وليس أولى بالحب والتبجيل ممن يطلب خير الناس ويزهد في نعمة العيش وهي بين يديه.
فقد ثبت أن محمدا لم يستمتع بدنياه ولم يشبع ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله، وقالت عائشة - رضي الله عنها: «لقد كنت أبكي رحمة له مما أرى به وأمسك بيدي على بطنه مما أرى به من الجوع ... وأقول: نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقوتك.» فيقول: «يا عائشة! ما لي وللدنيا ... إخواني من أولي العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا.»
وقالت زوجه أم سلمة تصف ما وجدته في بيته ليلة عرسها: «... فإذا جرة فيها شيء من شعير، وإذا رحى وبرمة وقدر وقعب فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة، وأخذت القعب فأدمته، فكان ذلك طعام رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وطعام أهله ليلة عرسه.»
رآه عمر وقد أثر في جنبه حصير فقال له: «يا رسول الله! قد أثر في جنبك رمل هذا الحصير، وفارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله» فاستوى جالسا، وقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ... أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا!»
وقد مات ودرعه مرهونة، ولا ميراث لأهله مما ترك من عقار وهو قليل.
فما عسى أن يقول قائل في قدر هذا الرجل ... آمن به أو لم يؤمن؟
أيقول إنه رسول وإنه كان يعلم أنه رسول فصدع بأمر ربه واحتمل ما احتمل في سبيل طاعته وفي سبيل إصلاح خلقه؟
تلك إذن منزلة الأنبياء التي تستوجب له مقام أصفياء الله عند من يؤمن بالله.
نامعلوم صفحہ