... فِي كل عير مِائَتَان كمره)
فَإِذا أردْت تَعْرِيف الْمِائَة والمائتين أدخلت الْألف وَاللَّام فِي النَّوْع، وأضفتها إِلَيْهِ كَقَوْلِك: مائَة الدِّرْهَم، وَمِائَتَا الثَّوْب. فَإِذا جمعت الْمِائَة أضفت الثَّلَاث فَقلت: ثَلَاثمِائَة إِلَى تِسْعمائَة. فَإِن قَالَ قَائِل: هلا قُلْتُمْ: ثَلَاث مئين: أَو مئات، كَمَا قُلْتُمْ: ثَلَاث مسلمات، وتسع تمرات.
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَنا رَأينَا الثَّلَاث المضافة إِلَى الْمِائَة قد أشبهت الْعشْرين من وَجه،
1 / 34
وأشبهت الثَّلَاث الَّتِي فِي الْآحَاد من وَجه. فَأَما شبهها بالعشرين فَلِأَن عقدهَا على قِيَاس الثَّلَاث إِلَى التسع لِأَنَّك تَقول: ثَلَاثمِائَة وَتِسْعمِائَة، ثمَّ تَقول: ألف، وَلَا تَقول: عشر مائَة، فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: عشرُون وَتسْعُونَ. ثمَّ تَقول: مائَة على غير قِيَاس التسعين. وَتقول فِي الْآحَاد: ثَلَاث نسْوَة، وَعشر نسْوَة، فَتكون الْعشْر بِمَنْزِلَة التَّأْنِيث، فَأَشْبَهت ثَلَاثمِائَة الْعشْرين فبينت بِوَاحِد، وأشبهت الثَّلَاث فِي الْآحَاد فَجعل بَيَانهَا بِالْإِضَافَة.
وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا أَنهم قَالُوا: ثَلَاثَة آلَاف، فَإِنَّمَا أضافوا الثَّلَاثَة إِلَى جمَاعَة لأَنهم يَقُولُونَ: عشرَة آلَاف. فَلَمَّا كَانَ عشرته على غير قِيَاس ثلاثته أجروه مجْرى ثَلَاثَة أَثوَاب لأَنهم قَالُوا: عشرَة أَثوَاب.
فَإِذا قلت: ثَلَاثمِائَة، فَحكم الْمِائَة بعد إِضَافَة الثَّلَاث إِلَيْهَا، أَن تُضَاف إِلَى وَاحِد منكور كحكمها حِين كَانَت مُنْفَرِدَة، وَيجوز أَن تنون وتميز بِوَاحِد، كَمَا قيل: مِائَتَان عَاما. فَأَما قَول الله ﷿: ﴿ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا﴾ .
فَإِن أَبَا إِسْحَاق الزّجاج زعم أَن سِنِين منتصبة على الْبَدَل من ثَلَاثمِائَة وَلَا يَصح أَن تنصب على التَّمْيِيز لِأَنَّهَا لَو انتصبت بذلك فِيمَا قَالَ لوَجَبَ أَن يَكُونُوا قد لَبِثُوا تِسْعمائَة، وَلَيْسَ ذَلِك بِمَعْنى الْآيَة، وقبيح أَن يَجْعَل سِنِين نعتا لَهَا لِأَنَّهَا جامدة لَيْسَ فِيهَا معنى فعل.
وَقَالَ الْفراء: يجوز أَن تكون سِنِين على التَّمْيِيز، كَمَا قَالَ عنترة فِي بَيت لَهُ:
(فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبة ... سُودًا كخافية الْغُرَاب الأسحم)
1 / 35
ويروى: سود. فقد جَاءَ فِي التَّمْيِيز. سُودًا، وَهِي جمَاعَة.
قَالَ أَبُو سعيد: وَلأبي إِسْحَاق أَن يفصل بَين هَذَا وَبَين سِنِين، بِأَن سُودًا إِنَّمَا جَاءَت بعد الْمُمَيز، فَيجوز أَن يحمل على اللَّفْظ مرّة، وعَلى الْمَعْنى مرّة، كَمَا تَقول: كل رجل ظريف عِنْدِي. وَإِن شِئْت قلت: ظريف، فتحمله مرّة على اللَّفْظ، وَمرَّة على الْمَعْنى. وَلَيْسَ قبل سِنِين شَيْء وَقع بِهِ التَّمْيِيز فَيكون سِنِين مثل سُودًا.
