عبقری اصلاح و تعلیم: امام محمد عبدہ
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
اصناف
قال الوالي ذات مرة ما فحواه: كنت أحسب مصر كما نسمع في بلادنا منبع العلوم والفضائل، فلما جئتها أخلفت ظني وذكرت المثل القائل: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!»
قال الشيخ الشبراوي: بل هي كما سمعتم معدن العلوم والمعارف.
قال الوالي: وكيف؟ وأنتم أعظم علمائها ولم أجد عندكم شيئا من العلوم التي سألت عنها، وغاية تحصيلكم المنطق والتوحيد، ونبذتم علوم المقاصد من هيئة ورياضة.
قال الشيخ: نحن لسنا أعظم علمائنا، وإنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم، وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفرائض والمواريث.
فعاد الباشا يقول: وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية، بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت، وتحرير القبلة، ومواعيد الأهلة، وعدد السنين.
فأجابه الشيخ موافقا، ولكنه قال: إن معرفة ذلك من فروض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية؛ كرقة الطبع، وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل، والأمور العطاردية، وأهل الأزهر بخلاف ذلك، أخلاط من القرى والآفاق.
فسأل الوالي: وأين البعض القائم بهذه الفريضة؟
فقال الشيخ: إنهم موجودون في بيوتهم يسعى إليهم. ودله على الشيخ حسن الجبرتي والد الشيخ عبد الرحمن المؤرخ المشهور، مطنبا في تزكية علمه وفضله.
فسألهم الوالي أن يدعوه إلى لقائه، فقال الشيخ: إنه أعظم قدرا من أن يستدعيه مثلي، ولكنكم تكتبون إليه مع بعض خواصكم فيحضر إليكم، فكتب إليه الوالي واحتفى بلقائه عند حضوره، ووجده على ما وصف من الدراية بتلك العلوم التي يدرسها الباشا، فأكثر من الاجتماع به بعد ذلك للمذاكرة فيها.
ونحن نعرف هذه القصة من رواية الجبرتي في تاريخه، كما نعرف من قصص التاريخ الأخرى شيئا كثيرا عن حقيقة العلوم الفلكية التي تلقى بعضها عن أبيه، فإذا هي على صحتها واشتمالها على أدق المعارف الفلكية التي حصلها علماء الحضارة الإسلامية، تجمع بين العلم الرياضي الصحيح وأخلاط من التنجيم وقراءة الطوالع وأرصاد السعود والنحوس ، ومن ذاك قول الشيخ عبد الرحمن في مقدمة كتابه عن الحملة الفرنسية: «إن وقائع الأيام وخطوبها، وحوادث الحادثات وكروبها ... داخلة في حين الإبداع والاختراع بما أودعه الله من الخصائص في الآثار العلوية عند اقتران بعضها ببعض، وارتباط المناسبات الخفية بينها وبين ما على وجه الأرض، وذلك بحسب جري العادة الإلهية له مسببات وحوادث يستدل عليها بتلك القرانات والمناظرات، وقد أودع الله في بعض خالصي النفوس البشرية والأرواح المجردة عن العلائق الجسمية والشهوات النفسية معرفة بعض تلك الحوادث، إما بإلهام أو باكتساب ونظر في علم الأحكام، فبالنجم هم يهتدون، وبالنظر في ملكوت السماوات والأرض يستدلون فيعرفون، من غير أن ينسب لتلك الآثار تأثيرات، وإنما هي أسباب عادية وعلامات، وإن من أعظم الدلائل على ما رميت به مصر، وحل به لأهلها تنوع البؤس والإصر، بحلول كفرة الفرنسيس، ووقوع هذا العذاب البئيس، حصول الكسوف الكلي في شهر ذي الحجة بطالع مشرق الجوزاء المنسوب إليه إقليم مصر ...»
نامعلوم صفحہ