فتذكر سعيد أنه يشير إلى الزهراء، وهي التي تحسن غناء أهل الأندلس، وهو يعلم أنها وراء هذا الستار، وأحب أن يسمع غناءها فقال: «إذا أحب مولانا أن يأمر بعض جواريه المغنيات بالغناء على طريقة أهل الأندلس، وعابدة تغني على طريقة أهل بغداد، كان ذلك مجاوبة جميلة.»
فقال الناصر: «صدقت.» وأومأ إلى إحدى الجواري الواقفات في خدمتهم فتقدمت نحوه، فأشار إشارة فهمتها فمضت إلى وراء الستار، ففهم سعيد أنه أمر الزهراء بالغناء، وقال الناصر: «سنسمع غناء أندلسيا على العود، فأين عود عابدة؟»
قال سعيد: «إنها تعزف على عود لا مثيل له، ولا أظنكم سمعتم به؛ لأنه حديث العهد في الصناعة، ومخترعه لا يزال حيا.»
فشخص الناصر ببصره إلى عابدة فلم يجد معها عودا إلى جانبها، وهم أن يسأل سعيدا عما يعنيه، فرأى عابدة تمد يدها إلى جيبها ثم أخرجت منه القانون، وأخذت تركب عيدانه حتى أصبح آلة قد شدت أوتارها، فقال الناصر: «أهذا عود؟»
قالت عابدة: «نعم يا سيدي هي بعينها.»
فقال الناصر: «أظنه الآلة التي ركبها الفارابي في حضرة سيف الدولة؟»
قالت عابدة: «نعم يا سيدي هي بعينها .»
قال الناصر: «سمعت أنها أدهشت الحضور فأبكتهم، ثم أضحكتهم. فهل تعرفين العزف عليها؟ ومن أين تعلمت؟»
فأجاب سعيد عنها قائلا: «أدركت الرجل في مكان، وأخذت عنه مثال قانونه ومبادئ صناعته، وعلمت ذلك لعابدة.»
فقال الناصر مستغربا: «وأنت علمتها الموسيقى أيضا؟»
نامعلوم صفحہ