فتناول سعيد سكباجة بين يديه وناولها إلى عابدة وهو يقول: «ما بالك لا تأكلين يا عابدة، خذي تناولي من طعام الأمير واشكري الله على نعمه. إنك لا تبغين نعمة فوق هذه.»
فمدت عابدة يدها لتتناولها، وقطع الفقيه كلامه وهو يمد يده لتناول قدح الماء من الخادم المكلف بخدمتهم وقال: «ولو كانت عند ولي العهد؟» جعل هذه الجملة تتمة لما قاله سعيد.
فأجابه سعيد: «لست أظن أن ولي العهد إذا بلغه خبر عابدة، ولو في العراق، أن يتركها تفلت من بين يديه. لكننا لا نرضى عن مولانا الأمير عبد الله بديلا.»
فلما سمع الأمير عبد الله ذلك الحديث انشرح صدره؛ لأنه توسم في سعيد مساعدا له على رد طلب أخيه الحكم، وهو يظنه يقول ذلك ولا علم له بكتاب ولي العهد الحكم، فنظر إليه وقال: «ما قولك إذا جاءنا كتاب من أخي ولي العهد الآن، يطلب منا فيه عابدة؟»
قال سعيد: «لا أظنه يفعل ذلك بعد أن عرف أنها دخلت منزلك؛ فإن ما ناله من شرف ولاية العهد يشغله عن أن يسلبك جارية تجد متعة في حديثها. إن ولي العهد أسمى من أن يبلغ به الطمع إلى هذا الحد، فهو يدرك أنه نال بولاية العهد حقه وزاد عليه، فهل لا يترك لأخيه فتاة تسليه بحديثها؟!»
فنظر الأمير عبد الله إلى الفقيه وابتسم، يزعم أنه يفعل ذلك خلسة من سعيد، ويذكره بما اطلعا عليه من كتاب ولي العهد الحكم في ذلك المساء، فتجاهل سعيد وأتم كلامه قائلا: «وقد جرت عادة الخلفاء وولاة العهد في الإسلام أن يوسعوا لإخوتهم وأعمامهم أبواب الرزق، ويعطوهم الجواري والسراري، ويخصوهم بالإقطاعات الواسعة، ويفرضوا لهم الرواتب الباهظة، ويهدوا إليهم الهدايا الثمينة، تعويضا لهم عما خسروه من حق الملك وخوفا من نقمتهم، ومولانا ولي العهد يعلم ذلك، فكيف يعقل أنه بدلا من أن يهدي أخاه عشرات من أمثال هذه الجارية يطمع في أن يسلبه إياها؟!»
وكان سعيد يتكلم والفقيه يعجب بدهائه، وحسن أسلوبه في الإيحاء للأمير عبد الله بالإصرار على رفض طلب أخيه، والأمير عبد الله يعتقد أن سعيدا يقول ما يقوله وهو لا يعلم بما حدث، وكان يشعر عند سماع كلام سعيد أن الحق ظاهر في كل كلمة من كلامه، واقتنع بأقواله اقتناعا تاما، فأصبح يعتبر طلب أخيه الحكم تعديا على حقوقه، وسره أنه رفض طلبه، وتأسف لأنه لم يغلظ لأخيه في القول.
الفصل السابع والعشرون
كتاب آخر
ولما فرغوا من تناول الطعام انتقلوا إلى قاعة الاستراحة، وعادوا إلى سماع الغناء وسعيد يبالغ في مدح عابدة، والأمير عبد الله يزداد طربا بصوتها وإعجابا بأدبها وجمالها، حتى انتصف الليل وكادوا ينصرفون، وإذا بساهر الحاجب يدخل وبيده كتاب، ووقف حيث يعلم الأمير عبد الله أنه يريد مخاطبته، فناداه وقال: «ماذا تريد يا ساهر؟»
نامعلوم صفحہ