فأظهر الأمير عبد الله الدهشة، وقال: «تنصرف؟! إلى أين؟ أين هي الفتاة التي ذكرتها؟ هل هي جاريتك؟»
قال سعيد: «هي جارية لي، ولكنها جارية أدب وشعر ومنادمة، وليست لشيء غير ذلك، فإنها تثقفت وحفظت الشعر وأتقنت الخط والغناء والعزف على العود. هل يأمر مولانا بإحضارها في هذه الساعة؟»
فصفق الأمير عبد الله فأتى ساهر الحاجب، فأمره أن يحضر الفتاة، فخرج وعاد بها، فدخلت وانصرف الحاجب، وكانت عابدة قد هيأت نفسها لملاقاة ابن الخليفة عبد الرحمن الناصر كما أوصاها سعيد، فلبست ثوبا جميلا، وأصلحت شعرها، ونظفت أسنانها، وبدت رائعة الجمال فضلا عما كان يبدو عليها من الهيبة والذكاء.
فلما وقع نظر الأمير عبد الله عليها شعر بميل إليها، واستلطفها وأشار إليها أن تجلس. فجلست متأدبة، وقد أطرقت حياء، فابتدرها الأمير عبد الله قائلا: «ما اسمك يا حسناء؟»
قالت عابدة: «اسمي عابدة يا سيدي.»
فأعجبته رخامة صوتها، فقال: «قد أنبأنا سعيد أنك تحفظين الشعر وأخبار العرب، فأي شعر تحفظين؟»
قالت عابدة: «أحفظ ما شئت يا سيدي، من شعر الجاهليين، أو الإسلاميين، أو المحدثين. كما تشاء.»
قال الأمير عبد الله: «هل اطلعت على جمهرة أشعار العرب لأبي زيد؟»
قالت عابدة: «نعم، وحفظت نوادره، وديوان الحماسة للبحتري، وطبقات الشعراء لابن قتيبة، وقرأت أكثر دواوين المحدثين، وكثيرا من كتب الأدب، وآخرها كتاب «العقد الفريد» هذا. إنه كتاب جميل.»
فصفق الأمير عبد الله فأتي ساهر الحاجب، فأمره أن يحضر الفتاة، فخرج وعاد بها، فدخلت، وانصرف الحاجب، وكانت قد هيأت نفسها لملاقاته.
نامعلوم صفحہ