26
وهو يقول لهم: «افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاثمائة رجل لتركتموها لنا أو تركناها لكم.» افعلوا ما بدا لكم! وهذا ما أراد؛ فما يستريح وجدانه الحي أن يضرب مسلما لإسلامه، ولم يضرب كافرا لكفره، وما يشعر أنه وفى لله دينه وقد ضرب ولم يضرب، وآذى أناسا ولم يؤذه أحد، وما تهدأ حاسة العدل فيه، وقد كانت كأنها من حواس بدنه، إلا أن يحس القصاص في نفسه، كما أحس المضروبون بالأمس عدوانه في أنفسهم.
وراح يسأل النبي: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ فقال عليه السلام: بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم. قال: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن!
فما لبث النبي أن خرج في صفين، أحدهما فيه عمر والآخر فيه حمزة، ولهما كديد كأنه كديد
27
الطحين، فدخلوا المسجد وقريش تنظر وتعلوها كآبة، فلا يجرؤ سليط
28
منها ولا حكيم أن يقترب من صفين فيهما هذان، وسماه النبي يومئذ الفاروق.
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: «ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهما، واختصر عنزته
29
نامعلوم صفحہ