الديمقراطية - ولا ريب - هي أقرب النظم إلى نظام الحكم في عهد الصديق.
ولكن الديمقراطية أشكال تختلف في العصر الواحد بين أمة وأمة، ولها قواعد دستورية ومقدمات تاريخية من العسير أن نوحد بينها وبين قواعد الخلافة ومقدماتها، ومن السهل جدا مع هذا أن نصدف عن هذا التوحيد دون أن نغض من نوع الحكومة في صدر الإسلام.
فليس من المحقق أن حكومة الإسلام يومئذ توصف بالديمقراطية على المعنى الذي نفهمه من هذه الكلمة في هذه الأيام.
ولكن من المحقق أن الحكومة الإسلامية على النحو الذي جاء به القرآن الكريم واتفق عليه المسلمون كانت بعيدة كل البعد من جميع أنواع الحكومة المعيبة أو جميع المبادئ التي تستند في تقرير حكم الشعوب على أساس معيب.
فإذا كانت حكومة الخلافة لم تقرر الديمقراطية على أساسها العصري المعروف بيننا فهي - بلا ريب - قد أبعدت مبادئ الأوتوقراطية، ومبادئ الثيوقراطية، ومبادئ الأليجاركية، ومبادئ حكومة الغوغاء، وسائر المبادئ التي لا تستقيم مع حرية الفرد ومع الفطرة السليمة.
فالأوتوقراطية، وهي حكومة الفرد المستبد ممنوعة في الإسلام؛ لأن القرآن الكريم يأمر النبي أن يشاورهم في الأمر وينص على أن:
وأمرهم شورى بينهم [الشورى: 38].
وإذا كان النبي الذي يتلقى الوحي الإلهي لا يجل عن مشاورة أتباعه والرجوع إلى رأيهم في سياسته، فغيره من ولاة الأمر أولى أن يتقيد بالشورى ويتجنب حكومة الطغيان.
والثيوقراطية، وهي الحكومة التي يدعي فيها الحاكمون صفة إلهية ممنوعة كذلك في الإسلام؛ لأن القرآن الكريم يعلم المسلمين أن النبي بشر مثلهم ويبطل الكهانة والوساطة بين الإنسان وربه، وقد نهى النبي ولاته وأمراء جيشه أن يبرموا العهود باسم الله أو باسم رسوله، فكان يقول لمن ولاه: «... لا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.»
ولما قيل للصديق: يا خليفة الله، أنكر ذلك وقال: إنما أنا خليفة رسول الله، وسأل الناس أن يقوموه ويرشدوه.
نامعلوم صفحہ