وَاعْلَم أَن مائَة نَاقِصَة بِمَنْزِلَة رئة، وإرة، فلك أَن تجمعها مئون فِي حَال الرّفْع ومئين فِي حَال النصب والجر، وَإِن شِئْت قلت: مئين، فَجعلت الْإِعْرَاب فِي النُّون وألزمته الْيَاء، وَإِن شِئْت قلت: مئات، كَمَا تَقول: رئات. وَأما قَول الشَّاعِر:
(وحاتم الطَّائِي وهاب المئي ...)
فقد اخْتلف النحويون فِي ذَلِك. فَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ جمع الْمِائَة على الْجمع الَّذِي بَينه وَبَين واحده الْهَاء، كَقَوْلِك: تَمْرَة وتمر فَكَأَنَّهُ قَالَ: مائَة ومئ، ثمَّ أطلق القافية للجر.
وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ المي، وَكَانَ أَصله المئي على مِثَال فعيل لِأَن الذَّاهِب من الْمِائَة
1 / 36
إِمَّا وَاو، وَإِمَّا يَاء. فَإِن كَانَت يَاء فَهِيَ مئي، وَإِن كَانَت واوا انقلبت أَيْضا يَاء، وَصَارَ لَفظهَا وَاحِدًا، ثمَّ تكسر الْمِيم، وَذَلِكَ أَن بني تَمِيم يكسرون الْفَاء من فعيل إِذا كَانَت الْعين أحد الْحُرُوف السِّتَّة وَهِي حُرُوف الْحلق، كَقَوْلِهِم: شعير، وَرَحِيم. فَيَقُولُونَ فِي ذَلِك: مي وَأَصله مئي. وَمِمَّا جَاءَ على هَذَا الْمِثَال من الْجمع معيز جمع معز، وكليب، وَعبيد، وَغير ذَلِك مِمَّا جَاءَ على فعيل، فعلى هَذَا القَوْل مي مشدد. وَيجوز تخفيفها فِي القافية الْمقيدَة، كَمَا ينشد بَعضهم قَول طرفَة فِي بَيت لَهُ:
(أصحوت الْيَوْم أم شاقتك هر ... وَمن الْحبّ جُنُون مستعر)
وَقَالَ بعض النَّحْوِيين: إِنَّمَا هُوَ مئين، فاضطر إِلَى حذف النُّون، كَمَا قَالَ:
(قواطنا مَكَّة من ورق الحمي ...)
فَإِذا بلغت الْألف أضفته إِلَى وَاحِد فَقلت: ألف دِرْهَم، كَمَا أضفت الْمِائَة إِلَى وَاحِد حِين قلت: مائَة دِرْهَم. وَالْعلَّة فِيهِ كالعلة فِيهَا من قبل أَن الْألف على غير قِيَاس مَا قبله لِأَنَّك لم تقل عشر مائَة، كَمَا قلت: تِسْعمائَة، وضعت لفظا يدل على العقد الَّذِي بعد تِسْعمائَة غير جَار على شَيْء قبله، كَمَا فعلت ذَلِك بِالْمِائَةِ حِين لم تجرها على قِيَاس التسعين، فَإِذا جمعت الْألف جمعته على آلَاف، وَعشرَة آلَاف، كَمَا قلت: ثَلَاثَة أَثوَاب، وَعشرَة أَثوَاب.
وَإِنَّمَا خَالف جمع الْألف فِي الْإِضَافَة جمع الْمِائَة لِأَن الْألف عشرته كثلاثته، فَصَارَ بِمَنْزِلَة الْآحَاد الَّتِي عشرتها كثلاثتها. وَلَيْسَ عشرَة الْمِائَة كثلاثتها.
1 / 37
وَقد بَينا هَذَا فِيمَا تقدم. وَلَيْسَ بعد الْألف شَيْء من الْعدَد على لفظ الْآحَاد، فَإِذا تضَاعف أُعِيد فِيهِ اللَّفْظ بالتكرير، كَقَوْلِك: عشرَة آلَاف ألف وَنَحْو ذَلِك. وَإِنَّمَا قلت: عشرَة آلَاف، لِأَن الْألف قد لزم إِضَافَته إِلَى وَاحِد فِي تبيينه وَكَذَلِكَ جماعته كواحده فِي تبيينه بِالْوَاحِدِ من النَّوْع.
وَاعْلَم أَن الْألف مُذَكّر تَقول: أخذت مِنْهُ ألفا وَاحِدًا.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿بِثَلَاثَة آلَاف﴾ . فَأدْخل الْهَاء على الثَّلَاثَة، فَدلَّ على تذكير الْألف، وَرُبمَا قيل: ألف دِرْهَم، يُرِيدُونَ الدَّرَاهِم.
1 / 38