ولكنها مع هذا لم تستوعب تلك العلل التي اصطلحت على حصة علي من الدولة الإسلامية ... فقد أضيفت إليها علة أخرى، بل أضيفت إليها أكثر العلل التي تبتلى بها دولة أو حكومة، وهي اعتمادها في مواردها على غيرها ...
فكانت موارد الشام في الشام نفسها من خراج أو أنفال أو تجارة، أما موارد الحجاز فقد كانت بعيدة منه وإن دخلت في طاعته، وجنحت إلى القائم بالأمر فيه، وكانت مصر والسواد من حصة علي، ولكنه لم ينتفع بمصر كثيرا لتعاقب الولاة فيها، ولم يستفد بالسواد كثيرا لتعاقب الفتن والغارات عليها ... وحسبك من هذا داعية قلق وباعث مخافة ومبطل أمان وطمأنينة ... •••
وينبغي أن نذكر أن الحيلة في هذا التقسيم قليلة، وأن الحوادث هي التي اختارت لكل حصة من الحصتين زعيما، وأشبه الناس بها وأقربهم إلى ولاية أمرها و«كما تكونوا يول عليكم» ... ولا محل في هذه القاعدة لحيلة أو اختيار ...
فلم يكن أحد أشبه بقيادة المنافع المستبقاة من معاوية، ولم يكن أحد أشبه من علي بقيادة الشكوى التي تطمح بأصحابها إلى التغيير ...
إن شكا أناس غلبة قريش، فعلي كان يشكو منها ويظن الظنون بحقدها عليه ونكرانها لحقه، ويقول في كتاب من كتبه إلى أخيه: «... ودع عنك قريشا وتركاضهم في الضلال، وتحولهم في الشقاق، فإن قريشا قد أجمعت على حرب أخيك إجماعها على حرب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قبل اليوم ...»
وإن جاءت صيحة الإصلاح والتغيير عن طريق الدين على مذهب الحفاظ والقراء والنساك، فعلي كان إمام أهل العلم والقراءة، وأحق من يتكلم بتفقيه أو تفسير.
وإن جاءت من ضيم الفقراء فعلي فقير، أو من تهافت الولاة على المال فعلي يبغض هذا التهافت كما يبغضه أضعف الفقراء، عن زهد فيه لا عن قلة الوسائل إليه ...
فما شكا شاك قط إلا وعلي شريك له في شكواه، وكيف ينجو رجل كهذا من قيادة الدولة التي قامت على التبرم بالحال والطموح إلى التغيير؟ ... وأية حيلة له إلى جانب حيلة الحوادث وتوفيق المقادير؟ ... •••
نامعلوم صفحہ