1
فقال سعيد: «فاحسب كم يبلغ ثلثها! إن هذا القول لا يخلو من مبالغة.»
قال الخصي: «لا، لا أظنك تجد فيه مبالغة إذا عرفت كيف بني قصر الخلافة أيضا، وهو البناء الذي تراه في وسط هذه القصور. إن قصر الخلافة هذا جدره من الذهب والرخام السميك، وفي وسطه اليتيمة التي جاءتنا هدية من اليون ملك القسطنطينية. ويكفي أن تعلم أن قراميد هذا القصر من الذهب والفضة
2
غير الصهريج القائم في وسطه المملوء بالزئبق، ولمجلس هذا القصر أبواب عقدت على حنايا من العاج والآبنوس المرصع بالذهب وأصناف الجواهر، قامت على سواري من الرخام الملون والبلور الصافي. ولا حاجة بي إلى زيادة التفصيل، إذا لا تلبث أن ترى ذلك رأي العين، فلا تدهش حينذاك مهما قدرت النفقات.»
فقال سعيد: «لا تستهن بمقدار الجباية، ولكنني سمعت من بعضهم أن مقدار النفقة تبلغ كل عام 3000000 دينار، فانظر كم يجتمع من ذلك حتى يتم البناء في أربعين سنة.»
وكانت عابدة تسمع حديثهما وتعجب، وتاقت نفسها إلى رؤية ما هنالك من التحف، وقد ذهبت وحشتها من ذلك الانتقال.
وكانوا يقتربون شيئا فشيئا حتى أقبلوا على باب الزهراء الأول، ويعرف بباب الأقباء، وقد وقف عنده الحرس من الفرسان العبيد وبعض الحشم، فلما رأوا الصقلبي عرفوا أنه رسول الخليفة، ففتحوا له حتى دخل بالهودج، وسعيد معه يتفرس في وجوه الناس هناك، فرأى أكثرهم من العبيد. فمشى مسافة حتى أقبلوا على الباب الثاني من أبواب الزهراء، ويعرف بباب السدة وهو عظيم قائم على أعمدة، وعليه البوابون وأعوانهم بالملابس الخاصة بهم، وبعد أن دخلوا هذا الباب جعلوا يمرون بين الأشجار وبينها طرقات مرصوفة بالحصى الملونة، وقد تزينت جوانبها بالرياحين والأزهار، ونظر سعيد إلى ما حوله فوجد نفسه محاطا بالقصور من كل ناحية، وأول ما استقبله القصر الممرد وفيه السطح الممرد يجلس فيه الخليفة في الاحتفالات الكبرى، وإلى يساره قصر الخلافة يجلس فيه الخليفة للعمل، وإلى اليمين قصر المؤنس وفيه غرف النوم وغرف الجواري.
الفصل الرابع والثلاثون
ياسر
نامعلوم صفحہ