فالأقوال - أو تكاد تتفق - على أن أبا بكر لم يكن قريبا من النبي عليه السلام يوم أمر النبي بلالا أن يدعوه إلى الصلاة بالناس، ولو كان بينه وبين السيدة عائشة اتفاق في هذا الصدد لكان اقترابه من المسجد أو بيت النبي في تلك اللحظة لازما كل اللزوم لإنجاز ذلك الاتفاق، وإلا توجهت الدعوة إلى غيره وخرج الأمر من أيدي المتفقين.
وقد توفي النبي عليه السلام وليس في أصحابه الأقربين من كان يتوقع وفاته، فتركه أبو بكر بعد الصلاة وهو يقول: يا نبي الله! إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب واليوم يوم بنت خارجة، أفآتيها؟
فأذن له النبي في الانصراف: وخرج أبو بكر إلى «السنح» حيث كان يقيم.
أما عمر فقد دهش لنعي النبي تلك الدهشة التي لم يكن لها على أهبة، ولو كان على أهبة لها لقد كان الأحرى أن يؤكد الوفاة ولا يستغربها، تمهيدا لذلك الاتفاق المزعوم الذي سيتلوها.
وبلغ أبا بكر وعمر أن الأنصار مجتمعون في سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة منهم، فخرجا إلى السقيفة على غير اتفاق بينهما أيهما الذي يخاطب القوم. فكان عمر يخشى حدة أبي بكر فيهيئ في نفسه كلاما يقوله، وكان أبو بكر يخشى حدة عمر فيستمهله ويخاطب القوم قبله، وليس في ذلك دليل اتفاق قديم.
وكان لقاؤهما أبا عبيدة يومئذ لقاء مصادفة في الطريق.
وجاء في رواية مشهورة أن عمر فاتح أبا عبيدة قبل ذلك فقال له: «ابسط يدك فلأبايعك. فأنت أمين هذه الأمة على لسان رسول الله.»
فقال له أبو عبيدة: ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت. أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين! ...
فإذا صحت هذه الرواية فهي تنفي ما قيل عن تفاهم هؤلاء الرجال الثلاثة على مبايعة أبي بكر وتعاقب الخلافة بعده، وقد يكون عمر فاتح أبا عبيدة عازما على مبايعته، أو فاتحه لاستطلاع ما عنده من الرأي والرغبة، فعلى كلتا الحالتين لا تفاهم من قبل على ذلك الرأي ولا اتفاق.
هكذا تلقى الصحاب الأجلاء نعي النبي، وهكذا كانوا في أثناء شدة المرض عليه، فمتى كان التفاهم المزعوم؟ أقبل أن يمرض رسول الله يعقل عاقل أن يجتمع صفوة أصحابه والمؤمنين برسالته للتآمر على وراثته واغتنام موته؟ إن جاز في عقل عاقل هذا ، فمن أدراهم إذن أن القرآن الكريم لا يوحي برأي في الخلافة غير الذي رأوه؟ ومن أدراهم إذن - سلفا - أن النبي عليه السلام يفارق هذه الدنيا، ولا يوصي في أمر الخلافة بوصاة يشهدها الناس عامة وتخالف ما اتفقوا عليه؟
نامعلوم صفحہ